الزواج بعد الوقوع في الحرام

منذ 2021-08-31

سائل يسأل عن صحة عقد زواج مَن قام بارتكاب الحرام مع زوجته - إلا الإيلاج - وقد ارتكب الزوج الزنا قبل ذلك من نساء أخريات، لكنه أقلع عن الأمر قبل العقد، وبعد العقد ارتكب الزوج سبَّ الدين، فهل يكون العقد – بعد هذا كله - صحيحًا أو لا؟

السؤال:

السلام عليكم.

سؤالي: ما حكم مَن تزوَّج امرأة بعد علاقة حبٍّ، وقبل الزواج وقع معها عدة مرات في الحرام، حيث قاما بالتقبيل واللمس والإنزال ووضْعِ الذَّكر على الفرج، اللهم إلا الإيلاج، فهل عقد الزواج صحيح أو كان يجب التوبة قبل العقد كي يكون صحيحًا؟

وماذا يجب أن يفعلا في الوقت الحالي؛ فحفْلُ الزفاف والدخول الكامل لم يتم بعدُ، لكنَّ العقد الشرعي والمدني قد تمَّ؟ بالنسبة للزوج سبق له أن وقع في ماضيه في زنًا حقيقيٍّ قبل زواجه مع فتيات أخريات، ولم يكن يعلم بشروط التوبة من ندم واستغفار، لكنه أقلع عن ذلك الأمر قبل عقد النكاح بنحو عشرة أشهر، فهل يؤثر هذا على زواجه الحالي؟ لأنه سمع فتاوى تجعل التوبة النصوح الكاملة بشروطها للزاني والزانية قبل زواجهما شرطًا لصحة عقد النكاح؟

واليوم ندما واستقام حالهما، ويكثران من الطاعات، ويريدان الاستفسار: هل زواجهما صحيح أو لا؟ وهل يجب تجديد العقد قبل الزفاف والدخول الكامل أو لا؟ وهل يلزم مهر جديد؟ وبمَ تنصحونهما؟ وثمة مسألة أخرى؛ هي أن الزوج يشك أنه ارتدَّ عن الإسلام بلعنِهِ دينَ شخصٍ آخر، دون أي نية لسبِّ الدين، وتاب في حينها؛ حيث اغتسل ونطق بالشهادتين، واستغفر وندم، ويكثر من الطاعات والصدقات والصيام، وثمة أمر آخر؛ فبعد العقد حدثت الخلوة الشرعية التي تمكِّن من الوطء لكن لم يحصل الجماع الكامل، فهل ينفسخ العقد بهذه الردة مع حصول الخلوة بعد العقد، وتمتع الزوج بها ما عدا الوطء؟ أفتونا مأجورين.

الإجابة:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

فأول أمر يجب البدء به: هو التوبة الصادقة النصوح؛ لأن ما وقعتَ به من كبائرَ وقاذورات في ماضيك ليس بالأمر الهين، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم الزُّناةَ في تنُّورٍ من نار؛ قال في الحديث: «فانطلقنا فأتينا على مِثْلِ التَّنُّور، قال: فأحسب أنه كان يقول: فإذا فيه لَغطٌ وأصوات، قال: فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عُراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفلَ منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضَوْضَوا، قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق، انطلق...»، وفي آخر الحديث: «وأما الرجال والنساء العُراة الذين في مثل بناء التنور، فإنهم الزُّناة والزواني» [رواه البخاري].

 

هذه الجريمة شنيعة جدًّا؛ وصفها الله تعالى بقوله: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبةً يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن» [متفق عليه]، ففاعلُها مستحِقٌّ للعقاب، وهو داخل تحت مشيئة الله إن شاء عذَّبه، وإن شاء غفر له، لكن مع كل الأحوال تجب التوبة؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}  [الفرقان: 68 - 70]، وقال سبحانه: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]، ثم مع التوبة أكْثِرْ من فعل الحسنات، والتصدق والإنفاق؛ لعل الله سبحانه أن يعفوَ عنك إذا صدقت في توبتك.

 

وأما ما وصفتَ بقولك فيما بعد: (إن الزوج يشك أنه ارتد عن الإسلام بلعنِهِ دينَ شخصٍ آخر...)، فهذه أشنع من سابقتها - إذا كنت تقصد الإسلام - قال الإمام ابن باز رحمه الله: "سب الدين من أعظم الكبائر، ومن نواقض الإسلام، نسأل الله العافية والسلامة"[1]، إلا إذا كنت تقصد أخلاقه الرديئة وما شابه ذلك، وقد خانك التعبير كما يتضح من سؤالك؛ فقد نص أهل العلم على الآتي: "اتفق الفقهاء على أن من سبَّ ملة الإسلام أو دين المسلمين يكون كافرًا، أما من شتم دين مسلم، فقد قال الحنفية كما جاء في جامع الفصولين: ينبغي أن يكفر مَن شتم دين مسلم، ولكن يمكن التأويل بأن المراد أخلاقه الرديئة ومعاملته القبيحة، لا حقيقة دين الإسلام؛ فينبغي ألَّا يكفُرَ حينئذٍ"؛ [الموسوعة الفقهية].

 

أما لو كان دين الآخر غير الإسلام، فلا يخلو: أن يكون القصد سبَّ دينٍ من الأديان التي جاء بها الأنبياء السابقون، فلا يجوز حينئذٍ ذلك، فالدين الذي جاء به الأنبياء جميعًا واحد، والمسلمون يؤمنون بجميع الأنبياء؛ كما قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285].

 

وسبُّ أيِّ دين من الأديان التي جاء بها الأنبياء السابقون، أو شتمه أو الاستهزاء به كفرًا؛ قال تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65، 66].

 

أما إن كان القصد بالدين ما أحدثه أتباع بعض الديانات من التحريف والكفر، فهذا يُبيَّن عوارُه وخَلَلُه بدون سب؛ فقد قال الله عز وجل عن أتباع النصارى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 73]، ولكن إذا كان ذلك يؤدي إلى سب الإسلام أو نبيه، فإنه لا يجوز سدًّا للذريعة؛ فقد نهى الله عز وجل عن سب أصنام المشركين حتى لا يؤدي ذلك إلى سب الله عز وجل؛ فقال تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108].

 

وفي الختام: أُحِسُّ من سؤالك وإقدامك عليه أنك نادم أشد الندم، فأنصحك أن تجدد التوبة مرة أخرى، ولا تقدم على مثل هذه الأمور ولا غيرها، وتستر على نفسك، ولا تتهاون بمثل هذه الأمور، وأكْثِرْ من الاستغفار وعمل الطاعات.

 

وأما عقد الزواج: فقد "اختلف الفقهاء رحمهم الله في جواز نكاح الرجل العفيف بالمرأة الزانية، أو المرأة العفيفة بالرجل ‏الزاني، ‏فذهب جمهور الفقهاء إلى أن زنا الرجل لا يحرمه على المرأة العفيفة، وأن زنا المرأة لا ‏يحرمها على الرجل العفيف، وذهب ‏الحنابلة إلى أنه إذا زَنَتِ المرأة لم يحل لمن يعلم ذلك ‏نكاحها إلا بشرطين: أحدهما: انقضاء عدتها، والثاني: أن تتوب من ‏الزنا".‏

 

ولكن ذكر ابن كثير رحمه الله في مَعرِض كلامه في آية النور قوله: "هذا خبر من الله تعالى بأن الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة؛ أي: لا يطاوعه على مراده من الزنا إلا زانية عاصية، أو مشركة لا ترى حرمة ذلك"؛ ا.هـ.

 

وما دُمْتَ ذكرتَ التوبة واستقامة الحال، فالحمد لله، فعليك بكثرة الاستغفار وفِعْلِ الطاعات مع تجديد التوبة كل حين، وأما عقدكما والحال كما ذكرتَ، فإن شاء الله صحيح.

 

نسأل الله التوفيق والسداد، والمغفرة لنا ولك.

 


[1] https://2u.pw/ZIfOv

  • 3
  • 2
  • 7,616

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً