أخاف أن أتزوج وقلبي متعلق بآخر
سؤالي عن الحبِّ، ولا أتكلَّم عن الحبِّ الذي شُوِّهَتْ صورتُهُ هذه الأيام بالعلاقات المحرَّمة، واتباع خطوات الشيطان، وإنما أتكلَّم عن حب ٍّمكتومٍ داخل القلب.
أنا فتاةٌ أبلغ من العمر 22 عامًا، لم تتبَقَّ لي إلا سنة واحدة على التخرُّج، أكْرَمَني الله بالالتزامِ منذ الصِّغَر، ولبس الحجاب الشرعي، وأحاوِل قَدْرَ المستَطاع أنْ ألتزمَ بما أمَرَ اللهُ به، وأن أتجنَّب نواهيه، ولكني أُعاني، ولا أدري هل يصِحُّ أن أسميَها مشكلة أو لا؟!
منذ أن كنتُ في المرحلة الثانوية وأنا أُلاحظ نَظَرَات إعجابٍ مِن شابٍّ مظْهَرُهُ يُوحِي بالالتِزام، ولم يكنْ يتعمَّد أن يُشْعِرَنِي بنَظَرَاتِهِ؛ لأني كلما انتبهتُ له تَجَاهَلَنِي، استمرَّ الحال وأنا لم أهتم بالأمر مُطلقًا، ولكن بعد مُرور سنتين - تقريبًا - بدأت أُحِسُّ بميلٍ نحو هذا الشاب؛ إذ إني لاحظتُ أنه لا ينظُر إلى الفتيات، ولكني الوحيدة التي ينظُر إليها، كما أنه على قدْرٍ كبيرٍ مِن الحياء، وهذا ما جعلني أُعجب به بدايةً، إلى أن تطوَّر الأمر إلى حُبٍّ، لكني لم أُصارحه بهذا الحبِّ، كما أنني لم أصارح نفسي!
تجاهلتُهُ، وانتهت المرحلةُ الثانويةُ، ودخلتُ الجامعةَ، وابتعدتُ عن المنطقة التي كنتُ أراه فيها، ولكن المشكلة أني بدأتُ أُحِسُّ بنوعٍ مِن الفراغ العاطفيِّ، وكلما انتابَني هذا الشعورُ ينتابُنِي الخوفُ على نفسي مِن الوقوع في المحادَثات المحرَّمة، ودائمًا يتبادَر إلى ذهني ذلك الشابُّ، وكلما مرت الأيام زاد تفكيري فيه، وأتمنَّاه زوجًا لي!
مرَّت سنوات خمس وأنا على هذا الحال، مع أنه لم يُكلمني قط، ولم يُبْدِ أي تصرُّفٍ سيئ، سِوى أني أُلاحِظ ارتباكه الواضح كلما رآني.
أنا الآن في سِنِّ الزواج، وكثرةُ المتقدِّمين لخطبتي أمرٌ مقلق، وما يقلقني أكثر هو أني أرد كلَّ خاطبٍ يأتيني بدون سببٍ واضحٍ، على أمل أن يكونَ ذلك الشابُّ زوجًا لي!
الآن تقدم شخصٌ لخطبتي، فرفضتُهُ في البداية، لكنه مصرٌّ عليَّ، وَيَوَدُّ التحدُّث معي، وقد عرفت عنه أنه ذو دينٍ وخُلُقٍ، ولما رأيتُ حِرْصَهُ وإصراره عليَّ قبِلْتُ أن يأتيَ لبيتنا ويُكلمني، ولكني لا أستطيع التوقف عن التفكير في ذلك الشابِّ، وأصبحتُ هذه الأيامَ كثيرةَ البُكاء، وأدعو الله أن يُقَدِّرَ لي الخير.
لا أعلم ماذا أفعل الآن؟ هل أوافِق على الشابِّ الذي تقدَّم لي رسميًّا لأني استخرتُ وارتحتُ للموضوع؟ أو أرفض؟
أخاف أن أتزوَّجَ وقلبي مُتعلقٌ بشخصٍ آخر، أخاف أن يُعاقبني الله على هذا، أنا في حيرةٍ مِن أمري، وأُفَكِّر في رفْضِ الشابِّ الذي تقدَّم لي، كما أفكِّر في أن أُرْسِلَ رسالة للشابِّ الذي أحبه، أو أجعل أحَدًا يُرَشِّحني كزوجةٍ له، أو يعرضني عليه! أنا مُتَيَقِّنةٌ مِن حبه لي، لكن كرامتي لا تسمح لي بفِعل ذلك.
فانصحوني وأفيدوني، جزاكم الله خيرًا.
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فقبل أن أجيبَكِ عن سؤالك -أيتُها الابنةُ الكريمةُ- أُحِبُّ أن أبيِّن لَكِ أمرًا غايةً في الأهمية، لا ينتبه له كثيرٌ مِن الشباب حتى يُفِيقَ على قَرْعِ الواقع، أو يسترسل -لا قدَّر الله- فيجني على نفسه، وهذا الأمرُ هو: أن المشاعر والأحاسيس تكون جيَّاشةً في فترة المراهقة بمراحلها المختلفة، وما تلبَثُ تلك المشاعر أن تزولَ، ويبقى العقلُ والاتزانُ، والنظرُ في الأمورِ وعواقبها.
وصدِّقيني -أيتُها الابنةُ الكريمةُ- فإنَّ جميع المجتمعات الإسلامية التي تُبِيحُ الاختلاط في التعليم بمراحله المختلفة لا يَكَادُ يسلم شابٌّ أو فتاةٌ من ذلك الحب، وما هو إلا مَيْلٌ طبيعِيٌّ للجنس الآخر، إذا تَجَاوَزَ المرءُ حُدُودَهُ، وأَطلَقَ بَصَرَهُ، فما تجدينه في قلبك أمرٌ لم يَسْلَمْ منه أَحَدٌ مِمَّنْ تَعَرَّضَ له، وما هو إلا مُجَرَّدُ ميلٍ وتعلُّقٍ وتنفيسٍ لمشاعرَ لا أُنكِرُ صِدْقَهَا، ولكن حينَمَا تتزوجِينَ، ويبدأُ الحُبُّ الحقيقيُّ المبنيُّ على العِشْرَةِ والتجرِبَةِ، وخِبرَاتِ السنين، ستدركينَ -حينَها- صِدْقَ ما أقولُهُ عَيْنَ اليقين.
فانسَيْ أَمْرَ ذلك الشابِّ، ولا تَتَمَسَّكِي بِسَرَابٍ، فحتى إن كان مُعْجَبًا بِكِ، فمِن أين تيقنْتِ أنه يُرِيدُكِ زوجةً؟ ومَن لَكِ بِمَعْرِفَةِ ظُرُوفِهِ المعيشية؟ إلى غير ذلك مِمَّا يَجْعَلُكِ تأخذين باليقين، وتَدَعِين ذلك الوَهْمَ.
وقد ذكرتِ -بارك اللهُ فيك- أنَّ الشابَّ المتقدِّمَ صَاحِبُ خُلُقٍ ودينٍ، فاقْبَلِيه، وقد استخرتِ الله فارتحتِ، مَعَ أنَّ قَلْبَكِ مشغولٌ بغيرِهِ، فَهَذا مِن صِدْقِ الخِيرَةِ؛ هذا أولًا.
أما سؤالك عن الحبِّ، وهل هو حرام أو حلال؟
فهذا يختلف، فإن كان مُجرَّد مَيْلٍ إلى شخصٍ، ولَم يتجاوزْ إلى أمرٍ مُحرَّم؛ مِن نَظَرٍ، أو لِقَاءٍ، أو نحو ذلك، وَدَفَعَ هذا الميْلُ إلى الزَّواج بذلك الشخص، وكانتْ تَتَوافَرُ فيه صفاتُ الزَّوج الصالح فلا حرجَ في ذلك؛ لأنَّ هذا الميلَ فِطْريٌّ، وفي مِثْلِ هذا قال النَّبيُّ -صلَّى الله عليْه وسلَّم-: «
» (رواه ابن ماجهْ)، أو يكون الحب بغير كَسْب من الشخص، ولم يَسْعَ إليه، كمن سمع عن شخص وصفاته فأحبه، أو نظر إليه نظرة فجاءة فوَقَع في قلبه، وما شابه ذلك - فكل هذا لا يُلَامُ عليه المسلم؛ لأن الله -سبحانه- إنما يُحَاسِبُ الإنسانَ على كَسْبِهِ وإرادتِهِ وعَمَلِهِ الداخِلِ تحت إرادتِهِ، فإِنِ اتَّقَى المُحِبُّ رَبَّهُ، وَغَضَّ بَصَرَهُ، ولم يَتَعَدَّ دائِرَةَ الإعجابِ، ولم يَسْعَ إلى مُحرَّمٍ؛ كخَلْوَةٍ، أو مجالسةٍ، أو محادثةٍ، أو إلى انشغالٍ عن الواجبات، فإنه معذورٌ حتى يَجِدَ سبيلًا إلى الزواج، فإن تَعَذَّرَ عليه النكاحُ صَرَفَ قلبه عن محبوبه؛ حتى لا يَقَعَ فيما يُغْضِبُ الله تعالى، خصوصًا إن كان المحب امرأة؛ فإنه لا سبيل لها لطلب ذلك الشاب، إلا بمعصية الله، اللهم إلا أن تُرْسِلَ إليه مرسالًا ليخطبها إن كان مناسبًا لها، وتتحمل بعد ذلك التبعات.أما إن كان هذا الحبُّ قد أَوْقَعَ أو سيوقِعُ فيما حرَّم الله؛ من النَّظر، والخلْوة، والمحادثة، واللِّقاء، ونحو ذلك فإنَّه محرَّم؛ لأنَّ الشَّرعَ لا يقرُّ أيَّ عَلَاقة بين الرجُل والمرأة؛ ما لم تكُن علاقة شرعيَّة.
أما الحب الحقيقيُّ فهو يأتي بعد الزواج، ولو تأملتِ أكثر قصص المحبين على مدى التاريخ لعلمتِ هذا، ولا شكَّ أنَّ الحياةَ الزوجيَّةَ التي تقومُ على الحُبِّ بين الزوجينِ هي الصورةُ المُثْلَى للزَّوَاجِ، ولكنها ليستِ الصورةَ الوحيدةَ، ولا يعني كَمَالُ تلك الصورةِ عدم غيرِها مما فُقِدَ فيها الحُبُّ؛ فَثَمَّةَ عواملُ أُخْرَى تَمُدُّ الأُسْرَةَ بمادَّةِ بَقَائِهَا واستِمْرَارِهَا، وَكَم مِنَ المَصَالح ما يعينُ على استمرارِها بِلَا حُبٍّ؛ كَرِعايَةِ الأبناءِ؛ فَأَقَلُّ البُيُوتِ التي تُبْنَى عَلَى الحُبِّ!
فأَقْبِلي على حياتك، وتزوجي صاحب الخلق والدين، ودعكِ من مَيلك القديم.
وفقك الله لما يحبه ويرضاه.
- التصنيف:
- المصدر: