حائر متعب

منذ 2014-01-23
السؤال:

عرفتُ فتاةً عن طريق النت، كنت أدعي بأنني صديقُها، رغم أني بداخلي لا أحب التسمية، وتقربت إليها كثيرًا وعرفتها عن ظهر قلب، لقد تقابَلْنا كثيرًا وعرفتُها عن قرب، ولم نفعلْ شيئًا أبدًا وأقْسمْتُ لنفسي لا أتَجاوز معها أبدًا حتَّى تكون زوجتي شرعًا.

لم أحب ولم أعشقْ مثل هذا الحبَّ، لقد كنت أحب طيلة حياتي على تلك القوَّة التي أشعر بها معها فأنا عاشقُها وهي كذلك.

منذُ عرفتُها تطهَّرتُ من أشياءَ كثيرًا؛ مثل النفاق على الفتيات، وقولي لهم ما يحببن أن يسمعنَ، لقد كنتُ ماهرًا بذلك وكأني أعرف ماذا يردن أن يسمعن، كنت شديد المجاملة وخاصَّة للفتيات، أيضًا أؤلِّف قصصًا كثيرة كذبا وأيضًا، مواعدة الفتيات واللهو معهنَّ، وكنت لا أرى فتاة تمر بالشارع فينصرف نظري عنها حتَّى تختفي عن الأنظار، كان حياتي وشغلي الشاغل هو النساء، في كل شيء في جهازي الخلوي والكمبيوتر والنت كل شيء عن الجنس فقط ليل نهار، ولكن منذ أن عرفتُها وأحبَبْتُها كل ذلك انتهى كثيرًا، اندهش كلُّ مَن حولي ماذا حدث لي؟

وأنا أمشي في الطريق نظري دائمًا في الأرض وإذا حدثَ فجأة وقع نظري على فتاة - حتى ولم تكن مثيرة مثلاً - أتبع قولَ الرسول وأصرف بصري، تركتُ النفاق، أحببتُ الصدق وتركتُ الكذب، أنْهيتُ كلَّ علاقاتي مع أي فتاة بطريقة فظَّة؛ حتَّى لا تفكر يومًا تعود لي؛ كنت الأمس شخصًا أنا الآن نقيضُه.

ولكن من شدَّة حبي لها كنا نَتَقَابل كثيرًا، ولأنَّنا كنَّا دائمًا نتقابل في الأماكن العامَّة فلم ترحَمْنا النَّاس بِالكلمات الساخرة المُحرِجة، رغْمَ أنَّنا كنَّا في قمَّة الاحترام ولم نفعل شيئًا مُلْفِتًا ولا صوتنا عاليًا ولا أي شيء، تعبنا من اضطهاد الناس لنا، تقابلنا في شقتي، وتصدقني بأنَّنا لم نفعل شيئًا غيْرَ الضَّحك مثلما كنَّا نجلس في الأماكن العامَّة، وأيضًا تقدَّمت لخِطْبتها بالفعل، ولكنَّ الأب أجَّل هذا الأمر حتَّى تمر سنة كاملة على وفاةِ أخيه الذي هو بالتَّالي عمُّها. وخلال هذا العام كلٌّ منا أحسَّ بأنَّنا سوف نكمل المشوار سويًّا.

وحدثَ ما لم أكُن أتوقَّعُه، لقد فُضِحَ السِّر الوحيد الذي كنتُ لا أعرفه، فهي كانت تحكي لي كل صغيرة وكبيرة عن حياتها ولا تُخفي عليَّ شيئًا، شخص خسيسٌ فضحها أمامي انتقامًا منها لأنَّها نَهَرتْهُ لاتِّصاله بِها، وعرفتُ بأنَّها ذهبت معه إلى شقَّته قبل أن أَعرفَها بثلاثِ سنوات، وحدث بينَهُم ما يَحدُثُ بيْن المُراهقين في تلك السِّنِّ؛ فكانتْ في ذلك الوقت عند سن الـ 17 ربيعًا وهو 35 عامًا، وندمتْ على ذلك ولم تفعلْ ذلك أبدًا.

وفي هذه الأثناء لا أدري ماذا أصابني لقدِ اهتزَّ كلُّ شيءٍ بداخلي وأصررتُ من داخلي لابدَّ أن أنتَقِمَ مِمَّا حدثَ، ولكنْ كيفَ؟ لم أعرفْ، كنت أريد أن أفجِّر ثورتي، غضبي، صدمتي من هول ما عرفت، ودعوتُها إلى شقتي وحكتْ لي وهي منهارة، وانتهزت هذه الفُرصة وهي ضعيفة ومارستُ معها الجنس، وكنت أظن بذلك أنني سوف أثأرُ لكرامتي وسوف أنساها، ولكن حدث بالعكس أحببتُها أكثر وأكثر من الأوَّل، وبدأْنا لا نتقابلُ في الأماكن العامَّة، ونتقابَل في شقتي ونحلُم سويًّا بالبيت السعيد والأطفال، وتقابَلْنا كثيرًا ولم يَحدثْ شيء سوى أربعِ مرَّات وتوقَّفنا، وندِمْنا ولأوَّل مرَّة أبكي بسبب هذا، وعاهدتُ اللَّه بأن لا أفعل ذلك ثانيةً، ولا أُخْلِف عهدي معه بإذن الله.

كلُّ هذه الأفعال نَحن نادمون -والله- عليها، وبعد مرور العام بالفعل سوف أتزوَّجها، لكن ما مضى أرجوكم قولوا لي كيف أتخلَّصُ منه كيف أُكفِّر عنه؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ العلاقةَ التِي تنشأُ بيْنَ الرَّجُل والمرأةِ الأجنبيَّة عنه، والتي يُسمِّيها النَّاس بالحُبِّ والصَّداقة وغيرِ ذلك هي مَجموعةٌ من المحرَّمات والمَحاذير الشرعيَّة والأخلاقيَّة، التي منها: الخلْوة، والنظر المحرَّم، واللَّمس والتَّقبيل، والكلام المليء بالتَّخنُّث والتَّكسُّر والسّفول، مِمَّا يُثير الغرائزَ ويُحرِّك الشَّهوات، ثُمَّ يوقع عياذًا بالله في الزِّنا، وقد تَصِلُ هذه العلاقة إلى ما هو أعظمُ من ذلك!

فضلاً عن إفسادِ القلب، وإتلافِ الدِّين، وقتْل الحياء، ووَأْدِ القِيَم وتدْمِير المجتمع، والجناية على الإسلام وأهلِه، وتدمير أُسرةِ الفَتَى والفتاة، وسلْب حلاوةِ الإيمانِ ولذَّة العبادة، ومتعة العبوديه ،والوُقوع تَحت غضبة الجبَّار ومَكْرِه وعقابِه، وإفساد الحال والمآل، وقسوة القلب، وتعويد القلب على الجرأة على الله وفقد المراقبة، ثم انتظار قضاء دَّيْنِ الخيانة والغدر من عِرضه، وقد سبق أن بيَّنَّا حُكْمَ الحبِّ في الإسلام في فتوى "الحب"؛ فليرجع إليها.

قال الشيخ مُحمد الصالح العُثيمين: "إذا قُدِّر أن يكونَ بين الرَّجُل وبَيْنَ امرأةٍ منَ النَّاس مَحبَّة، فإنَّ أكبَرَ ما يَدفَعُ الفِتنةَ والفَاحِشةَ أن يَتَزوَّجَها؛ لأنَّه سوفَ يبقَى قلبُه معلَّقًا بِها إن لم يتزوَّجْها، وكذلك هِيَ فرُبَّما تَحصُل الفِتنة.

قد يسمع إنسانٌ عن امرأةٍ بأنَّها ذاتُ خلُق فاضل، وذات عِلم فيَرْغَبُ أن يتزوَّجها، وكذلك هي تَسمَعُ عن هذا الرَّجُل بأنَّه ذو خلُق فاضلٍ وعِلم ودين فترغبه، لكنَّ التَّواصُل بين المتحابَّيْنِ على غير وجهٍ شَرْعِيٍّ هذا هو البلاء، وهو قطعُ الأعْناق والظُّهور، فلا يَحِلُّ في هذه الحالِ أن يتَّصِلَ الرَّجُل بالمرأة، والمرأةُ بالرَّجُل، ويقول إنَّه يرغَبُ في زواجها، بل يُخبر وليَّها أنَّه يُريد زواجها، أو تُخبر هي وليَّها أنَّها تُريد الزواج منه، كما فَعَلَ عُمر -رضي الله عنه- حينَما عرضَ ابْنَتَهُ حفصةَ على أبي بكر وعثمان رضِي اللهُ عنهما، وأمَّا أن تَقوم المرْأَةُ مُباشرةً بالاتِّصال بالرَّجُل فهذا محلُّ فتنة". اهـ. "أسئلة الباب المفتوح".

فلا يَجوزُ لك الاستمرارُ في تلك العلاقةِ الآثِمة، بل يَجِب عليْكَ أن تتوبَ إلى الله توبةً نصوحًا، وأن تغضَّ طرفَك عن هذه الفتاة، وأن تُخَلِّص قلبَك من التَّفكير فيها حتَّى يُيَسِّر الله لكَ الزَّواجَ منها، بشرط أن تكونَ قد تابتْ مِمَّا مضى، فإن لم تفعل فنَنْصَحُك بالبَحْثِ عنِ امرأةٍ صالحةٍ مُتَديِّنة، ذات خلق ودين؛ كما أوصى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلَّم- لتَحْفَظ لك دينَك، وتَحثَّك على الالتزام بِشرع الله تعالى، وتَحفظ لك أولادَك، وتُربِّيهم على الدِّين والأخلاق.

ودَعْ عنْكَ مَن رضِيَتْ لنَفْسِها أن تَخلوَ بالأجانِب، وتُمارس معهم الفاحشة، فمَن رضِيَتْ لنفسها هذا فما الذي سيَمْنَعُها منه مستقبلاً؟! إلا أن تتوب وتنيب فإن التوبة تمحو الحوبة والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

واعلمْ أنَّ المُسلمَ الصَّالحَ يَحفظُ اللهُ تعالى أهلَه وذُرِّيَّتَه بصلاحه، أما الفاسد فيكون شؤمًا عليهم ولا يَجلِبُ لأهله وأبنائِه وبناتِه إلا الفساد، لأنَّ الجزاءَ من جنس العمل، فهل تُحِبُّ أن يَفعَلَ النَّاسُ بأخْتِكَ أوِ ابْنَتِك مُستقبلاً ما تفعَلُه أنت بتلك الفتاةِ أو غيرِها؟

فاتَّق الله فإنك موقوف مسؤول، وعَمِّر قلبَك بِحُبِّ الله ومُراقبته، والخوفِ من عقابه، وفكِّر في عواقبِ هذه العلاقة سواءٌ في الدنيا أو في الآخرة، فلَحَظاتُ اللذَّة في الدُّنيا قصيرة ولم تبق إلا الحسرة والنَّدامة، ونعيم الآخرة باقٍ دائمٌ وعذابُها كذلك، فكيفَ لعاقلٍ أن يُضحِّي بالنَّعيم الدَّائم بلَحَظاتٍ قصيرةٍ عابرة يَعْصِي اللهَ فيها فيسوِّد بها وجهه وقلبه ودنياه وأخراه وصحيفتَه؟! ثم يفضح على رؤوس الأشهاد يوم القيامة فينصب الله له لواء عند إسته فيقال ألا هذه غدرة فلان؛ كما صحّ عن الصادق المصدوق –صلى الله عليه وسلم- وماذا لو قدَّر اللهُ عليْكَ الموتَ وأنت على خلْوةٍ بِها أو على أيِّ حال من أحوال المعصية، وقبل أن تتمكَّن من التوبة، فكيف ستلقى ربَّك تعالى وماذا ستقول له؟!

يقول ابْنُ السَّمَّاك - كما في "سير أعلام النبلاء": "همَّة العاقل في النَّجاة والهرَب، وهمَّة الأحْمَقِ في اللَّهو والطَّرب.

عجبًا لعَيْنٍ تلَذُّ بالرُّقاد، وملَك الموت معها على الوِساد، حتَّى متى يُبلغُنا الوُّعَّاظ أعلامَ الآخرة، حتَّى كأنَّ النُّفوس عليها واقفة والعيون ناظرة، أفلا منتبهٌ من نومَتِه، أو مُستيقظٌ من غفلتِه، ومفيقٌ من سكرته، وخائفٌ من صَرْعته، كدْحًا للدُّنيا كدْحًا، أما تَجعل للآخرة منك حظًّا، أُقْسِم بالله، لو رأيتَ القِيامة تَخفِقُ بأهوالِها، والنَّارَ مُشرفةً على آلِها، وقد وُضِعَ الكتاب، وجيءَ بالنَّبيِّين والشُّهداء، لسرَّك أن يكون لك في ذلك الجَمْعِ منزلةٌ، أبعْدَ الدُّنيا دارُ معتَمَل، أم إلى غير الآخِرة منتقل؟

هيهاتَ ولكن صُمَّتِ الآذانُ عن المواعِظ، وذهِلَتِ القلوب عن المنافع، فلا الواعظُ يَنتفِعُ، ولا السَّامع ينتفع" انتهى.

فاللهَ تعالَى نسألُ أن يُعِينَك على طاعتِه، وأن يُبْعِدَك عن معصيَتِه، ويُيسِّر لك سُبُلَ الهُدى، ويهيِّئ لك من أمرِك رشدًا؛ إنَّه وليُّ ذلك والقادِرُ عليه، ولمزيد فائدة راجع فتوى: "التوبة من الزنا". والله أعلم.
 

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 4
  • 0
  • 14,377

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً