لماذا لا نتعامل مع مسلمي الجن؟

منذ 2014-10-27
السؤال:

أنا فتاةٌ أريد أنْ أشعرَ بالجنِّ وأَسْمَعهم، وأختلط مع الجنِّ المسلم؛ فالله -عز وجل- لم يحرمْ علينا أن نختلطَ بهم، وإنما حرَّم ممارسة السحر، وأذية الناس بواسطتهم، والاستعانة بهم، وسؤالهم عن الغيبيات؛ فالجنُّ منهم الصالح ومنهم غير ذلك، فلماذا إذًا لا نتعامَل مع الجن المسلم؟ ولماذا لا نتعامَل معهم كما يتعامَل البشرُ مع بعضهم؟ ألمجرد أننا لا نراهم لا نتعامَل معهم؟

أمي تقول لي: لا تُفَكِّري في الجنِّ؛ ستُصبحين مجنونةً، وأنا أستغرب مِن كلامِها كثيرًا، لماذا هذا الانعزال والخوف منهم إلى هذا الحدِّ؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فبعضُ الناس يكونون مثلك -أيتها الابنة الكريمة- مُولَعين بالأمور المغيبة عنهم، وقد أحسنتِ -بارك الله فيك- لمَّا سألتِ عن حكم الاتصال بالجن، والتعامُل معهم، وهذا هو شأن المسلم الحق؛ يسأل عن حُكم العمل قبل الإقدامِ عليه، ثبَّتك الله على الحق.

أما لماذا لا يتعامَل الإنسانُ مع الجنِّ، فكما لا يتعامل -أيضًا- مع الملائكة، وكما لا يتعامل مع أممٍ أخرى من الطير والحيوان وغيرها إلا بالقدْرِ الذي يحتاج إليه، والإيمان بهذه الغيبيات والتصديق بوجودها من أصول الإيمان؛ كما أخبر عنها الله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 2، 3].

وذُكِرَ عن وَهْبِ بن مُنَبِّهٍ أن الجن أصنافٌ: فخالصهم ريحٌ لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يتوالدون، وجنسٌ منهم يقع منهم ذلك، ومنهم السَّعالَى، والغُول، والقُطْرُب.

ذكره الحافظُ ابن حجَر ثم قال: ويؤيِّد هذا ما روى ابن حبان والحاكم مِن حديث أبي ثعلبة الخُشني، قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «الجن على ثلاثة أصنافٍ: صنفٌ لهم أجنحةٌ يطيرون في الهواء، وصنفٌ حياتٌ وعقارب، وصنفٌ يحلون ويظعنون» (صححه الحاكم، ووافَقَهُ الذهبيُّ والألبانيُّ).

وقد ذكر أهلُ العلم أنَّ الجنَّ يَتَشَكَّلون بأشكالٍ مختلفةٍ، فيتصورون بصور الكلاب؛ ففي صحيح مسلمٍ: "الكلب الأسود شيطانٌ"؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: "الكلبُ الأسودُ شيطانُ الكلابِ، والجنُّ تتصوَّرُ بصورته كثيرًا، وكذلك صورة القط الأسود؛ لأن السواد أجمع للقوى الشيطانية من غيره، وفيه قوة الحرارة".

ولْتَعْلَمي -أيتها الابنة الكريمة- أن الغرضَ مِن الإيمان بالغيب هو تقويةُ الإيمان، والقيام بالعبودية على أكمل وجهٍ، والاستقامة على طاعة الله؛ لتحصيل مرضاة الله تعالى.

وأما رغبتك في الاطِّلاع على المغيبات عنا مِن الجن، فهذا ليس هدفًا صحيحًا للمسلم، ولا يزيده إيمانًا، ولا يرفع منزلته، بل على العكس يركس صاحبه، ويؤول به للضلال عياذًا بالله؛ لأن الاتصال بالجنِّ مِن أعمال الكهان السَّحرة والمشعوذين، وليس من فعل عباد الرحمن الطيبين، ولو كان هذا غرضًا صحيحًا لسعى إليه سيدُ الخلق محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- أو أرشد إليه، والصحابة وخير القرون لم يُنقلْ عنهم شيءٌ من هذا، وإنما سعى إليه مِن سواهم مِن أهل الضلال.

فدعكِ مِن تلك الأفكار، واستبدلي بها التفكير أو التَّفَكُّر في آيات الله، وكتاب الكون المفتوح، وكتاب الله المقْرُوء؛ وقد صحَّ عن الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «احرِصْ على ما ينفعك» (صحيح مسلم)؛ معناه: احرص على طاعة الله تعالى، والرغبة فيما عنده، واطلب الإعانة من الله تعالى على ذلك، ولا تعجز، ولا تكسلْ عن طلب الطاعة، ولا عن طلب الإعانة.

وفقك الله لكل خير، وألهمك رشدك، وأعاذك من شر نفسك.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 1
  • 0
  • 8,885

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً