سفر الزوجة لأجل الدراسة

منذ 2012-04-30
السؤال:

هناك فتاة من ألمانيا أسلمت منذ حوالي سنة وحسن إسلامها وأنا أريد الزواج منها، لكنها مازالت في مرحلة الدراسة الجامعية، ولن تنتهي منها إلا بعد عامين ونصف العام تقريباً.

وكما تعلمون؛ فإن قضية التعليم لدى الغرب قضية جوهرية، لا يمكنهم التنازل عنها سواء هي أو أهلها، وفي نفس الوقت لو جاءت لتكمل تعليمها هنا -في مصر- سيكلفني ذلك مبالغ باهظة، قد تصل إلى ستة آلاف دولار في السنة.

والسؤال هو: هل يجوز لي أن أتزوجها وتأتي هنا في الإجازات ثم تعود إلى بلدها لتكمل الدراسة حتى تنتهي منها؟ ألا ترون أن هذا أخف ضرراً من بقائها الدائم في بلاد مثل ألمانيا، لاسيما أنها حديثة عهد بكفر؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإذا كان الأمر كما ذكرت، من حسن إسلام هذه الفتاة؛ فلا مانع شرعاً من الارتباط بها كزوجة، والأفضل لها -بلا شك- الحياة في بلاد المسلمين لا الحياة في بلاد الكفر؛ فإن الإقامة فيها ضررها في الغالب أكبر من نفعها، وذلك لما فيها من الفتن الشديدة، ومجاورة الكافرين، وكثرة مشاهدة المنكرات، وعدم استطاعة تغييرها، لاسيما وهي - كما ذكرت- حديثة عهد بكفر.

ونحن ننصحك إذا كنت تريد النجاة لها في الدنيا والآخرة أن تبتعد بها عن أسباب الشر والفتنة، ولا شك أن حياتها في بلاد الغرب ووسط أسرتها الكافرة، ثم إكمال تعليمها في الجامعات المختلطة هناك من أعظم أسباب الفتنة والفساد، وأظن أنه من الصعوبة البالغة -في مثل هذه الأجواء- أن يحفظ المرء نفسه، خاصةً وهي لا تزال في مبدأ حياتها في الإسلام.

والشرع قد حرَّم على المسلم كل السبل المؤدية إلى الفتنة والشر، فللوسائل أحكام المقاصد؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي ، ومن يشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأً أو مَعَاذاً، فليعذ به" (متفق عليه). ولا مَعَاذ من الشرور والفتن في بلاد الكفر سوى الالتزام بالإقامة في بلاد المسلمين.

وعلى المرء أن يحاول البحث عن الدراسة في مكان غير مختلط، ولو أدى ذلك إلى السفر من بلده إلى بلد آخر، فحاول أن تبحث لها عن سبيل للتعليم في بلدك، واستعن بالله على ذلك، والله معينك وناصرك، قال صلى الله عليه وسلم: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" (رواه مسلم).

ثم إنك لو تزوجتها على تلك الحال التي ذكرت فإنه يشترط لسفرها للدراسة في بلدها المحرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم" (رواه البخاري ومسلم). ويكون عليك إما أن تسافر معها، أو تبحث لها عن محرم للسفر معها ولا شك أن تلك التكلفة تقرب من تكلفة دراستها في بلدك.

وعليك أن تخبر تلك الفتاة أنه لابد في هذه الحياة الدنيا من الابتلاء والامتحان، وأن تلك هي الغاية الكبرى من الخلق فترك الفتاة للحياة الرغدة في بلدها أمر صعب عليها بلا شك، ولكن؛ من يصبر يعوضه الله خيراً؛ قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام:165]، وقال: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود:7] وقال سبحانه: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك:1-2]، فهذه الحياة دار ابتلاء؛ حيث يبتلي الله عباده؛ ليعلم المجاهدين منهم والصابرين؛ كما قال سبحانه في الآية الأخرى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:142]، وأعظم الجهاد، جهاد النفس، وأعظم الصبر، الصبر عن الشهوات وعما حرم الله.

ومن سنة الله في خلقه أن يبتلي عباده المؤمنين ليمتحن صبرهم وعبوديتهم، قال تعالى: {الم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:1-3]، والدنيا ليست نهاية المطاف، والأجر الجزيل في الآخرة لمن صبر في الدنيا، قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10].وهذا ما ربى عليه النبي الصحابة الكرام.

والابتلاء دليل عناية الله بمن ابتلاه، إذ بالابتلاء يتهيأ المرء لقبول التكليف والعمل به، ويثبت ما وقر في القلب من إيمان، وهو علامة حب الله تعالى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أحب الله عبداً ابتلاه".

ومن الابتلاء أن يتعرض المرء للمفاضلة بين أمرين، أحدهما يضر بدينه -وإن كان نافعاً لدنياه- والآخر يحفظ على المرء دينه، وإن خيل له الضرر في العاجل؛ فأي الأمرين يختار؟!!!

وختاماً: نذكرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه" والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 1
  • 0
  • 4,142

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً