حلق الشارب بالكلية

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه الملبس والزينة والترفيه -
السؤال:

ما حكم من يحلق شاربه بالكلية؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد اتفق الفقهاء رحمهم الله على أن الأخذ من الشارِب من السُنَّةِ، ولكن اختلفوا فيما يُسَنُّ أَخْذُهُ من الشارب, وهل يكون الأخذ بالقَصِّ أَو بِالحَلْقِ أو بالإِحْفَاءِ، وسبب اختلافهم اختلاف ظواهر الأحاديث الواردة في هذا الباب فمنهم من جوز الحلق بالكلية ومنهم من منع منه ومنهم من خير بين الحلق والقص.

وللحنفية قولان: أَحَدُهُمَا لِلْمُتَأَخِّرِين والآخر للمتقدمين. قال ابن عابدين في "رد المحتار": "واختلف في المسنون في الشارب هل هو القص أو الحلق، المذهب عند بعض المتأخِّرين من مشايِخِنَا أنه القَصُّ"، قال في "البدائع": "وهو الصحيح، وقال الطحاوي: القص حسن، والحلق أحسن، وهو قول علمائنا الثلاثة". اهـ

واحتجوا بأحاديث منها: حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أحفوا الشوارب، وأعفوا اللحى"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "جزوا الشوارب، وأرخوا اللِّحى، خالفوا المجوس" (رواهما مسلم).

ومنها ما رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "انهكوا الشوارب، وأعفوا اللحى"، فحملوا النَّهكَ والحفَّ والجزَّ في الأحاديث على الاستئصال، وقال الزيلعي في "تبيين الحقائق" نقلا عن البزدوي: "والإحفاء: الاستئصال، والقصُّ مُحتَمَل، فَيُحمَل على ما روينا لأنه مُحكم". اهـ.

وذهب المالكية إلى عدم جواز حلق الشَّارِب بالكُليَّة؛ قال الباجي في "شرح الموطأ": "روى ابن عبدالحكم عن مالك: ليس إحفاء الشارب حلقه، وأرى أن يُؤَدَّب من حلق شاربه، وروى أشهب عن مالك: حلقه من البِدَع". وهو قول الغزالي من الشافعية.

وقد عد ابن فرحون –المالكي- في "تبصرة الحكام": "حالق الشارب فيمن تُرد شهادتهم".

وذهب الشافعية في المذهب إلى المنع من الحف، وأن السُّنَّةَ هي الأخذُ منه حتى يبدو طرف الشفة؛ قال النووي في "المجموع": "ثم ضابط قص الشارب أن يقص حتى يبدو طرف الشفة، ولا يحفه من أصله، هذا مذهبنا".

واحتج الشافعية: بأنه فعل النبي وصحبه واحتجوا أيضاً بما أخرجه النسائي في سننه عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يأخذ من شاربه فليس منا".

وذهب الحنابلة إلى أنه يُسَنُّ حَفُّ الشارب أو قص طرفه, والحفُّ أَوْلَى نَصّاً، وفسروا الحفَّ بالاستقصاء، أي المبالغة في القص.

ومما سبق يتبين أن الخلاف في المسألة قويٌ، وإن كنا نرى ترجيح مذهب الحنابلة؛ لأن فيه إعمالاً لجميع الأدلة، وأما كون التَّقصير أولى من الحف، فلحديث أبي هريرة عند النسائي -وأصله في "الصحيحين" - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خمسٌ من الفطرة: الختان، وحلق العانة، ونتف الإبط، وتقليم الظفر، وتقصير الشارب"؛ ففي تلك الرواية التصريح بالتقصير.

وعن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقص أو يأخذ من شاربه, وكان إبراهيم خليل الرحمن يفعله" (رواه الترمذي وقال حسن غريب).

وروى البيهقي في "سننه" وأبو نُعَيْمِ في "معرفة الصحابة" عن شرحبيل بن مسلم، قال: "رأيت خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يَقُصُّونَ شواربهم، ويُعْفُونَ لِحَاهُم ويصفرونها: أبو أُمَامَةَ الباهِلي، وعبد الله بن بُسْرِ المازني، وعُتْبَة بن عبدٍ السُّلَمِي، والحجاج بن عامر الثُّمَالِي، والمقدام بن معدي كُرِب، كانوا يقصون مع طرف الشفة". وأما طرفا الشارب وهما السَّبَالان، فقد سبق الكلام على ذلك في فتوى سابقة بعنوان (صحة الأقوال في اللحية وتقصيرها)،، والله أعلم.