زوجتي ترفض زواجي الثاني

منذ 2017-12-08

رجل متزوج ولديه ابن وحيد، ويريد الزواج مِن امرأة أخرى، لكن الزوجة الأولى ترفُض ولا تتقبل الأمر.

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا رجل متزوِّجٌ منذ (12) عامًا، ولدينا ولدٌ عمره (8) سنوات، جاء بعد عدة سنوات مِن زواجنا!

حاولنا أن يتم الحمل بعد ذلك مرة أخرى، لكن للأسف لَم يحدُث، فاتَّجهنا لعمل تلقيحٍ مجهري (أطفال أنابيب)، لكن العملية لم تنجحْ!

بيننا مَحَبَّة كبيرةٌ، لكن حياتنا لا تخلو من المشكلات التي توجد في أيِّ بيت، وأنا الآن أودُّ الزواج مِن امرأة ثانية طلبًا للوَلَد، وعندما أخبرتُ الزوجة بذلك لَم تتقبَّل الأمر لحبِّها الشديد لي، ولخوفها مِن تبعات هذا الزواج نفسيًّا واجتماعيًّا وأسريًّا.

كلما تحاوَرْنا في هذا الموضوع زادتْ حِدَّةُ النقاش، وأصبح الأمرُ مُؤثرًا على استقرار حياتنا، ولم نخرجْ بحلٍّ يرضي الطرفين.

اتفقتُ أنا وهي على إرسال استشارة إليكم لأَخْذِ رأيكم، وإيجاد حل لتلك المشكلة يُناسب الطرفَيْن.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فجزاك الله خيرًا - أنت وزوجتك - على تلك الثقة في مشورتنا، وعلى تلك الثقافة الجيدة، وعلى حرصكما على دوام روح المحبَّة بينكما؛ فكلما كان للزوجين مرجعٌ يَحتكمان إليه عند التنازُع دام الوئامُ والتصافي بينهما، وكان ترغيمًا للشيطان الذي يحرص غاية الحِرْص على إفساد الحياة الزوجية.

أما رغبةُ الزوج في التعدُّد كحلٍّ لمشكلة الإنجاب، فالأمرُ يحتاج لتأمُّلٍ وتفكيرٍ بحساب المصالح والمفاسد، فلا يخفى علينا جميعًا - إذا تجرَّدنا من أهوائنا - الحِكَم الكثيرة للتعدُّد، وذلك أمرٌ بدهي يَظْهَرُ لكلِّ أحدٍ وليس للمسلم فقط، فالله تعالى عليمٌ حكيمٌ، لم يشرعْ شيئًا إلا لحكمةٍ تامةٍ ومصالح ظاهرةٍ، يَظهر ذلك لكلِّ مَن نظر في خَلْقِه سبحانه وأمره، وهي ظاهرةٌ لِمَنْ تأمَّلَها، وسَلِم من الهوى، ويتجلى هذا في شريعته الخاتمة، فأحَلَّ سبحانه تعدُّد الزوجات بشرط العدْل، ورخص فيه لِمواجهة ضرورات الفطرة الإنسانية وواقعيات الحياة؛ حمايةً للمجتمع من الانحراف، تحت ضغط الضرورات الفطرية والواقعية لبعض النساء اللاتي يتعذَّر عليهنَّ الزواج كزوجةٍ أولى.

فالتشريعُ الإلهي يتوافق دائمًا مع واقع البَشَر، فكلنا يعلم أن رغبة الزوج في العلاقة الحميمة أضعاف أضعاف الزوجة، وفقًا للواقع ولأبحاثٍ علمية، فإذا قوبل الزوج أمام الرغبة الجارفة بعائقٍ عند الزوجة؛ مِن سنٍّ، أو من مرضٍ، مع رغبة الزوجين كليهما في استدامة العشرة الزوجية، وكراهية الانفصال، فكيف نواجه مثل هذه الحالة إلا بالتعدُّد؟

وكذلك مشكلة الإنجاب، ولا يخفى على أيٍّ منا مدى أهمية الأبناء للزوجين.

وقيَّد الله تلك الرخصة بما يحمي الحياة الأسرية من الفوْضى والظلم، ويحمي كرامة الزوجة، ولم يتركْ ذلك لنَزق الزوج وهواه؛ فقال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: 3]، وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن كان له امرأتان يَميل لإحداهما على الأخرى، جاء يوم القيامة أحد شِقَّيْه مائلٌ»؛ رواه أبو داود، والتِّرمذي، والنسائي.

أما المَشَقَّة التي تلحق الزوجة الأولى فلا تمنع منه؛ لأنها مَشَقَّةٌ مُتحَمَّلةٌ، إن بذلتْ وسعًا، ولم تستسلمْ للنفس الأَمَّارة بالسوء؛ كالمشقَّة التي تلحقنا من التكاليف الشرعية؛ كالصيام، والصلاة، والحج، وغيرها، ومع ذلك شرعتْ لما فيها من المصالح العائدة على العباد، والتي تفوق ما يُصيبنا من مشقةٍ ونصَب، فكذلك التعدُّد.

هذا؛ وقد بقي شيءٌ أوصي به الزوجة الكريمة: أن تكونَ على قدْر المسؤولية، وتُضَحِّي من أجل بقاء زوجها سعيدًا معها؛ لتحقيق رغبته في الإنجاب، ولا شك أن لسعادته مردودًا إيجابيًّا على مَن حوله، واحتسبي ما يُصيبك من ألمٍ نفسي عند الله؛ حتى تعتادي الأمر، وتصفو لكما الحياة ثانيةً.

رزق اللهُ جميع المسلمين بالذُّرِّيَّة الصالحة.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 5
  • 2
  • 40,851

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً