زوجتي تحاول لفت الأنظار إليها

منذ 2017-11-11

شابٌّ يعيش في الغربة مع زوجته، وبينه وبينها مشكلات بسبب أنه يَراها تحاول لفت أنظار الرجال، نَصَحَها أكثر مِن مرة، لكنها اعتبرتْ ذلك إساءةً وتَجريحًا، وأنكرت التهمة عن نفسها وذهبتْ لأهلِها، وترفُض العودة إلى بيت الزوجية.

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا رجل أعيش في الغربة مع زوجتي، بيني وبينها مشكلات بسبب أمور تتعلَّق بالآداب والأخلاق والجهل بالدِّين وعدم الالتِزام، فقد لاحظتُ أكثر مِن مرة وتأكَّدتُ مِن أنها تُحاول لفتَ أنظار الرِّجال إليها؛ سواء كان ذلك في الشارع، أو عندما يأتينا ضُيوف!

نصحتُها أكثر مِن مرة، لكنها اعتبرتْ أن نصيحتي لها إساءة وتجريح، وأنكرت التهمة، واتَّصلتْ بخالها وحضر لأخذها إلى بيته!

ذهبتُ إليهم بعد أيام لِمُناقَشة الأمر، وأوضحتُ لهم أنني مُتَعَلِّق بها، وأرغب في عودتها إلى البيت، لكنها أَصَرَّتْ على عدم العودة، واتَّهمتني بأنني مريض نفسي، وكثير الشَّك فيها، ثم أظْهَرَتْ عيوبًا أخرى تراها في شخصي؛ كبعض التحكُّمات التي أفْرِضها في حياتنا.

حاولتُ إعادتها، لكنها رفضتْ، وطلبتْ أن تسافرَ لأهلها حتى تضعَ حملها، وخلال هذه الفترة ستُقَرِّر إذا كانتْ ستَسْتَمِرُّ حياتنا الزوجية أو لا؟

المشكلة أن ابن خالها يَسْكُن معها في بيت أبيها؛ حيث يدرس في الجامعة، وأنا أخشى عليها مِن فتنة الاختلاط والخلوة.

أرجو أن تفيدوني في تصرُّفها هل هو صحيح أو لا؟ وهل أسمح لها بالإقامة عند أهلها في ظل وجود ابن خالها أو لا؟

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فالذي يَظْهَر مِن رسالتك أخي الكريم أنك لا تثق في زوجتك الثِّقة الكافية التي تَجْعَلك تطمئنُّ لتصرُّفاتها، لا سيما وأنت تقول: إن السبب في المشكلة جَهْلُ الزوجة بالدِّين وعدم الالتزام، ولكن اتهامها بمحاولة لفت أنظار الرجال إليها في الشارع أو مع الضيوف - اتِّهامٌ شديدٌ حقًّا، وليس بالأمر الهينِ، ومع ذلك أنت تقول: إنك متأكِّد منه!

فكلُّ ما أخشاه - سلمك الله - أن تكون شدةُ غيرتك على زوجتك هي ما تدفعك لاتِّهامها؛ فإنَّ كثيرًا من الناس تحملُه شدةُ الغيرة على سرعة الإيقاع بالعقوبة مِن غير إعذار، ومن غير قبول لعُذر، ولا تدعه شدة الغَيرة أن يقبلَ عُذره، وهي غيرة غير ممدوحة، بل هي من حَمِيَّة الجاهلية؛ وفي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من الغيرة ما يُحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما التي يُحبها الله فالغيرةُ في الرِّيبة، وأما الغيرةُ التي يبغضها الله فالغيرةُ في غير ريبة»؛ فالغيرةُ الواجبةُ ما تضمَّنت النهي عن كل ما هو مخزٍ، والغيرة المستحبَّة ما أوجبت المستحب من الصيانة، وأما الغيرةُ في غير ريبة وهي الغيرةُ في مباح لا ريبة فيه فهي مما لا يحبه الله، بل ينهى عنه إذا كان فيه ترْكُ ما أمر الله، ولهذا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهنَّ خير لهنَّ».

أما كون زوجتك جاهلة بالدين أو غير مُتدينة، فلا يدفعها ذلك لعدم الحِشْمة مع الرِّجال، فهذه مسائلُ يُعْلَمُ قُبحها بصريح العقل وبالفطرة الصحيحة، وليتك ذكرتَ لنا السبب الذي يجعلك متأكدًا من تلك الاتهامات لننظر فيه ونحلِّله، ونتأكد هل هو دليل أو محضُ ظن!

وما دام الأمرُ قد وصل إلى هذا الحدِّ، فأنصحك أن تبعثَ إلى زوجتك مَن ترتضي دينه وخُلُقه ليسمعَ منها بعيدًا عن الانفعالات النفسية، والرواسب الشعورية، والملابسات المعيشية، كما قال: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35].

أما إقامتُها في بيت أهلها حال وجود ابن خالها، فإن لم تكنْ هناك ريبة أو خلوة أو اختلاط محرم فلا بأس، أما إن تأكدتَ من وقوع مفسدة؛ من خلوة أو اختلاط، فأْمُرْها بالانتقال لبيتٍ آخر تأمَن فيه على نفسها.

إذا تقرَّر هذا فأُنبهك إلى أمر هام، ألا وهو القوامة التي جعلَها الله للزوج على زوجته، وهذه القوامة توجب على الزوج التعاوُن مع زوجته على طاعة الله، وأن يسدَّ عليها أبواب الفِتَن والمحرَّمات، ويقطع عليها سبُل الشيطان، ولن يتأتَّى هذا إلا بالنُّصح برفقٍ ولين، فالنفسُ البشريةُ لها كبرياؤُها وشموخُها، ولا تقبل النصح والإرشاء إلا بالحسنى، فأنت مسؤول عن زوجتك، ويجب عليك نُصحها، وأمرها بالمعروف، ونَهيها عن المنكر، وحَملها على الالتزام بالدين؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته...»، الحديث متفق عليه، من حديث ابن عمر.

وقال صلى الله عليه وسلم: «ما مِن عبد يسترعيه الله رعيةً فلم يحطها بنُصحه، إلا لم يجد رائحة الجنة»؛ رواه البخاري، وفي رواية لمسلم: «ما مِن عبد يسترعيه الله رعيةً يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيته، إلا حرَّم الله عليه الجنة».

فالتقصيرُ في أداء هذا الواجب يُعَرِّض الزوج للمحاسَبة والمساءَلة من رب العالمين سبحانه.

وأسأل الله أن يُصْلِحَ لك زوجك.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 1
  • 0
  • 30,544

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً