الفرق بين حق الأم وحق الزوجة

منذ 2015-05-05
السؤال:

نحن أسرةٌ مُكَوَّنةٌ مِن أربعة أفراد، نعيش في بيت عائلة، مع جدتي وأبنائها، شقتنا عبارة عن غرفتين، ونحن الأربعة ننام في غرفة واحدةٍ؛ أنا، وأخي، وأبي، وأمي، والغرفة الأخرى أصبحت استقبالًا للضيوف منذ وقت قصيرٍ.

حالتُنا الماديةُ تسمح باستئجار شقة في مكان آخر، ولكن المشكلة أن أبي لا يريد ترْك البيت؛ ظنًّا منه أن جدتي سيُضايقها هذا الأمر.

كذلك أبي يفعل كلَّ شيءٍ لكلِّ مَن في البيت كبيرًا وصغيرًا، ومع هذا يقع علينا ظلمٌ كبيرٌ مِن جميع الأطراف، وأولهم جدتي؛ فهي تفضل أعمامي على أبي بشكلٍ واضح للغاية، على الرغم من أنه أكثرهم برًّا بها.

نريد أن نقنعَ أبي بأخْذِ مسكنٍ آخر قريبٍ مِن بيتنا الحالي، ولكنه يخاف من غضب جدتي عليه، وحينما قلنا له: وأمي أين حقها؟ قال: لن أفعل شيئًا؛ أمي أهمّ.

اقترحتْ عليه جدتي أن ينزلَ لينام معها ليلًا؛ لضيق مسكننا، ولكن أين حق الأسرة هنا في عدم وجود أبي معنا؟

إضافة إلى ذلك فأمي تلقى سوء معاملة من الجميع، وهي على هذه الحال منذ 30 عامًا، وأبي لا يبالي بحق أمي، ويكتفي بقول: أمي أهم، وأمكم سأحاسب عليها، أعلم أن الوضعَ سيئٌ للغاية، ولكني لن أفعل شيئًا؛ فأمي أهم!

أعلم أن الأم -قطعًا- حقوقها وأفضالها أكثر من الزوجة، ولكن الزوجة -أيضًا- لها حقوقٌ، ولا يجوز أن يأتي على حساب أحد، ومَن كسر مؤمنًا فعليه جبره.

فالسؤال هنا: هل من إثم علينا إن انتقلنا إلى منزلٍ آخر قريبٍ من جدتي؟ وهل يعدُّ هذا عقوقًا للوالدين؟ وما حق أمي في هذه الحالة؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فجزاك الله خيرًا لحِرْصك على بر والدتك، واللهَ نسأل أن يُصْلِحَ والدك؛ فإنَّ الله -تعالى- حكمٌ عدلٌ، أعطى كل ذي حقٍّ حقه، فلا يطغى حقٌّ على غيره، والجمعُ بين بر الأم، وحُسن معاشرة الزوجة بالمعروف والشفقة على الأولاد هو الأفضلُ والأكمل؛ ولو كان في ذلك مَشَقَّةٌ!

والذي يظهر أن والدكِ لا رغبة عنده في تغيير الوضع للأحسن؛ لأنه يمكنه -كما هو حال جميع الناس- أن يسكنَ في سكنٍ آخر، ويوسع عليكم، ويحافظ في نفس الوقت على بر والدته وزيارتها، فيجمع بين صلة الوالدة، وبر زوجته وأبنائه، فيجلس معكم صدر النهار، ثم يذهب لأمه باقي اليوم، أو نحو ذلك، إن كان ذلك ممكنًا.

وما يَذْكُرُه الوالدُ مِن أن أمه أهمّ، وأن حق الوالدة مُقَدَّمٌ على حق الأولاد؛ هذا في حال تعذر الجمع بين القيام بالحقين؛ فبِرُّ الوالدين وخدمتهما، وإيثارهما عمَّن سواهما من الأولاد والزوجة وغيرهم مُتَعينٌ، ولكن عند تعذُّر الجمع بين الحقوق، والتعارض بينها من كل وجهٍ - يُقَدَّم حق الوالدين.

وقد غاب عن الوالد أن السكنَ الخاص حقٌّ للزوجة والأولاد، وهو واجبٌ عليه، مسؤولٌ عنه؛ فمن حق الزوجة على زوجها أن يوفِّرَ لها سكنًا مستقلًّا، ولا يلزمها أن تسكن مع أهله، وخاصة إذا ترتَّب على سكناها معهم أي ضررٍ يلحق بها.

وقد ذكرت أنكم -جميعًا- تنامون في غرفةٍ واحدةٍ؛ وهذا شيءٌ غايةٌ في القُبح، يترتَّب عليه أضرارٌ نفسيةٌ وخُلقيةٌ لا تخفى؛ فضلًا عما يلحق والدتك من ظلمٍ مِن عائلة زوجها؛ وكان الواجبُ والمروءة على أبيك أن يحميَها منها؛ وقد قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، وقال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 228]، وفي الحديث: «خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي» (رواه الترمذي).

وأهم ما تُبنى عليه الأسرةُ وتسعد به هو أن يقومَ كلٌّ مِن الزوجين بما عليه مِن حقوقٍ شرعيةٍ تجاه الآخر، وأن يغضَّ الطرف عن الهفْوة والزلّة، ويتغافل قدْر المستطاع؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «استوصوا بالنساء خيرًا» (متفقٌ عليه).

وما دام والدُك يمكنه أن يسدّ حاجة والدته مما تحتاج إليه، أو كان لديها ما يسدّ حاجتها من أبنائها الآخرين، فلا يجب عليه أكثر مِن هذا.

أما تقصيرُه معكم بالصورة المذكورة، فأبلغوه هذا بلطفٍ ولينٍ، وبيِّنوا له أنه يظلمكم، ويفرض عليكم حياةً لا تريدونها.

يسَّر الله لكم الخيرَ حيث كان.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 7
  • 2
  • 56,138

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً