حكم العمل في وظيفة في إعانة على الحرام

منذ 2012-06-14
السؤال:

عُرضت عليّ وظيفة في شركة أدوية كمحللة كيميائية للأدوية في تلك الشركة، ولكنِّي أعلمُ أنَّ كفاءة الأدوية ليستْ عالية، وأنَّ هناك مراحلَ أُخرى من إنتاج الدَّواء يَحدُث بِها تزويرٌ حتَّى ينزل الدواءُ في السوق، وذلك في إدارة أُخرى غيرِ المعروض عليَّ العملُ بِها، فهل حرامٌ أن أعمل في هذه الشركة ولو اتقيت الله في عملي وأخلصت له؟ مع العلم بأنَّ الوظيفة المعروضة عليَّ لا مَجال بها للتزوير بل هذا يَحدث في قسم آخر ولكن لنفس الأدوية؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإن كان الأمر كما تقولين أنَّ شركة الأدوية التي ترغبين في العمل بِها تُنْتِجُ أدويةً مُنخفضةَ الكفاءة، وأنَّ بعض مراحل إنتاج الدواء يَحدث بها غِشٌّ -تزوير- فينزل الدواء في السوق بهذه الكيفيَّة: فلا يجوز لك مُطْلقًا العملُ بِها، ولو في مرحلةٍ وإدارةٍ أُخرى لا غشَّ فيها، حتى لو أخلصتِ في عملكِ واتقيتِ الله؛ لأنَّ الشَّرع حرَّم أيَّ عمل مباحٍ يُساعِدُ على الحرام أو يُتقوَّى به عليه؛ ففي "الصحيحين" -واللفظ لمسلم- "أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ آكِلَ الربا، وموكله، وكاتبَه، وشاهديْهِ، وقال هم سواء"، وشاهدُ الربا لم يرابِ أصلاً.

وعنِ ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لُعِنَتِ الخَمْرُ على عشَرة وجوه: لُعِنَتِ الخمر لعيْنِها، وشاربِها، وساقِيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصِرِها، ومعتَصِرها، وحاملها، والمحمولةِ إليه، وآكِل ثَمنِها" (رواه الإمام أحمد، وابْنُ ماجه، وأبو داود)، ولفْظُه: "لَعَنَ اللَّهُ الخَمر" - ولم يذكر: (وآكل ثمنها).

قال شيخ الإسلام: "لعن عاصر الخمر ومعتَصِرها، ومعلوم أنَّه إنَّما يعصر عنبًا فيصير عصيرًا، ثُمَّ بعد ذلك قد يخمر، وقد لا يخمر، ولكن لمَّا قصد بالاعتصار تصييره خمرًا استحقَّ اللعنة، وذلك إنَّما يكون على فعل مُحرَّم، فثبت أنَّ عصيرَ العِنَبِ لِمَنْ يَتَّخِذُه خَمرًا مُحَرَّم، فتكون الإجارة عليه باطلةً والأُجْرَة مُحرَّمة.

وإذا كانت الإجارة على منفعَتِه التي يُعين بِها غَيْرَه في شيء قصد به المعصية إجارةً مُحرَّمة باطلة، فبيع نفس العنب أو العصير لِمَن يتَّخِذُه خمرًا أقرب إلى التحريم والبطلان؛ لأنَّه أقرب إلى الخمر من عمل العاصر، وقد يدخل ذلك في قوله: "وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها" يدخل في هذا عين الخمر وعصيرها وعنبها، كما دخل العنب والعصير في العاصر والمعتصر، لأنَّ مِنْ هؤلاءِ الملعونين مَنْ لا يتصرَّف إلاَّ في عَيْنِ الخَمر؛ كالساقي... ثُمَّ في معنى هؤلاء كلُّ بيع، أو إجارة، أو هبة، أو إعارة تعين على معصية إذا ظهر القصد، وإنْ جازَ أن يَزولَ قصد المعصية؛ مثل بيع السلاح للكُفَّار، أو للبغاة، أو لقُطَّاع الطريق، أو لأهْلِ الفِتْنَة، وبيع الرقيق لِمَنْ يعصي اللهَ فيهِ إلى غير ذلك من المواضع.

فإنَّ ذلك قياسٌ بِطَريق الأَوْلى على عاصِر الخمر، ومعلومٌ أنَّ هذا إنَّما استحقَّ اللعنةَ وصارتْ إجارَتُه وبيعُه باطلاً إذا ظَهَرَ له أنَّ المُشْتري، أو المستأجر يريد التوسُّل بِمالِه ونفْعِه إلى الحرام فيدخل في قوله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].

وَمَنْ لم يُراعِ المقاصد في العُقُودِ يلزمه أن لا يَلْعَنَ العاصِرَ، وأن يجوز له أن يعصر العنب لِكُلِّ أحد، وإن ظهر له أنَّ قَصْدَهُ التَّخمير لِجواز تبدُّل القصد، ولعدم تأثير القصد عنده في العقود، وقد صرَّحوا بذلك، وهذا مُخالفٌ بنيَّته لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويؤيِّدُ هذا ما رواه الإمامُ أبو عبدالله ابن بطة بإسناده، عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حبس العنب أيَّام القِطاف حتَّى يبيعَه من يهوديٍّ، أو نصراني، أو مِمَّن يتَّخِذُه خَمرًا فقد تقحَّم النار على بصيرة"، ومن ذلك ما رُوِيَ عن عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب بن عبدالله بن حنطب، عن جابر بن عبدالله، عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلَّم أنَّهُ قال: "صيدُ البرِّ لكم حلال وأنتم حُرُمٌ ما لم تصيدوه، أو يُصاد لكم" (رواهُ الخمسةُ إلا ابن ماجه). اهـ.

ويقول ابن القيم رحِمه الله: "قال الإمام أحمد: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع السلاح في الفتنة، ومن المعلوم أنَّ هذا البيع يتضمَّن الإعانة على الإثم والعدوان، وفي معنى هذا كُلُّ بيعٍ أو إجارةٍ أو معاوضة تُعِينُ على معصية الله؛ كبيْعِ السلاح للكُفَّار والبغاة، أو إجارة داره أو حانوته أو خانِه لمن يُقِيمُ فيها سوق المعصية، وبيع الشمع أو إجارته لِمَنْ يعصي الله عليه، ونَحو ذلك مِمَّا هو إعانةٌ على ما يُبْغِضُه الله ويسخطه". اهـ.

وعليه؛ فلا يجوز لك العمل في شركة تنتج أدويةً مغشوشةً أو منخفضة الكفاءة أيًّا كان موقعك في العمل للتعاون مع أصحاب الشركة على الإثم والعدوان، وقد قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2]، فالإثم لا يقع على مقارف المعصية فقط -الغاش- بل يشمل كُلَّ مَن ساعد عليها من قريب أو بعيد.

ولتعلمي أنَّ مَن ترك شيئا لله عوَّضه الله خيرًا منه وقال الله - عزَّ وجلَّ-: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 2، 3]، فما قُدِّر للإنسان في هذه الحياة سيأتيه لا مَحالة، واللهَ نسأل أن يُلهمكِ رشدكِ ويعذكِ من شر نفسكِ،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 3
  • 0
  • 27,170

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً