رفضتُ الزواج مِن ابنة عمي فغضب عليَّ أبي

منذ 2013-07-03
السؤال: أنا شابٌّ جامعيٌّ، قبل مدَّة أَخْبَرْتُ أبي أني أرغب في الزواج مِن فتاةٍ تعرفتُ عليها مِن خلال الشبكة العنكبوتية؛ لِمَا عرفتُ عنها مِن أخلاقٍ طيبةٍ، ودينٍ وخُلُقٍ عظيم، كما أنها مُكافِحَةٌ، فهي التي تقوم بالعمل لأجل أهلها بعد أن مات والدها!
قبل أن أخبرَ أبي قمتُ بعمل صلاة الاستخارة، والحمد لله انشرح صدري بعد أن قمتُ بأداء الصلاة، كما أنَّ الفتاة اشترطتْ موافَقَةَ أبي وأمي قبل الإقدام على مثْلِ هذه الخطوة، حينما عرفت صلاحَهَا لي أخبرتها أنني أرغب في الزواج منها، وأن عليها أن تمهِّد الطريق لوالدتها، فقد رحبتْ بالفكرة، وفرحتْ أيما فرح!
بعد أن أخبرتُ أبي، غضب مني غضبًا لم أرَ مثله مِن قبلُ، وأصرَّ على أن أتزوَّج ابنة عمي، شئتُ أم أبيتُ.
قمتُ بصلاة الاستخارة، ولكني لم أرتحْ نفسيًّا، وأعدتُ صلاة الاستخارة مِن جديد، ولكني لم أجدْ راحةً.
سببُ رفْضِ أبي للفتاة أنها مِن مدينةٍ أخرى غير التي نحن منها، ولا يعرف عنها أي شيء! فلربما أصبحتُ حديثَ الناس وسَيِّئ السمعة؛ لأني تركتُ قريتي واخترتُ مِن مدينةٍ بعيدةٍ عني، وهذا أيضًا مَدْعاةٌ لاختلاف الثقافات، والآراء، ووجهات النظر؛ يقول الله سبحانه وتعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، ويقول أيضًا: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ}، وَمَا يَزَالُ أبي في قِمَّة غضبه تجاهي، وأنا أحاول أن أرضيه بأية طريقةٍ؛ أُحاول أن أُصالحه، وأقَبِّل رأسه، أنا أعرف أبي تمامًا، فهو إنسانٌ طيِّبُ القلب، ويضحك كثيرًا، ولكنه يُخفِي آلامه بداخِلِ قلبه، ويكتمها!
لا أعرف ماذا أفعل؟ هل عليَّ أن أطيعَ والدي وأن أتزوجَ الفتاة التي لا أحبها؟ أو أختار مَنِ اختارها قلبي بعد صلاتي للاستخارة؟
علمًا بأني لو تركتُها فسوف تنهار بشدة، وأخاف أن يصيبَهَا مكروهٌ بسببي، ولكم جزيل الشكر والتقدير.
الإجابة: الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فشكر الله لك أَيُّها الابن الكريم خَوْفَكَ على والِدِك، وبِرَّك به الذي دفعك للتأنِّي في الأمر؛ حتى تَعْرِفَ حُكْم الشرع في علاقتك بفتاةٍ عن طريق الإنترنت، وهل هذه طريقةٌ صحيحةٌ للزواج؟ أو إذا ساءت البداياتُ، ساءت النهاياتُ؟ وكذلك حكمُ طاعة والدك فيما يأمرك به؟
فأقول لك: أنا مُقَدِّرٌ ومُدركٌ الصَّدمةَ والمرارَةَ على نفسِك ونَفْسِ فَتَاتِك إذا تركتَهَا، ولكن تلك المرارةُ المؤقتةُ التي جَلَبْتُمَاها على أنفُسِكُما بمُخالفة الشرع أقلُّ بكثيرٍ من مرارةِ الاستمرارِ في تلك العلاقةِ من صَدَمَاتٍ هي الأخطرُ، وهي الأكبر، وهي المرفوضة شرعًا؛ فالإسلامُ وقيمُنا العربيةُ لا تقرُّ ولا ترضى بأي عَلَاقة بين شاب وفتاة، حتى وإن كانت بِغَرَضِ الزَّوَاجِ، إلا إذا كانت تحت غطاءٍ شَرْعِيٍّ مِن ضوابط هذا الدين، وتكون العلاقة مُعلنةً عن طريق أهل الفتاة، وأهل الرجل، وتوصل إلى الزواج الصحيح، وكلُّ هذه الأمورُ غيرُ متوفِّرةٍ في علاقات الإنترنت التي جَلَبَتِ العَارَ على كثيرٍ من البيوت، وَدَفَعَتِ الكثيرَ للانحراف، وصدِّقني مهما ظننتَ في نفسك التمييزَ بين الغثِّ، والسمين، والأصليِّ، والرديء، فلن تستطيع تجنُّبَ الخديعة؛ لأن الميلَ والاستعداد الفطريَّ والغريزةَ الطبيعيةَ، كل هذا يدفَعُ في اتجاه الميل، والارتباط بالفتاة، وهذا هو سِرُّ سعادَتِك بعد الاستخارة؛ لأنك في الأصل تستخير الله وأنت متخذٌ لِقَرَارِك، مائلٌ إليها أصلًا، منشرحٌ بها صدْرُك، فتدبَّر هذا جيدًا.

فكيف - أيها الكريمُ - إذا انضَمَّ لما ذكرنا رفضُ الوالد وغضبه وما يترتب عليه مِن احتمال خسارة رضاه؟! ولا يخفى عليك أن نجاحَ الإنسان أن يأتيَ بامرأةٍ تَقْبَلها أسرته، ويرتضيها هو في جمالها، ودينها، وأخلاقِها، وقد نسيت - أيُّها الحبيبُ - في زحمة ما أنت فيه أنَّ الفتاة المتديِّنة الخلوق تلتزم الضوابط الشرعية، ولا تُقيم علاقَةً مع شابٍّ أجنبيٍّ عنها، فَدَعْك من تلك الفتاة، وراجعْ نفسك بخصوص ابنة عمك بعدما تُغْلِقُ ذلك الماضي، وقفْ مع نفسك بهدوءٍ ورويَّةٍ؛ فرُبَّما يكون سبب رفضك لها هو انشغالك بالفتاة الأخرى؛ فالمشغولُ لا يُشْغَلُ، ولكن بعدما تُفْرِغُ قلبك مِن الأولى وتُشْعِرُ نفسك اليأس منها، فانظرْ بعدها، فليس كُلُّ البُيُوتِ تُبْنَى على الحُبِّ، ولكن مُعاشرة على الأنساب والإسلام - كما قال الفاروق عمر، ولكن إن شعرت بعدما وصفناه لك أنك لا تميلُ إليها كزوجة لك، فكن واضحًا - تمامًا - مع الوالِدِ، وأخبِرْهُ بما تشعُر، وأنه لا يُتَصَوَّرُ أن تحيا مع امرأةٍ لا تميلُ إليها كزوجة؛ فالغالبُ هو عدمُ التوافُقِ في الزواج مستقبلًا؛ مما يعني المشاكلَ، والتعبَ، وعدم السعادة الزوجية، والتي قد تنتهي بالطلاق في كثيرٍ من الأحيان، وهذا الموقِفُ يحتاجُ إلى شَجَاعَةٍ، ووُضُوحٍ، وصَرَاحَةٍ تامَّةٍ؛ بحيث إن التردُّدَ وَعَدَمَ الوُضُوحِ قد يَجُرُّ عليك المَشَاكِلَ، والمتاعب مِن الأهل؛ بحيث تزدادُ ضُغُوطُهُم عليك لأجْلِ الموافَقة، كما لا يَخفَى عليك أنَّ كلَّ هذا إن تَحَقَّقْتَ مِن نفسِك عدم الرغبةِ في ابنة عمك، فلا بُدَّ مِن الصراحة، والإخبار بذلك بوضوحٍ منذ البداية، وقبل اتِّخَاذِ أيِّ إجراءاتٍ؛ مِن الخِطبة، ونحو ذلك، وأما إن شعرت - فقط - بالتردُّدِ مع وُجود شيءٍ من الميول، وأنك تشعر برغبةٍ فيها غير أنك متردِّدٌ في ذلك، فهذا أمرٌ يحتاجُ منك إلى تَمَهُّلٍ، وعدم استعجالٍ؛ سواءٌ كان في الموافقة، أو الرفض، بل تَتَمَهَّل حتى تتأكدَ من مَيْلِك إلى الفتاة، واقتناعِك بها كزوجةٍ لك، فإذا حَصَلَ هذا الإقناعُ، تَمَّ الأمرُ ولله الحمدُ، وإن لم تَحْصُلِ الرغبةُ فيها كزوجةٍ، فالجوابُ هو الاعتِذَارُ عن المُوافَقَةِ وبكلِّ وُضُوحٍ.

وفقك الله لكلِّ خير.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 4
  • 1
  • 18,488

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً