النهي عن المنكر في العمل

منذ 2018-03-31

شابٌّ له زميلةٌ في العمل رآها تفعل مُنكرًا، فأخبرها بحُرمة ما تفعل، لكنها صَدَّتْه وردَّتْ عليه بقسوةٍ، ويسأل: هل أنا مخطئ فيما فعلتُ أو لا؟

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شابٌّ أعمل في المطار، كنتُ في دوامي وخرَجتُ يومًا في ساعة متأخرةٍ مِن الليل، ووجدتُ فتاةً زميلةً لي تعمل معي تُواعِد شابًّا في الليل، أخذَتْني الغيرةُ وتألمتُ كثيرًا لما رأيتُ، ولم أتمالكْ نفسي، فتقدمتُ إليها وأنا غاضب وذكَّرْتُها بالله وبوالديها وأخيها الذين استأمنوها وينتظرونها، وها هي تخون الأمانة، وأرسلتُ لها مقاطع فيديو تُذكرها بالموت والقبر وحُرمة ما تفعله.

أخبرتني أنها ستذهب بعد دقائق، وفوجئتُ بها تنهال عليَّ بالشتْمِ والسَّبِّ، وأخبرتني أنه ليس مِن حقي التدخل في حياتها، وأنني رجل مُعَقَّد ومُراءٍ!

غضبتُ وتركتُها تعمل ما تريد، فقد بلَّغتها الصواب، وهي مُصرَّة على الخطأ، وأخبرتُها أنه لا كلام ولا سلام بيننا بعد اليوم.

ما أرقني فعلًا هو رَدُّ فِعل أخي؛ إذ اعترض على ما فعلتُ، وقال لي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «عليك بخاصة نفسك»، فرددتُ عليه بقوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78، 79]، فأرجو أن تخبروني هل أنا مخطئ فيما فعلتُ أو لا؟

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فجزاك الله خيرًا أيها الأخ الكريم على غَيْرَتِك لانتهاك حُدود الله، وشكَر الله لك قيامك بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا بابٌ قد ضُيِّع أكثرُه مِن أزمان مُتطاولةٍ، ولم يبقَ منه في هذه الأزمان إلا رسومٌ قليلة جدًّا، وهو بابٌ عظيمٌ به قوامُ الأمر وملاكه، وإذا كَثُر الخبث عمَّ العقابُ الصالحَ والطالحَ، وإذا لم يأخذوا على يدِ الظالم أوشك أن يعمَّهم الله تعالى بعقابه، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].

فينبغي لطالب الآخرة والساعي في تحصيل رضا الله عز وجل أن يعتني بهذا الباب، فإنَّ نفْعَه عظيم، لا سيما وقد ذهَب معظمُه، وعليه أن يخلص نيته، ولا يهابنَّ مَن يُنكر عليه لارتفاع مرتبته، فإنَّ الله تعالى قال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج: 40]، وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 101]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69]، وقال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2، 3]، واعلم أن الأجرَ على قدر النصب"؛ قاله الإمام النووي في "شرح مسلم" (2/ 24) مختصرًا.

وقد أصبتَ - سلمك الله - في إنكارك على تلك الفتاة التي لم تراعِ الشرع ولا العُرف في الجلوس مع رجل أجنبيٍّ في تلك الساعة المتأخِّرة، وقد أخطأ مَن هاجم هذا التوجُّه المشكور منك، فإنه مِن النصيحة في الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والفتاة لم تكتفِ بالمعصية حتى جاهرتْ وجلستْ في الطرقات، والسكوتُ على مِثْلِ هذه الأفعال المشينة وترْك شعيرة النهي عن المنكر هو السببُ الرئيس في انتشار تلك الفواحش في بلاد المسلمين، فمَن وجد أشخاصًا يعملون شيئًا مُحرَّمًا فعليه نهيُهم، والسعي في تغيير مُنكرهم بقدر استطاعته؛ عملًا بالحديث الذي رواه مسلم: «مَن رأى منكرًا فلْيُغَيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».

ما احتجاجُ أخيك بحديث: «عليك بخاصَّة نفسك»، فالحديث رُوِي عن عبدالله بن عمرو قال: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكروا الفتنة، أو ذُكِرَتْ عنده، قال: إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم، وخَفَّتْ أماناتهم، وكانوا هكذا: وشبَّك بين أصابعه، قال - أي الراوي -: فقمتُ إليه، فقلت له: كيف أفعل عند ذلك، جعلني الله فداك؟ قال: «الْزَمْ بيتك، وأملِك عليك لسانك، وخُذ ما تعرف، ودَعْ ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودعْ عنك أمر العامة»؛ رواه أخرجه أبو داود وأحمد واللفظ له، فليس في الحديث تَرْكُ النهي عن المنكر، وإنما فيه أنه يأمر وينهى إلى الغاية الواردة في الحديث.

ومما يؤكد أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باقٍ: ما رواه أحمدُ وأصحابُ السُّنن عن قيسٍ، قال: قام أبو بكر رضي الله عنه فحَمِد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، وإنا سَمِعْنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا المنكرَ فلم يُغَيِّروه أوشك أن يعمهم اللهُ بعقابه»، فظهر بهذا الحديث الشريف معنى لزوم النفس.

وتأمل رعاك الله كلام شيخ المفسرين أبي جعفر الطبري في تفسيره "جامع البيان": "يقول تعالى ذِكْرُه: يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم فأصلحوها، واعملوا في خلاصها مِن عقاب الله تعالى ذِكْرُه، وانظروا لها فيما يقرِّبها مِن ربها، فإنه {لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ}، يقول: لا يضركم مَن كفَر وسلَك غير سبيل الحقِّ، إذا أنتم اهتديتم وآمنتم بربكم، وأطعتموه فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه، فحرَّمتم حرامه وحلَّلتم حلاله".

وفقك الله لكل خير.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 4
  • 0
  • 21,203

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً