حكم بيع المرابحة

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: الأسهم والسندات -
السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
هل بيع المرابحة الذي تجريه البنوك الإسلامية اليوم بيعٌ مشروعٌ؟
وما هي صيغة المرابحة المشروعة، وما شروطها؟
الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:
فالأصلُ في البنوك الإسلامية أنها تعمل حسب أحكام الشَّريعة الإسلامية، لكنها تتفاوتُ فيما بينها في درجة الانضباط بهذه الأحكام في إجراء المعاملات؛ نظراً لاجتهادات القائمين عليها.
والبيعُ الذي تقوم به البنوك الإسلامية هو ما يسمى بـ (بيع المُرَابَحَة للآمِر بالشِّراء)، وهو من البيوع التي اختلف فيها العلماء؛ فمنهم من منعها، ومنهم من أجازها، والقول بالجواز هو الرَّاجحُ إن شاء الله.

وقد عرَّف الفقهاءُ "المُرَابَحَةَ" بقولهم:
المُرَابَحَةُ في اللغة: الزيادة، واصطلاحاً: نقل كل المَبِيع إلى الغير، بزيادةٍ على مِثْل الثَّمن الأوَّل.
قال الإمام ابن قدامة في "المغني": "معنى بيع المُرَابَحَة: هو البيع برأس المال وربحٍ معلوم، ويشترط علمهما برأس المال، فيقول: رأسُ مالي فيه - أو هو عليَّ - بمئة، بِعْتُكَ بها، ورِبْحُ عشرةٍ، فهذا جائزٌ، لا خلاف في صحَّته، ولا نعلم فيه عند أحد كراهةً".

وجواز بيع المرابحة - بمعناه عند الفقهاء القدامى - ثبت بالنصِّ العام والقاعدة الكليَّة، أما النصُّ؛ فقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]، وأما القاعدة؛ فهي: "الأصلُ في المعاملات الإباحة"؛ كما ذكرها القَرَافِيُّ في "الفروق"، وغيره من أهل العلم.

و(بيع المُرَابَحَة للآمِر بالشِّراء) الذي تجريه البنوك الإسلامية لا يختلف عن (المُرَابَحَة) عند الفقهاء إذا توفَّرت فيه الشروط الآتية: 1- أن يشتري البنك السلعة المأمور بشرائها، ويَقْبِضَها قبضاً شرعيّاً؛ بحيث تكون تحت ضمانِهِ، حتى لا يدخل البنك في بَيْع ما لا يملك؛ وقد روى أهل السنن وأحمد، من طريق عمرو بن شُعَيْب، عن أبيه، عن جدِّه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحلُّ سَلَفٌ وبَيْعٌ، ولا شَرْطَان ِفي بَيْع، ولا ربحُ ما لم تَضْمَنْ، ولا بَيْعُ ما ليس عندكَ" [صحَّحه الترمذي، وابن خزيمة]، وروى الخمسة أيضاً من حديث حَكيم بن حِزَام أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَبِعْ ما ليس عندك".
2- ألا يتمَّ بين البنك والعميل وعدٌ ملزمٌ بالشِّراء قبل تملُّك البنك للسِّلعة من صاحبها، وألا يدفع العميل مالاً قبل تملُّك البنك للسِّلعة، وألا يشترط البنك على العميل أنه في حالة نُكُولِه في صفقة البيع، وعدم الالتزام بالشِّراء من البنك، فإن العميل يلتزم بدفع مبلغ مقابل تضرُّر البنك من آثار النُّكول عن الوفاء بالوَعْد، فكلُّ ما سبق داخلٌ في بيع ما لا يملك؛ لأنَّ الوعد الملزِم هو بحدِّ ذاته عَقْدٌ ومعاهدةٌ، كما فسَّر ذلك الشافعي رحمه الله في تفسيره لأحكام القرآن، وكذا أحمد؛ كما نقله شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية في "القواعد النورانية".
3- ألا يكون بيع المُرَابَحَة ذريعةً إلى الرِّبا، بأن يقصد المشتري الحصول على المال، ويتَّخذ السلعة وسيلةً لذلك، كما في "بيع العِينَة" بأن يبيعها المشتري بعد ذلك على البائع بسعرٍ أقل حالاً، فهذا من المحرَّم؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن "بيْعَتَيْن في بَيْعة".
فإذا تحقَّقت هذه الشُّروط؛ فإن العَقْد صحيحٌ وجائزٌ شرعاً، حتَّى لو كان البيع بثمن مؤجَّل أكثر منه حالاً، لأن هذا هو الغالب.
ولكن يجب التأكُّد ألا يكون البنك متحايلاً في هذه المعاملة؛ بحيث يعطي العميل (شيكاً) أو (كمبيالة) للجهة المالكة للسلعة، فيشتريها منها، ثم تتوجَّب الأقساطُ في ذمَّة العميل؛ فهذا من الرِّبا المحرَّم.

وقد أصدر "المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي" سنة "1403هـ/ 1983م" قراراً بعد بحث موضوع(بيع المرابحة للآمر بالشراء)، وهذا نصُّهُ: "يقرِّر المؤتمر: أن المواعدة على (بيع المُرَابَحَة للآمِر بالشِّراء) بعد تملُّك السلعة المُشتراة للآمِر وحيازتها، ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالرِّبح المذكور في الوَعْد السابق، هو أمرٌ جائزٌ شرعاً، طالما كانت تقع على المصرف الإسلامي مسؤولية الهلاك قبل التَّسليم، وتَبِعَة الردِّ فيما يستوجب الردَّ بعيبٍ خفيٍّ". انتهى [من كتاب: "الاقتصاد الإسلامي" للدكتور/ علي السالوس].

وكذلك أصدر (مجمع الفقه الإسلامي) في دورته الخامس بالكويت جمادى الأولى 1409هـ، الموافق: 10- 15 ديسمبر 1988م قراراً نصُّه: "إن (بيع المُرَابَحَة للآمِر بالشِّراء) إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول (القَبْض) المطلوب شرعاً، هو بيعٌ جائزٌ، طالما كانت تقع على المأمور مسؤولية التَّلف قبل التَّسليم، وتَبِعَة الردِّ بالعيب الخفيِّ، ونحوه من موجبات الردِّ بعد التَّسليم، وتوافرت شروط البَيْع، وانتفت موانعه".


وننبِّه السَّائل الكريم إلى أنه: لا يجوز للبنك الإسلامي إلزامُ العميل بأيِّ زيادة على الدَّيْن بشرطٍ سابقٍ، أو بدون شرط، إذا تأخَّر المشتري المَدِين في دفع الأقساط عن الموعد المحدَّد، وهي ما يسمى بغرامة التأخير، وأنه لا يجوز شرعاً اشتراطُ التَّعويض في حالة التأخُّر عن الأداء؛ لأن ذلك ربا محرَّم؛ كما نصَّ عليه مجمع الفقهي الإسلامي بجدة بإجماع الأعضاء، في دورته السادسة، عام 1410هـ، الموافق: 1990م، قرار رقم: (53/2/6).

هذا والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلاً عن موقع الآلوكة.