هل نحن عاقون لوالدنا؟

خالد عبد المنعم الرفاعي

مجموعة من الإخوة والدُهم يَشرب الخمر إذا وُجِدَ معه مالٌ، وتشكو ابنتُه أنه يُنفق أمواله في المحرَّمات، فقرر الإخوة ألا يُعطوه مالاً إلا وقت الشدَّة، لكنه يُخبرهم بأنهم غير بارِّين به، ويتَّهمهم بأنه يَتركونه وحيدًا في حين أنه متزوج!

  • التصنيفات: الحث على الطاعات - استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاةٌ متزوِّجةٌ ولديَّ ثلاثة إخوة غير مُتزوجين، أمي مُتوفاة منذ سنتين، وأبي يعمل عاملاً يوميًّا، ولا يعمل إذا كان لديه المال، وإن وُجد المال يَشرب به الخمر، ويعود للعمل بعد فَقْدِه للمال، مع العلم أنه تزوَّج مرةً ثانية.

مشكلتُه أننا إذا أعطيناه المال يصرفه في المُحَرَّمات (شرب الخمر)، فقرَّرتُ أنا وإخوتي ألا نُعطيَ له مالاً في يديه إلا قليلاً ووقت الشدَّة، وإن رَأَوْه في أَمَسِّ الحاجة للمال!

نحن بارُّون به، لكنه يستغلُّ اتِّفاقنا ويُخبرنا بأنه غيرُ راضٍ عنا، وأننا غير بارين به، والحمدُ لله لا نُكَلِّفه شيئًا من مَصروفات البيت وما شابهها؛ ففواتيرُ الماء والكهرباء كلها نحن مَن يَدفعها.

يقول لنا: أنتم تبتعدون عنِّي، وتتركونني وحيدًا، ولا تُعطوني مالاً، وإذا جلستُ معه فإنه لا يرضى أن أسلمَ على أقاربي وذوي رحمي مِن الأعمام والأخوال والأقارب، لأنَّ بينه وبينهم مُشكلات كثيرة.

فأخبروني رجاءً كيف نتصرَّف معه؟ وهل نحن مُخطئون بمنعنا المال عنه؟

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فجزاك الله خيرًا أيتها الأختُ الكريمة أنت وإخوانك على حِرصكم على بِرِّ أبيكم، والنفقة عليه، طاعةً لله تعالى، وأبشري بالخير؛ فالجزاءُ مِن جنس العمل، فقد صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «مَنْ أَحَبَّ أن يبسطَ له في رزقه، وينسأَ له في أثره، فلْيَصِلْ رحِمَهُ»؛ متفق عليه من حديث أنس، وقال صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْ ذنبٍ أجدر أن يُعجِّل الله لصاحبه العقوبة مع ما يدَّخر له في الآخرة من قطيعة الرَّحِم، والخيانة والكذِب، وإن أعجل البِر ثوابًا لصلة الرَّحِم، حتى إن أهل البيت ليكونوا فقراء فتنمو أموالُهم ويكثُر عددُهم إذا تواصَلوا»؛ رواه الطبراني.

وقد أحسنتم - بارك الله فيكم - أنكم تدفعون عن والدكم فواتير الماء والكهرباء، وتشترون له ما يحتاج لمعاشه، إلا أنكم لا تُعطونه المال، فاستمرِّي أنت وإخوانك على ذلك، ولا تتركوا والدكم بغير نفقةٍ، ولكن لا تعطوه مالاً أبدًا؛ حتى لا تعاونوه على فِعل الحرام، ولكن أحْضِروا له أغراضه من طعامٍ ودواء وغير ذلك، فإن فعلْتُم فلا بأسَ عليكم مما يقوله والدُكم، ويتَّهمكم به من تركه وحيدًا، فكيف وهو يعيش مع زوجته الثانية؟!

ولْتَحْتَسِبوا كل ذلك عند الله، واستعينوا بالصبر على تلك المشاكل الدائمة، واستمِرُّوا في بِرِّه وصِلته، والذي يظهر أنه لا يخفى عليك تلك القوارع التي تتصدَّع لها القلوب، وترتجف لها الأفئدة من الأدلة المحذرة من عُقوق الوالدين، وفي قطيعة الرحم عامَّة، فينبغي للعاقل أن يكونَ على حذرٍ منها؛ لئلاَّ يتورَّطَ فيما يُؤديه إلى النار.

إذا تقرَّر هذا، فلا طاعةَ للوالد إذا أمرك بقطيعة رَحِم الأخوال أو الأعمام، حتى وإن كان بينه وبينهم قطيعة؛ ففي الصحيحين عن علي بن أبي طالب قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الطاعة في المعروف»، وفي رواية: «لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف»، وفيهما عن ابن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحبَّ وكره، إلا أن يُؤمر بمعصية، فإن أُمر بمعصيةٍ فلا سمع ولا طاعة».

وأكْثِري من الدُّعاء له أن يشرحَ الله صدره للخير والحق، وأن يتوبَ عليه مِن شُرب أُمِّ الخبائث، وانْصَحيه برفقٍ ولينٍ وتخيَّروا الوقت المناسب لذلك.

رزقنا الله وجميع المؤمنين عملاً متقبَّلاً.