زوجي يهينني ولا ينفق علي، فهل تجب علي طاعته؟

منذ 2017-09-24

سيدة متزوجة تشكو زوجها الخائن العاطل، الذي قصَّر في حقِّها وخانها وآذاها كثيراً، وبعد أن أبعدته من بيتها تسأل: هل من الواجب عليها طاعته؟

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا سيدة مُتزوِّجة ولديَّ أولاد، زوجي مِن عشر سنوات لا يعمل، وكلما وفَّرْتُ له عملاً، وساعدتُه في الحُصُول على وظيفةٍ، يَتركها بدون عُذرٍ، وأشُكُّ في أنه يتعاطَى المخدِّر.

فعل بي الكبائر، وآلَمني كثيرًا؛ هجرًا، وضربًا، وخيانة، وعدم نفقة، وقلة مودة، وانعدام مسؤولية، وحرمني مِن كلِّ شكل من أشكال الحياة الزوجية.

بالرغم مِن ذلك رضيتُ بالقليل، ولم أكنْ أريد منه إلا أن يخاف الله في نفسه وفيَّ وفي أولاده!

قررتُ مع هذه الحياة الموحشة والآلام التي أعيشها معه - أن أستقرَّ وأخطِّطَ لحياةٍ تغنيني عنه أنا وأولادي، وتمكَّنْتُ - بفضل الله وتوفيقه - أن أمتَلِك منْزلاً، وضاق بي الحال بعدها ماديًّا، وتعبتُ نفسيًّا لضيق الحال مع كثرة طلبات الأولاد، وزوج عاطل متوحِّش!

إلى أنِ اكتشفتُ أنه يَزني ويَخون، ولم أعُدْ أشعُر معه بالأمان إطلاقًا، فعدَمُه أفضلُ مِن وُجُودِه، خصوصًا أنني أخرج للعمل وأولادي يخرجون لمدارسهم، ويبقى هو مع الخادمة، فعلمتُ بكل الخيانات التي فعَلها، ولم أصارحْه بها، ودعوتُ الله أن يهديه! وقلتُ: اللهم أفرغْ عليَّ صبرًا!

رأيتُ خيانته لي مع الخادمة، ولم أتَحَمَّلْ؛ فكانت القشة التي قصمتْ ظهْر البعير، فقمتُ بِطَرْدِه من منزلي، وطالبْتُه بالطلاق، فلم يَستجبْ، وأنا الآن مُعَلَّقة منذ ثلاث سنوات، وهو لا يُنفق عليَّ، ولا يُحاول تغيير سلوكه.

أما استشارتي ومشكلتي التي حيرتني فهي أنه:

يطالب بحقه في أن أمَكِّنه من نفسي سرًّا، ويأتي لمنزلي كالسارق؛ لأن هذا يعدُّ حقًّا له - كما في نظره، رغم تقصيره الكبير والمرير!

فلم يُطَلِّقْ، ولم ينفقْ عليَّ، ولا يخاف الله، ويُطالب وبقوة أن أُمَكِّنه مِن نفسي، فهل هذا مِن حقِّه؟ أو أكون مَلعونة - كما يقول - عندما أرفضه؛ لأنه رفض أن يُطلقني رغم هجْرِه لي مدة 3 سنوات؟!

حاولتُ الطلاق، لكن للأسف لم أجدْ من يُساعدني في إجراءات الطلاق، وليس لديَّ مالٌ لأخلعه!

رجاء أجيبوني عن مشكلتي، فقد عجزتُ عن إيجاد حلٍّ.

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فشكر الله لك أيتها الأخت الكريمة صبْرك على هذا الرجل كل هذه السنين، وإن كان صبرًا في غير موضعِه، لكنه في نهاية الأمر صبرٌ على بلاء يُرجى منه تكفير السيئات ورفْع الدرجات، كما في الحديث المتفق عليه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يُصيب المسلم مِن نصَبٍ ولا وصبٍ، ولا همٍّ ولا حزنٍ ولا أذى ولا غمٍّ، حتى الشوكة يُشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه»؛ وزوجُك قد جمع عليك مع الست المذكورة في الحديث أضعافًا مُضاعفة من البلايا والرزايا!

ولا أدري حقيقةً أيتها الأخت الكريمة كيف صبرتِ على هذا العذاب الأليم عشر سنين كاملة مع زوج عاطلٍ، فَعَل معك كل الكبائر، وآلَمَك كثيرًا؛ مِن ضربٍ وخيانةٍ حتى مع الخادمة، ومنع نفقة وعدم مَوَدَّة، وفوق هذا وهذا متوحِّش؟! ولا أدري هل كنتِ حقًّا تُؤمِّلين أن تشعري مع رجل كهذا بالأمان؟!

ولكن قدر الله وما شاء فعل، فإنك صبرتِ وكتمتِ وسترتِ عليه، حتى تمادى طيلة هذه السنوات، ونسيتِ أن وضعَ الصبر في غير موضعه كمَن يجعل المعروف في غير أهله، ومِن بديع أمثال العرب: إنك لا تجني مِن الشوك العنب؛ أي: إنَّ الشر لا تستحصل منه خيرًا، والفساد لا تكتسب منه صلاحًا، كما أنَّ العنب لا ينبت مِن الشوك!

وقد أحسنتِ بطَرْدِه مِن منزلك، وإن كان هذا الأمر قد أتى متأخِّرًا كثيرًا، ولكن لأن يصلَ المرء متأخرًا خيرٌ مِن ألا يصل أبدًا، فرجلٌ بهذه الصفات أشبه بالضرس التالف الذي ينبح على صاحبه، فلا يَصْلُح معه إلا الخلعُ والرَّمي.

ولتبحثي عمن يُساعدك في الذهاب للمحكمة لِرَفْع قضية الخلع، ولن تعدمي أحدًا من أهل الخير.

ولْتَحْذَري بارك الله فيك مِن أن تمكنيه من نفسك بهذه الطريقة المهينة التي أحسنتِ في توصيفها، فقد نصَّ العلماء على أن للزوجة الامتناع عن زوجها إن لم يوفرْ لها النفقة الواجبة والمسكن المستقل؛ قال الإمام ابن قُدامة في المغني (8/ 207): "إذا رَضِيَتْ بالمقام مع ذلك، لَم يلزَمْها التمكينُ من الاستمتاع؛ لأنه لم يُسَلِّم إليها عوضه، فلم يَلْزَمْها تسليمه، كما لو أعسر المشتري بثمن المبيع، لم يجب تسليمُه إليه، وعليه تخليةُ سبيلها، لتكتسبَ لها، وتحصِّل ما تُنفقه على نفسها؛ لأنَّ في حبسها بغير نفقة إضرارًا بها.

ولو كانتْ موسرةً لم يكن له حبْسُها؛ لأنه إنما يَمْلك حبسها إذا كفاها المؤنة، وأغناها عما لا بد لها منه، ولحاجته إلى الاستمتاع الواجب عليها، فإذا انتفى الأمران، لم يملك حبسها".

وقال أيضًا في المغني (8/ 204): "إنَّ الرجل إذا منع امرأته النفقة، لعُسرته وعدَمِ ما يُنفقه، فالمرأةُ مُخَيَّرةٌ بين الصبر عليه وبين فراقه، ورُوِيَ نحو ذلك عن عُمَرَ، وعليٍّ، وأبي هريرة، وبه قال سعيدُ بن المُسَيَّب، والحسنُ، وعمرُ بن عبدالعزيز، وربيعةُ، وحمَّادٌ، ومالكٌ، ويحيى القَطَّان، وعبدالرحمن بن مَهدي، والشافعيُّ، وإسحاقُ، وأبو عبيد، وأبو ثَوْر. اهـ

وقال الإمام الشيرازي في المهذَّب في فقه الإمام الشافعي (3/ 155): "وإن اختارت المقامَ بعد الإعسار لم يلزمْها التمكين من الاستمتاع، ولها أن تخرجَ من منزله؛ لأن التمكينَ في مقابلة النفقة، فلا يجب مع عدَمِها".

وتأمَّلي أن هذا المنع لزوج مستقيم، لكنه مُعسر، فكيف إذا انضمَّ للإعسار بالنفقة ما يقترفه من موبقاتٍ وكبائر، فهل يحتجُّ بعد هذا بالأحاديث القاضية باللعن عند الامتناع من الفراش، اللهم لا، لا يقول مثل هذا مَن له أدنى دراية بالعلم الشرعي.

هذا، وقد اختار شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله تعالى - أن تهجرَ المرأة زوجها؛ لحقِّ اللهِ، حتى وإن كان ينفق عليها، بل يجب تمكينها من النفقة؛ واحتجَّ بحديثِ كعبِ بنِ مالكٍ في قصةِ الثلاثةِ الذين خُلِّفوا عن غزوةِ تبوكٍ، وفيه قال: «إن رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يأمرُك أن تعتزلَ امرأتَك، فقلتُ: أطلقُها أم ماذا أفعلُ؟ قال: لا، بل اعتزلْها ولا تَقْربْها، وأرسلَ إلى صاحبي مثلَ ذلكَ، فقلتُ لامرأتي: الْحقي بأهلِكِ، فتكوني عندَهم حتى يقضيَ اللهُ في هذا الأمرِ»، فقال رحمه الله في الفتاوى الكبرى (5 / 480): "وتَهْجرُ المرأةُ زوجها في المضجعِ لحقِّ اللهِ؛ بدليلِ قصةِ الذين خُلفوا في غزوةِ تبوكٍ، وينبغي أن تملكَ النفقةَ في هذه الحالِ؛ لأن المنعَ منه، كما لو امتنع من أداءِ الصَّداقِ" اهـ.

وفَّقك الله لكل خيرٍ، وفرَّج كربك، وجعَل لك مخرجًا قريبًا عاجلاً غير آجل.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 8
  • 2
  • 50,057
  • qwe qwe

      منذ
    الإجابة: الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ: فشكر الله لك أيتها الأخت الكريمة صبْرك على هذا الرجل كل هذه السنين، وإن كان صبرًا في غير موضعِه، لكنه في نهاية الأمر صبرٌ على بلاء يُرجى منه تكفير السيئات ورفْع الدرجات، كما في الحديث المتفق عليه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يُصيب المسلم مِن نصَبٍ ولا وصبٍ، ولا همٍّ ولا حزنٍ ولا أذى ولا غمٍّ، حتى الشوكة يُشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه»؛ وزوجُك قد جمع عليك مع الست المذكورة في الحديث أضعافًا مُضاعفة من البلايا والرزايا! ولا أدري حقيقةً أيتها الأخت الكريمة كيف صبرتِ على هذا العذاب الأليم عشر سنين كاملة مع زوج عاطلٍ، فَعَل معك كل الكبائر، وآلَمَك كثيرًا؛ مِن ضربٍ وخيانةٍ حتى مع الخادمة، ومنع نفقة وعدم مَوَدَّة، وفوق هذا وهذا متوحِّش؟! ولا أدري هل كنتِ حقًّا تُؤمِّلين أن تشعري مع رجل كهذا بالأمان؟! ولكن قدر الله وما شاء فعل، فإنك صبرتِ وكتمتِ وسترتِ عليه، حتى تمادى طيلة هذه السنوات، ونسيتِ أن وضعَ الصبر في غير موضعه كمَن يجعل المعروف في غير أهله، ومِن بديع أمثال العرب: إنك لا تجني مِن الشوك العنب؛ أي: إنَّ الشر لا تستحصل منه خيرًا، والفساد لا تكتسب منه صلاحًا، كما أنَّ العنب لا ينبت مِن الشوك! وقد أحسنتِ بطَرْدِه مِن منزلك، وإن كان هذا الأمر قد أتى متأخِّرًا كثيرًا، ولكن لأن يصلَ المرء متأخرًا خيرٌ مِن ألا يصل أبدًا، فرجلٌ بهذه الصفات أشبه بالضرس التالف الذي ينبح على صاحبه، فلا يَصْلُح معه إلا الخلعُ والرَّمي. ولتبحثي عمن يُساعدك في الذهاب للمحكمة لِرَفْع قضية الخلع، ولن تعدمي أحدًا من أهل الخير. ولْتَحْذَري بارك الله فيك مِن أن تمكنيه من نفسك بهذه الطريقة المهينة التي أحسنتِ في توصيفها، فقد نصَّ العلماء على أن للزوجة الامتناع عن زوجها إن لم يوفرْ لها النفقة الواجبة والمسكن المستقل؛ قال الإمام ابن قُدامة في المغني (8/ 207): "إذا رَضِيَتْ بالمقام مع ذلك، لَم يلزَمْها التمكينُ من الاستمتاع؛ لأنه لم يُسَلِّم إليها عوضه، فلم يَلْزَمْها تسليمه، كما لو أعسر المشتري بثمن المبيع، لم يجب تسليمُه إليه، وعليه تخليةُ سبيلها، لتكتسبَ لها، وتحصِّل ما تُنفقه على نفسها؛ لأنَّ في حبسها بغير نفقة إضرارًا بها. ولو كانتْ موسرةً لم يكن له حبْسُها؛ لأنه إنما يَمْلك حبسها إذا كفاها المؤنة، وأغناها عما لا بد لها منه، ولحاجته إلى الاستمتاع الواجب عليها، فإذا انتفى الأمران، لم يملك حبسها". وقال أيضًا في المغني (8/ 204): "إنَّ الرجل إذا منع امرأته النفقة، لعُسرته وعدَمِ ما يُنفقه، فالمرأةُ مُخَيَّرةٌ بين الصبر عليه وبين فراقه، ورُوِيَ نحو ذلك عن عُمَرَ، وعليٍّ، وأبي هريرة، وبه قال سعيدُ بن المُسَيَّب، والحسنُ، وعمرُ بن عبدالعزيز، وربيعةُ، وحمَّادٌ، ومالكٌ، ويحيى القَطَّان، وعبدالرحمن بن مَهدي، والشافعيُّ، وإسحاقُ، وأبو عبيد، وأبو ثَوْر. اهـ وقال الإمام الشيرازي في المهذَّب في فقه الإمام الشافعي (3/ 155): "وإن اختارت المقامَ بعد الإعسار لم يلزمْها التمكين من الاستمتاع، ولها أن تخرجَ من منزله؛ لأن التمكينَ في مقابلة النفقة، فلا يجب مع عدَمِها". وتأمَّلي أن هذا المنع لزوج مستقيم، لكنه مُعسر، فكيف إذا انضمَّ للإعسار بالنفقة ما يقترفه من موبقاتٍ وكبائر، فهل يحتجُّ بعد هذا بالأحاديث القاضية باللعن عند الامتناع من الفراش، اللهم لا، لا يقول مثل هذا مَن له أدنى دراية بالعلم الشرعي. هذا، وقد اختار شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله تعالى - أن تهجرَ المرأة زوجها؛ لحقِّ اللهِ، حتى وإن كان ينفق عليها، بل يجب تمكينها من النفقة؛ واحتجَّ بحديثِ كعبِ بنِ مالكٍ في قصةِ الثلاثةِ الذين خُلِّفوا عن غزوةِ تبوكٍ، وفيه قال: «إن رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يأمرُك أن تعتزلَ امرأتَك، فقلتُ: أطلقُها أم ماذا أفعلُ؟ قال: لا، بل اعتزلْها ولا تَقْربْها، وأرسلَ إلى صاحبي مثلَ ذلكَ، فقلتُ لامرأتي: الْحقي بأهلِكِ، فتكوني عندَهم حتى يقضيَ اللهُ في هذا الأمرِ»، فقال رحمه الله في الفتاوى الكبرى (5 / 480): "وتَهْجرُ المرأةُ زوجها في المضجعِ لحقِّ اللهِ؛ بدليلِ قصةِ الذين خُلفوا في غزوةِ تبوكٍ، وينبغي أن تملكَ النفقةَ في هذه الحالِ؛ لأن المنعَ منه، كما لو امتنع من أداءِ الصَّداقِ" اهـ. وفَّقك الله لكل خيرٍ، وفرَّج كربك، وجعَل لك مخرجًا قريبًا عاجلاً غير آجل. لإجابة: الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ: فشكر الله لك أيتها الأخت الكريمة صبْرك على هذا الرجل كل هذه السنين، وإن كان صبرًا في غير موضعِه، لكنه في نهاية الأمر صبرٌ على بلاء يُرجى منه تكفير السيئات ورفْع الدرجات، كما في الحديث المتفق عليه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يُصيب المسلم مِن نصَبٍ ولا وصبٍ، ولا همٍّ ولا حزنٍ ولا أذى ولا غمٍّ، حتى الشوكة يُشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه»؛ وزوجُك قد جمع عليك مع الست المذكورة في الحديث أضعافًا مُضاعفة من البلايا والرزايا! ولا أدري حقيقةً أيتها الأخت الكريمة كيف صبرتِ على هذا العذاب الأليم عشر سنين كاملة مع زوج عاطلٍ، فَعَل معك كل الكبائر، وآلَمَك كثيرًا؛ مِن ضربٍ وخيانةٍ حتى مع الخادمة، ومنع نفقة وعدم مَوَدَّة، وفوق هذا وهذا متوحِّش؟! ولا أدري هل كنتِ حقًّا تُؤمِّلين أن تشعري مع رجل كهذا بالأمان؟! ولكن قدر الله وما شاء فعل، فإنك صبرتِ وكتمتِ وسترتِ عليه، حتى تمادى طيلة هذه السنوات، ونسيتِ أن وضعَ الصبر في غير موضعه كمَن يجعل المعروف في غير أهله، ومِن بديع أمثال العرب: إنك لا تجني مِن الشوك العنب؛ أي: إنَّ الشر لا تستحصل منه خيرًا، والفساد لا تكتسب منه صلاحًا، كما أنَّ العنب لا ينبت مِن الشوك! وقد أحسنتِ بطَرْدِه مِن منزلك، وإن كان هذا الأمر قد أتى متأخِّرًا كثيرًا، ولكن لأن يصلَ المرء متأخرًا خيرٌ مِن ألا يصل أبدًا، فرجلٌ بهذه الصفات أشبه بالضرس التالف الذي ينبح على صاحبه، فلا يَصْلُح معه إلا الخلعُ والرَّمي. ولتبحثي عمن يُساعدك في الذهاب للمحكمة لِرَفْع قضية الخلع، ولن تعدمي أحدًا من أهل الخير. ولْتَحْذَري بارك الله فيك مِن أن تمكنيه من نفسك بهذه الطريقة المهينة التي أحسنتِ في توصيفها، فقد نصَّ العلماء على أن للزوجة الامتناع عن زوجها إن لم يوفرْ لها النفقة الواجبة والمسكن المستقل؛ قال الإمام ابن قُدامة في المغني (8/ 207): "إذا رَضِيَتْ بالمقام مع ذلك، لَم يلزَمْها التمكينُ من الاستمتاع؛ لأنه لم يُسَلِّم إليها عوضه، فلم يَلْزَمْها تسليمه، كما لو أعسر المشتري بثمن المبيع، لم يجب تسليمُه إليه، وعليه تخليةُ سبيلها، لتكتسبَ لها، وتحصِّل ما تُنفقه على نفسها؛ لأنَّ في حبسها بغير نفقة إضرارًا بها. ولو كانتْ موسرةً لم يكن له حبْسُها؛ لأنه إنما يَمْلك حبسها إذا كفاها المؤنة، وأغناها عما لا بد لها منه، ولحاجته إلى الاستمتاع الواجب عليها، فإذا انتفى الأمران، لم يملك حبسها". وقال أيضًا في المغني (8/ 204): "إنَّ الرجل إذا منع امرأته النفقة، لعُسرته وعدَمِ ما يُنفقه، فالمرأةُ مُخَيَّرةٌ بين الصبر عليه وبين فراقه، ورُوِيَ نحو ذلك عن عُمَرَ، وعليٍّ، وأبي هريرة، وبه قال سعيدُ بن المُسَيَّب، والحسنُ، وعمرُ بن عبدالعزيز، وربيعةُ، وحمَّادٌ، ومالكٌ، ويحيى القَطَّان، وعبدالرحمن بن مَهدي، والشافعيُّ، وإسحاقُ، وأبو عبيد، وأبو ثَوْر. اهـ وقال الإمام الشيرازي في المهذَّب في فقه الإمام الشافعي (3/ 155): "وإن اختارت المقامَ بعد الإعسار لم يلزمْها التمكين من الاستمتاع، ولها أن تخرجَ من منزله؛ لأن التمكينَ في مقابلة النفقة، فلا يجب مع عدَمِها". وتأمَّلي أن هذا المنع لزوج مستقيم، لكنه مُعسر، فكيف إذا انضمَّ للإعسار بالنفقة ما يقترفه من موبقاتٍ وكبائر، فهل يحتجُّ بعد هذا بالأحاديث القاضية باللعن عند الامتناع من الفراش، اللهم لا، لا يقول مثل هذا مَن له أدنى دراية بالعلم الشرعي. هذا، وقد اختار شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله تعالى - أن تهجرَ المرأة زوجها؛ لحقِّ اللهِ، حتى وإن كان ينفق عليها، بل يجب تمكينها من النفقة؛ واحتجَّ بحديثِ كعبِ بنِ مالكٍ في قصةِ الثلاثةِ الذين خُلِّفوا عن غزوةِ تبوكٍ، وفيه قال: «إن رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يأمرُك أن تعتزلَ امرأتَك، فقلتُ: أطلقُها أم ماذا أفعلُ؟ قال: لا، بل اعتزلْها ولا تَقْربْها، وأرسلَ إلى صاحبي مثلَ ذلكَ، فقلتُ لامرأتي: الْحقي بأهلِكِ، فتكوني عندَهم حتى يقضيَ اللهُ في هذا الأمرِ»، فقال رحمه الله في الفتاوى الكبرى (5 / 480): "وتَهْجرُ المرأةُ زوجها في المضجعِ لحقِّ اللهِ؛ بدليلِ قصةِ الذين خُلفوا في غزوةِ تبوكٍ، وينبغي أن تملكَ النفقةَ في هذه الحالِ؛ لأن المنعَ منه، كما لو امتنع من أداءِ الصَّداقِ" اهـ. وفَّقك الله لكل خيرٍ، وفرَّج كربك، وجعَل لك مخرجًا قريبًا عاجلاً غير آجل.

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً