حكم الرجوع عن الطلاق المعلق

منذ 2008-10-19
السؤال: قلت لزوجتي: "إن ذهبت إلى بيت أخيك فأنت طالق"، ولكنني تراجعت عن ذلك، وأود أن آذن لها بالذهاب إلى بيت أخيها، فما حكم ذلك؟
الإجابة: الواجب على الزوج أن لا يستعمل الطلاق في مثل هذه الحالات لأن الطلاق شرع كآخِرِ حلٍ إن استعصت الحلول الأخرى للمشكلات الزوجية.

وما صدر عن السائل يعرف عند أهل العلم بـ: "الطلاق المعلق"، أي أنه علق طلاقها على شرط، وهو ذهابها إلى بيت أخيها، والطلاق المعلق يقع عند جمهور أهل العلم بما فيهم الأئمة الأربعة إن تحقق الشرط المعلق عليه وهو هنا ذهابها إلى بيت أخيها، بغض النظر عن قصد الزوج بهذا اللفظ هل قصد منعها من الذهاب أم قصد طلاقها فعلاً إن ذهبت.

وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية المطبق في المحاكم الشرعية في بلادنا بالرأي الذي يرى أن الطلاق المعلق على شرط لا يقع إن كان قصد المطلق هو الحث على فعل أمر ما أو المنع منه، وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وجماعة من أهل العلم واعتبروه يميناً فيه كفارة يمين في حالة حصول الشرط. فقد ورد في المادة رقم 89 من قانون الأحوال الشخصية الأردني ما نصه: (لا يقع الطلاق غير المنجز إذا قصد به الحمل على فعل شيء أو تركه)، وغير المنجز هو المعلق وقوعه على وقوع شيء (انظر شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني للدكتور عمر الأشقر ص 203-204).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "من الصيغ: أن يعلق الطلاق أو العتاق أو النذر بشرط فيقول: إن كان كذا فعلى الطلاق، أو الحج. أو فعبيدي أحرار، ونحو ذلك، فهذا ينظر إلى مقصوده، فإن كان مقصوده أن يحلف بذلك ليس غرضه وقوع هذه الأمور كمن ليس غرضه وقوع الطلاق إذا وقع الشرط فحكمه حكم الحالف؛ وهو من [باب اليمين]، وأما إن كان مقصوده وقوع هذه الأمور، كمن غرضه وقوع الطلاق عند وقوع الشرط، مثل أن يقول لامرأته: إن أبرأتني من طلاقك فأنت طالق. فتبرئه، أو يكون غرضه أنها إذا فعلت فاحشة أن يطلقها، فيقول: إذا فعلت كذا فأنت طالق، بخلاف من كان غرضه أن يحلف عليها ليمنعها، ولو فعلته لم يكن له غرض في طلاقها، فإنها تارة يكون طلاقها أكره إليه من الشرط، فيكون حالفا. وتارة يكون الشرط المكروه أكرم إليه من طلاقها؛ فيكون موقعاً للطلاق إذا وجد ذلك الشرط، فهذا يقع به الطلاق، وكذلك إن قال: إن شفي الله مريضي فعلى صوم شهر، فشفي، فإنه يلزمه الصوم. فالأصل في هذا: أن ينظر إلى مراد المتكلم ومقصوده فإن كان غرضه أن تقع هذه المأمور وقعت منجزة أو معلقة إذا قصد وقوعها عند وقوع الشرط. وإن كان مقصوده أن يحلف بها، وهو يكره وقوعها إذا حنث وإن وقع الشرط فهذا حالف بها، لا موقع لها، فيكون قوله من باب اليمين، لا من باب التطليق والنذر، فالحالف هو الذي يلتزم ما يكره وقوعه عند المخالفة، كقوله: إن فعلت كذا فأنا يهودي، أو نصراني، ونسائي طوالق، وعبيدي أحرار، وعلى المشي إلى بيت الله فهذا ونحوه يمين، بخلاف من يقصد وقوع الجزاء من ناذر ومطلق ومعلق فإن ذلك يقصد ويختار لزوم ما التزمه، وكلاهما ملتزم، لكن هذا الحالف يكره وقوع اللازم وإن وجد الشرط الملزوم، كما إذا قال إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني، فإن هذا يكره الكفر، ولو وقع الشرط، فهذا حالف. والموقع يقصد وقوع الجزاء اللازم عند وقوع الشرط الملزوم، سواء كان الشرط مراداً له، أو مكروهاً أو غير مراد له، فهذا موقع ليس بحالف. وكلاهما ملتزم معلق، لكن هذا الحالف يكره وقوع اللازم" (مجموع الفتاوى 33/59-60).

وانظر كلام العلامة ابن القيم في المسألة في (إعلام الموقعين عن رب العالمين 4/97).

وما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في التفريق في الطلاق المعلق بين ما كان قصد المطلق فيه مجرد الحمل على فعل أو المنع منه وبين حصول الطلاق عند وقوع الشرط إذا كان الطلاق هو المقصود هو القوال الراجح في هذه المسألة، وخاصة أن المسألة مسألة اجتهادية لم يرد فيها نصوص صريحة لا من الكتاب ولا من السنة.

"ومما يؤيد ذلك ما يلي:
- الأول: إنه لم يقصد الطلاق وإنما قصد الحث أو المنع مثلاً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى".
- الثاني: الطلاق المعلق لقصد المنع أو الحث يسمى يميناً في اللغة، وفي عرف الفقهاء ولذا دخل في أيمان البيعة، وفي عموم اليمين في حديث الاستثناء في اليمين وفي عموم اليمين في حديث التحذير من اقتطاع مال امرئ مسلم بيمين فاجرة وفي عموم الإيلاء، وفي عموم حديث: "يمينك على ما يصدقك به صاحبك"، وفي عموم حديث: "وإياكم والحلف في البيع"، كما ذكر ذلك العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما من المحققين، وإذا كان يميناً دخل في عموم قوله تعالى: {قد فرض الله لكم تحلّة أيمانكم}، وقوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان فكفّارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم...} الآية فتجب فيها الكفارة... وما ورد من الآثار عن الصحابة من الفتوى بوقوع الطلاق المعلق عند حصول المعلق عليه فإنه إما: غير صحيح نقلاً، وإما صحيح معارض بمثله، وإما صحيح لكنه فيما قصد به إيقاع الطلاق لا الحث على الفعل أو المنع منه فهو في غير محل النزاع فلا يكون فيه حجة على ما نحن بصدده والصواب التفصيل..." (أبحاث هيئة كبار العلماء 2/390- 392).

.. إذا تقرر هذا: فأقول للسائل حيث إن زوجتك لم تذهب إلى بيت أخيها فلا يلزمك شيء، ولكن الإشكال في تراجعك عن هذا الطلاق المعلق، فإن كنت تقصد مجرد منعها من الذهاب فقط ولم تقصد طلاقها فهذا فيه كفارة يمين كما هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وما أخذ به قانون الأحوال الشخصية المطبق في المحاكم الشرعية في بلادنا، وأما إن كنت تقصد طلاقها فعلاً إن ذهبت إلى بيت أخيها فهذا فيه إشكال كبير، فعند جمهور أهل العلم لا يصح الرجوع عن الطلاق المعلق على شرط، وبهذا أخذ قانون الأحوال الشخصية المطبق في المحاكم الشرعية في بلادنا فقد ورد في المادة رقم 96: "تعليق الطلاق بالشرط صحيح، وكذا إضافته إلى المستقبل، ورجوع الزوج عن الطلاق المعلق والمضاف لزمان مستقبل غير مقبول" وأعتقد أن هذه المادة من القانون المذكور تحتاج إلى إعادة نظر حيث إنها تمنع المطلق من الرجوع عما علق عليه الطلاق، فقد يكون ذلك الطلاق المعلق قد صدر عنه في وقت كانت علاقته سيئة مع شقيق زوجته ثم تحسنت العلاقة بينهما فأراد أن يأذن لزوجته بالذهاب إلى بيت أخيها فلماذا لا يمكنه التراجع؟! أو لغير ذلك من الأسباب، وأرى أن فتح باب الرجوع عن الطلاق المعلق هو الأولى لأن فيه تيسيراً على الناس وفيه محافظة على الأسرة وإن كان ذلك على خلاف قول الجمهور.

وقد ذكر بعض العلماء المعاصرين قولاً في مذهب الحنابلة يجيز الرجوع عن الطلاق المعلق، ونسبه الشيخ ابن مفلح الحنبلي لشيخ الإسلام ابن تيمية: "وقال بعض الحنابلة: إن لمن علق طلاق امرأته على شيء الرجوع عن ذلك، وإبطاله. وذلك بالتخريج على رواية جواز فسخ العتق المعلق على شرط قال ابن مفلح في الفروع (5/103): ولا يبطل التدبير برجوعه فيه، وإبطاله وبيعه ثم شراؤه كعتق معلق بصفة. وفيه رواية في الانتصار والواضح: له فسخه، كبيعه، ويتوجه في طلاق. وقد نقل عن شيخ الإسلام رحمه الله القول بأن لمن علق طلاق امرأته على شيء الرجوع عن ذلك، وإبطاله في الشرط المحض قال في الفروع نقلاً عنه (5/356): ووافق على شرط محض، كإن قدم زيد" (عن شبكة الإنترنت).

وأرجو أن يقوم ديوان قاضي القضاة والقضاة الأفاضل بإعادة دراسة المادة رقم 96 من القانون والنظر في إمكانية تعديلها، وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المسألة محل اجتهاد، وأن من أهل العلم من يرى أن الطلاق المعلق لاغٍ ولا عبرة به أصلاً، وقد أخذت بذلك بعض مدونات الأحوال الشخصية في بعض البلدان الإسلامية كما جاء في الفصل 52 من مدونة الأحوال الشخصية المغربية أن (الطلاق المعلق على فعل شيء أو تركه لا يقع)، وجاء في الفقرة (ب) من المادة 33 من قانون الأسرة الليبي رقم 10 لسنة 1984م أنه (لا يقع الطلاق المعلق على فعل شيء أو تركه)، وورد في المادة 105 من قانون الأحوال الشخصية الكويتي أنه (يشترط في الطلاق أن يكون منجزاً)، وهو ما يفهم منه أن الطلاق غير المنجز لا يعتبر، وممن أخذ بهذا القول من الفقهاء المعاصرين الأستاذ علي حسب الله وصرح بميله إليه (عن شبكة الإنترنت).

.. وخلاصة الأمر أن الطلاق المعلق إن قصد به الحمل على فعل أمر ما أو المنع منه فحكمه حكم اليمين تلزم به كفارة يمين عند حصول ما علق عليه، وإن قصد به الطلاق فعلاً فيقع الطلاق عند وقوع ما علق به، وأما قضية الرجوع عن الطلاق المعلق إن قصد به الطلاق فالمسألة تحتاج إلى إعادة بحث ونظر في قول الجمهور المانعين من الرجوع عن الطلاق المعلق وهو الرأي الذي أخذ به قانون الأحوال الشخصية، وهنالك رأي يجيز الرجوع عنه ولعله يجري تعديل قانون الأحوال الشخصية في هذه المسألة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.

  • 47
  • 7
  • 452,966

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً