أفكار غريبة وتناقضات داخلية تقتلني

منذ 2020-09-06
السؤال:

السلام عليكم،

هذه المشكلة بدأتْ معي منذُ أيَّام الجامعة، كان عندي إحساس قويٌّ أني سأموت بعدَ التخرُّج، وأحيانًا كثيرة كنت أسأل نفسي: ما فائدةُ المذاكرة والتعب، طالما أنِّي متأكِّدة من هذا الشعور؟!

وبعدَما تخرَّجتُ انتظرتُ وقوعَ هذا القَدَر، وأتذكَّر أني كنتُ - وما زلتُ - أخاف من النَّوْم ليلاً، وأكره اللَّيْل بشدة، فقد كان لديَّ إحساس قويٌّ أنِّي حينما أنام فلن أصحو مرَّة أخرى.

من الأمور التي لا أستطيع أن أنساها: ما حَدَث لي العام الماضي، فقد استيقظت في الصباحِ بعدَما رأيتُ حُلمًا مزعجًا، فسرتُه على أنِّي سأموت هذا اليوم، والله بعد ما استيقظت كنت متأكِّدة أني سأموت هذا اليومَ، وجلستُ أبكي كثيرًا، وأصلِّي وأقرأ القرآن، وكل مَن حولي ينظرون لي باستغراب.

ثم قمتُ بتقطيع مذكراتي الشخصيَّة كافة، وقصَّة كنت قد كتبتُها حتى لا يكون ذلك ضِدي إذا ما قابلتُ الله، وأتذكَّر كذلك أنَّني كنت قد كتبت وصيتي التي أوصيهم فيها بأمور عادية، فليس لديَّ تَرِكة، أو أي شيء.

بعد فترة، تراجعتْ هذه الفِكرة لكن ليس بشكل تام، لكن الحمد لله خَفَّت حِدَّتُها.

ثم سيطرتْ عليَّ أفكارٌ جديدة حولَ الدِّين ومعتقداتي، أفكار شيطانيَّة كفيلة بهَدْمِ الإيمان، وتعذَّبت كثيرًا لهذا الشعور، كانت الأفكار تبدأ وتأخذني لأبعدِ ما يكون، ولا أستطيع أن أتوقف حتى أنقذني الله من هذه الفِتنة، وأقنعتُ نفسي أنها وسوسة شيطان.

والآن تُسيطر على أفكار أخرى لا أودُّ التحدُّث عنها أو تذكُّرها؛ لأنِّي أكرهها جدًّا، وهي لا تختلف كثيرًا عما ذكرتُه بالأعلى من حيثُ السيطرةُ على تفكيري، وعدم القدرة على التوقُّف عن مجاراتها.

أخشى أن تكون الفكرة التالية هي الانتحار أو الهروب مِن مشاكلي، خاصَّة وأنَّ هذه الفكرة تراودني من حين لآخر، لكن أنا دائمًا مؤمنة أنَّ ذلك يأس من رحمة ربنا وكُفر.

قد ترى أنَّ السبب يرجِع لوقت الفَراغ وعدمِ وجود ما يشغلني، لكن في الحقيقة أنا وقتي كله مشغول، بل إنَّ الأفكار هذه ممكن تأخذني من أنشطة محبَّبة أو عمل مهم، وتحوِّلني إلى حالة من الكآبة.

أعتقد أنَّه من المفيد أن أعطيَ خلفيَّة عن حياتي، أنا حياتي تفتقدُ أيَّ مُتعَة من أي نوع، ومنذُ الصِّغر وأنا أعاني من عدم السعادة، والاتِّجاهات السلبية للحياة بشكل عامٍّ، وأتساءل: لماذا أنا هنا في هذه الحياة؟

أضعُ لنفسي هدفًا ما، أُقنِع نفسي أنه سوف يُشعِرني بالرِّضا، وبأني أفعل شيئًا مفيدًا في حياتي، لكن سرعان ما أفقد اهتمامي، وأشعر دائمًا أنَّه لا فائدة لما أفعله، وأنَّ حياتي بلا معنى، فكلُّ الأمور تسير من سيِّئ إلى أسوأ، ولا أجد لنفسي هدفًا يُرضيني، سواء على المستوى الشخصي أو العملي.

أنا بطبيعتي أميلُ للضحك والفكاهة، وأكره جدًّا المشكلات والحزن، عندي قدرةٌ على الهروب من أيِّ مشكلة، أو شيء يُضايقني، وآخذ الأمور ببساطة وتهريج، وسخرية وضحك، حتى وإن كان هذا الضحك والسعادة يُخفي وراءَه حزنًا وكآبة؛ يعني: سعادة مزيَّفة، أضحك بها على نفسي، لكن أحيانًا عندما تضيق الأمور عليَّ، ويزيد الضغط عن الحدِّ (أنا دائمًا تحت ضغط كبير من المشكلات الأسريَّة، التي من المفروض عليَّ أن أحُلَّها، فالجميع ينتظر مني الكثيرَ، ويُلقون عليَّ مسؤولياتٍ عظيمةً، أحاول بكلِّ طاقتي ألاَّ أخذلَهم، مهما كان ذلك على حساب راحتي، أو سعادتي، أو رغباتي الشخصية، واحتياجاتي) أشعرُ برغبةٍ شديدة في البُكاء، ولا أرتاح حتى أبكيَ بشدة، وينهار الجسدُ الذي أحاول دائمًا أن يبقى قويًّا؛ لأنِّي أكره أن يراني أحدٌ في موقف ضَعْف وبكاء، بالرَّغْم من أنِّي أُعاني من حساسية مُفرِطة من الصِّغر، فكنت إذا بدأ أبي في الحديث معي بشيء من الشدة، أجِدُ نفسي أبكي دونَ القُدرة على التوقُّف، وهذا أمرٌ كان يُضايقني بشدة.

عندي مشكلة أني دائمًا أشعرُ أنِّي سأمرض، وأني عندي مرض في القلْب سيظهر فجأة، وقد حَدَث لي إغماء مرَّتَين - على ما أتذكَّر - كلها هواجس على ما أعتقد، لكن كنتُ في ساعاتٍ - فعلاً - أشعر بخفقانٍ شديد، وألَم في القلب، خاصَّة عندما أتعصَّب، ونادرًا ما أتعصب، لكن عندها أفقد هدوئي، وسيطرتي على أعصابي تمامًا، ولا أعرف ماذا أقول، وساعتَها أشعرُ بهذا الألم في القلْب،
كذلك دائمًا قبل أن أنام أُفكِّر كثيرًا في حياتي وأحلامي، والتي يستحيل أن تتحقَّق (من وجهة نظري؛ لأسباب قويَّة).

وهذه نظرة واقعيَّة، وليس اكتئابًا، أو حالة إحباط عابرة؛ لأنَّ واقعي يقول ذلك، وتراودني أحلامٌ أجدُ نفسي فيها أهرب وأجري من شيء ما يُطاردني، أجِدُ نفسي خائفةً من امتحانٍ ما، لم أستعدَّ له، أجد نفسي أُحارِب عدُوًّا شريرًا، وأحاول أن أنتصرَ عليه، أجد نفسي أحمي أسرتي من عدوٍّ ما يريد إلحاقَ الأذى بنا.

وإضافة أخيرة: أذْكُر أنَّ لديَّ صراعًا داخليًّا فيما يتعلَّق بعلاقتي بوالدي، وذلك منذُ الصِّغَرِ، فقد كنتُ أشعر باتجاهات سلبيَّة تُجاهَه، ونجح هو بتصرُّفاته في تعزيز هذا الشُّعور، كنت أشعر أنه قاسٍ، وأرجوك لا تقل لي الأمور المعتادة، فكلُّ مَن حولي بما في ذلك أُمِّي كانت تنتقده بشدَّة، وإن كان بيننا، فلا يستطيع أحد أن يواجهَه؛ لأنَّ شخصيتَه قويَّة جدًّا، وعنده حزْم في السيطرة على مَن حولَه، لا يستطيع أيُّ أحدٍ أن يقفَ أمامَه إطلاقًا، وأنا أكره هذه السيطرةَ بشدة.

والآن بعد أن كَبِرتُ وأصابَه المرض بدأتُ أشعر بالشفقة تُجاهَه، وأعامله بما يُرضي الله، لكن أحيانًا كثيرة أتذكَّر الماضي، وما عانيتُه من مشاعرِ إذلال وكَبْتٍ، وحرمان مِن العاطفة الأبويَّة، ومعاملة لا تَليق، خاصَّة وأنَّه كان يميل للعِقاب البدنيِّ والنفسي القاسي.

بالطبع لا أدَّعِي أنَّه كان كذلك على طُولِ الخطِّ، فقد بدأ يتحسَّن أسلوبُه عندما كَبِرنا في السِّن، هذا أيضًا صراعٌ قويٌّ، لكن كنت دائمًا أُحكِّم الأمر إلى الدِّين، وأعلو فوقَ هذه المشاعر السلبيَّة، وأتناسَى الماضي، وإن كان هذا التناسي لا يدوم طويلاً، إذ إنَّ الذكرياتِ السيئةَ تُسيطر عليَّ في بعض الأحيان.

أشعرُ أنِّي مُعقَّدة وغير طبيعيَّة، رغمَ أنِّي أبدو متماسكةً وقويَّة، أرجو الردَّ على هذا السؤال؛ لأنِّي – فعلاً - لا أجدُ راحةً، وبدأ الأمر يخرج عن السيطرة، فأنا أشعرُ أنَّني على وشك الإصابةِ بانهيار عصبيٍّ، خصوصًا مع ضغط مشكلات المنزل والعمل.

أعتذر عن الإطالة، شكرًا، وجزاكم الله خيرًا على ما تفعلوه للتخفيف عنَّا.

 

الإجابة:

الأخت الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله.

قرأتُ رسالتَك باهتمام، وأفهم مشاعرَك، تابعي معي النقاط التالية:
أولاً: جزءٌ من الألم الذي تعيشينه يعودُ لطريقةِ تفكيرك، ففي الواقع أنت ترتكبين خطأً كبيرًا في هذه الطريقة؛ إذ تستندين في حُكمك على الأشياء وتوقُّعاتك حولَ المستقبل على (الإحساس)، و(التأويل).

تخيَّلي أنَّ شخصًا رأى صديقَه، فقال: (أحس أنَّه يكرهني)، فبدأ يعاديه ويحيق له المؤمرات، هل نقبل منه ذلك؟ بالطبع لا، لكنَّك في الواقع أنت تعاملين نفسَك بهذه الطريقة بالضبط، ولو رجعتِ إلى أوَّل استشارتك لوجدتِ كم كرَّرتِ (أحسست بـ، أنا متأكِّدة من إحساسي)، ما أريده منك هو أن تُغيِّري نقطةَ تركيزك من الإحساس والمشاعر، إلى استقراءِ الواقع والاستبصار به، إلى المنطق والمحاكمة الصحيحة للأمور، إلى ما يُوافقني عليه الناسُ، لا ما أشعر أنَّه صحيح.

قابلتُ العديدَ من الناس الذين يعيشون حياةً طيِّبة، لكنَّهم يَشغَلُون أذهانهم بأفكار وتوقعاتٍ سلبيَّة؛ استنادًا على أحداث صغيرة، أو أحاسيس وحسبُ، ولا يمكن أن تتحسَّن حياتُهم ما لم يُغيِّروا طريقةَ التفكير هذه.

ثانيًا: تحدَّثتِ عن الأحلام والطموحات، والحقيقة أنَّ الأحلام والطموحات هي زادٌ للإنسان في طريقه في هذه الحياة، الأحلام هي غذاءٌ، تدفعنا لأنْ نقفزَ كلَّ يوم من فراشنا، ونقوم بأشياء قد لا نُحبُّها (كالذهاب إلى العمل)، ونحن مستريحون ومطمئنون؛ لأنَّها - بسهولة - تبعث فينا الأملَ والتفاؤل بأن يكونَ المستقبل أفضلَ من الحاضر.

لكن في الوقتِ نفسه، قد تكون الأحلامُ مصدرَ ضغط نفسي لا يُحتمَل، وذلك في حالتَين؛ الأولى: عندما نَغرَق في الأحلام ونَصرف في استرجاعها والتفكير فيها وقتًا طويلاً.

الثانية: عندما نجعل السعادةَ في الوصول إلى الحُلم فقط، فننتظر تحقيقَ أحلامنا حتى نشعر بالسعادة، بينما يشعر الناجحون بالسعادة كلَّ يوم وهم في الطريق إلى تحقيق أحلامهم، وهذا فَرْق مهمٌّ وأساسي، يقوم الناجحون كلَّ يوم بفعل أمور صغيرة تُقرِّبُهم إلى أحلامهم ببطءٍ، لكنَّهم ليسوا في عجلة، طالما أنهم سعداءُ، وعلى الطريق الصحيح.

لقد تعلمتُ خلالَ حياتي القصيرة هذه الحِكمة، والتي دفعتني لإنجاز أمورٍ كثيرة: (احلم كبيرًا، وافعل صغيرًا)، احلم دون تردُّد، لكن أَنجِزْ اليوم ما يُقرِّبُك خُطوةً واحدة نحوَ ذلك الحلم.

ثالثًا: من الأمور المهمَّة التي يجب أن تُغيِّري طريقتَك في التعامل معها: العَلاقة بالماضي، الماضي شيءٌ ميِّت لا نأخذ منه سوى العِبرةَ إن وجدت، الماضي ولَّى بظروفه وتعقيداته وآلامه، إنَّ استرجاعَه هو بثُّ الحياة في شيء ميِّت، ومعاقبةٌ للذَّات لا مُبرِّر لها، فأفضل تعامل مع الماضي هو التسامُح والعفو، ليس لأيِّ شيء، بل لنضمنَ شعورَنا نحن بالطُّمأنينة والارتياح، ولنمتلكَ الحريَّة مِن أَسْر ذلك الماضي.

إنَّني لا أملُّ مِن تَكْرار الدَّهْشة والتأمُّل في حادثة عفوِ الحبيب - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن مُشركي مكَّة بعدَ فتحها، إنَّني أَسْتغربُ مَرَّتين، الأولى: مِن قوَّة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقدرته على العفوِ عمَّن أوقع به وبأصحابه أشدَّ التنكيل، وأستغرب ثانية: مِن أولئك الناس - وأنا وأنت منهم - ممَّن لا يَعْفُون عن أخطاءِ الناس، صَغيرة أو قليلة الوزنِ، مقارنةً بما فعلتْه قريش برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابِه، ألاَ يدعو الأمرُ للدهشة؟!

رابعًا: ذكرتِ في ثنايا استشارتِكِ أعراضًا تشبه أعراض الوسواس القهري؛ أي: وجود أفكار مُلحَّة تأخذك من حياتك، وتلِحُّ عليك، هذه الأعراض قد تدلُّ على الوسواس القهري، وهناك العديدُ من المقالات على الشبكة العالمية حولَ هذا المرض، أرجو قراءتَها والتواصل مع طبيب نفسي، إذا كان لديك شَكٌّ من وجودها، فسيتمُّ علاجُها - إن شاء الله.

ختامًا: رتَّبِي حياتَك من جديد، لستِ مسؤولةً عن الناس، أو عن حلِّ مشاكلهم، أنت مسؤولةٌ عن نفسك، عن بناء حياتِك بشكل صحيح، عن التحرُّرِ من أسْرِ المشاعر المتذبذِبة، وضغط الماضي، والغَرَق في الأحلام، والقيام من جديد؛ للعملِ على بناء حياةٍ مُنتِجة معطاءةٍ، وتبعث على الرِّضا والسرور، مُكلَّلة برِضا الله - تعالى - وحبِّ الناس.

تَقبَّلي تحيَّاتي، وأهلاً بك دَوْمًا.

  • 4
  • 0
  • 6,897

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً