عدة مسائل (الصلاة والطهارة وصلاة التراويح)

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه الصلاة -
السؤال:

1- هل يُمكن أن أصلِّي بعد صلاة التَّراويح والوتْر ركعتَين في الثُّلث الأخير منَ اللَّيل، وأرفع يَدَيَّ بالدُّعاء؟ وهل يُمكن رفْعُ اليديْن بالدُّعاء في صلاة السُّنَّة؟
وأرجو أن تعلِّموني دعاءً أحمدُ اللهَ به، وأثْنِي عليْه، وأمجِّده.

2- إذا فاتتْني صلاةُ الظهر، وأتى وقتُ صلاة العصر، وأردتُ اللحاقَ بالإمام وهُو يصلِّي العصْر - فهل تكونُ نيَّتي صلاةَ الظهر أو العصر؟

3- رجلٌ أجنَبَ وهو لا يعلَم، وصلَّى، ثم علِم في اليوْم الثَّاني أنَّه جُنُب، فهل يُعيد الصلاة؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإنَّ مَن صلَّى التَّراويحَ والوتْرَ، وبدا له أن يصلِّي بعد ذلك - جازَ له ذلك، ولا يلزمه أن يُعيدَ الوتْر؛ لما رواه مسلمٌ عن أبي سلمة قال: سألتُ عائشةَ رضي الله عنْها عن صلاةِ رسولِ الله صلى الله عليْه وسلَّم فقالتْ: "كان يُصلِّي ثلاثَ عشرةَ ركعةً، يصلِّي ثَمانِ ركَعاتٍ، ثُمَّ يُوتِر، ثمَّ يصلِّي ركعتَيْن وهو جالس، فإذا أراد أن يركعَ، قام فرَكع".

وعن أم سلمة: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليْه وسلَّم كان يصلِّي بعد الوتر ركعتيْن خفيفتيْن وهو جالس" (رواه الترمذي وابن ماجه).

وروى أحمد عن أبي أُمامة: "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم كان يصلِّي ركعتَين بعدَ الوِتْر وهو جالس، يقرأُ فيهِما بـ "إذا زُلْزِلَت"، و"قُلْ يا أيُّهَا الكَافِرُونَ"".

وقال الإمام النَّوويُّ في "شرح صحيح مسلم": "هذا الحديثُ أخذَ بِظاهِرِه الأوزاعيُّ وأحمدُ -فيما حكاهُ القاضي عنْهُما- فأباحا ركْعتَيْن بعد الوتْر جالسًا، وقال أحمدُ: لا أفعلُه، ولا أمنعُ مِن فعلِه، قال: وأنكرهُ مالكٌ، قُلْتُ: الصَّواب أنَّ هاتَين الرَّكعتَين فعلَهما النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بعدَ الوِتْر جالسًا؛ لبيانِ جوازِ الصلاة بعد الوتْر، وبيانِ جواز النَّفْل جالسًا، ولم يُواظِبْ على ذلك؛ بل فعله مرَّة أو مرَّتَين أو مرَّاتٍ قليلةً... وإنَّما تأوَّلْنا حديثَ الرَّكعَتَين جالسًا؛ لأنَّ الرِّواياتِ المشهورةَ في الصَّحيحَين وغيْرِهِما عن عائشةَ، مع رواياتِ خلائقَ من الصَّحابة في الصحيحَيْن - مصرِّحةٌ بأنَّ: "آخِر صلاتِه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في اللَّيل كان وتْرًا"، وفي الصحيحَيْن أحاديثُ كثيرةٌ مشهورة بالأمْر بِجعْل آخِرِ صلاةِ الليل وتْرًا، منها: "اجعَلوا آخِرَ صلاتِكم باللَّيْل وِترًا"، و"صلاةُ اللَّيل مثنَى مثنَى، فإذا خِفْتَ فأوتِرْ بواحدة"، وغير ذلك، فكيْف يُظَنُّ به صلى الله عليْه وسلَّم مع هذه الأحاديث وأشباهِهَا: أنَّه يداوِم على الرَّكعتَين بعد الوِتْر، ويَجعلُهما آخِرَ صلاة الليل؟! وإنَّما معناه ما قدَّمنا من بيان الجواز، وهذا الجوابُ هو الصَّواب، وأمَّا ما أشار إليه القاضي عياضٌ من تَرجيح الأحاديثِ المشهورة، وردِّ روايةِ الرَّكعَتَين جالسًا - فليس بصوابٍ؛ لأنَّ الأحاديثَ إذا صحَّت، وأمْكن الجمعُ بيْنها تعيَّن".اهـ.

وقال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية: "أكثرُ الفُقهاء ما سمِعوا بِهذا الحديث؛ ولهذا يُنكرون هذه، وأحمدُ وغيرُه سمِعوا هذا، وعرفوا صِحَّته، ورخَّص أحمد أن تُصلَّى هاتان الرَّكعتان وهو جالس؛ كما فعَل صلى الله عليْه وسلَّم فمَن فعل ذلك، لم يُنْكَر عليه؛ لكن ليستْ واجبةً بالاتِّفاق، ولا يُذَمُّ مَن تركها".اهـ.

وقال ابن القيِّم في "الزَّاد": "وقد أَشْكَلَ هذا على كثيرٍ منَ النَّاس، فظنُّوه معارضًا لقولِه صلى الله عليه وسلَّم: "اجعلوا آخِرَ صلاتِكم باللَّيل وتْرًا" ... والصَّواب أن يُقال: إنَّ هاتَين الرَّكعتَين تَجريان مجرى السُّنَّة وتكميل الوِتر؛ فإنَّ الوتْر عبادةٌ مستقلَّة، ولاسيَّما إن قيل بوجوبِه، فتجري الرَّكعتان بعده". ويراجع فتوى: "حكم الصلاة النافلة بعد الوتر". 

أمَّا القنوتُ في هاتين الركعتين، فلم يُحفظ عنه صلَّى الله عليْه وسلَّم أنَّه قنتَ فيهما؛ وإنَّما كان القنوت في الوتْر فقط؛ كما في حديث الحسن بن عليٍّ رضي الله عنْهما قال: "علَّمني رسولُ الله صلَّى الله عليْه وسلَّم كلِماتٍ أقولُهنَّ في الوِتْر: "اللَّهمَّ اهدِنِي فيمَن هدَيْت، وعافِنِي فيمَن عافيْت، وتولَّنِي فيمَن تولَّيتَ، وبارِكْ لي فيما أعطيْت، وقِنِي شرَّ ما قضيْت، إنَّك تقضي ولا يُقْضَى عليْك، إنَّه لا يَذِلُّ مَن واليْت، تباركْتَ – ربَّنا - وتعاليْتَ"، زاد البَيهقيُّ والنَّسائي: "ولا يَعِزُّ مَن عاديْت"، وزادَ النَّسائيُّ في روايته: "وصلَّى الله على النَّبيِّ".

وروى أبو داود والتِّرمذي والنَّسائي، من حديث عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنْه: أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليْه وسلَّم كان يقول في آخِرِ وتْرِه: "اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بِرِضاك من سخطِك، وبِمعافاتك من عقوبتِك، وأعوذُ بكَ منك، لا أُحصي ثناءً عليْك، أنتَ كما أثنيْتَ على نفسِك".

فإن أردت أن تدعوَ في غير الوتر، فلتدعُ بعد التَّشهُّد، أو في سُجودك.

أمَّا الأدْعية المأثورة، فننصحُك بِمراجعة كتاب "الدعاء" للقحطاني؛ فقد جَمع فيه الكثيرَ من أدعية السُّنَّة الجامعة.

أمَّا مَن فاتَتْه صلاةُ الظُّهْر، ودخَل المسجِد في وقْتِ العَصْر -فيصلي معَهم بنيَّة الظُّهر، ثُمَّ يصلِّي العصر بعد ذلك؛ لأنَّ قضاءَ الفوائت يَجب أن يكونَ على الفَوْر، وأن تكون مرتَّبةً كما فرَضَها الله سبحانه بِحَيثُ يصلِّي الظُّهر، ثُمَّ يصلِّي العصر؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم: "صلُّوا كما رأيْتُموني أُصلِّي" (رواه البخاري).

وصحَّ عنْه صلَّى الله عليْه وسلَّم يومَ الخندق أنَّه: "لَم يُصَلِّ الظُّهر حتَّى غربتِ الشمس، فأمَر - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بلالاً، فأقام لصلاةِ الظُّهر فصلاَّها، ثم أقام لِلعصْر فصلاَّها، ثُمَّ أذَّن للمغرب، فصلاَّها كما كان يصلِّيها في وقْتِها" (رواهُ النَّسائيُّ عن أبي سعيدٍ، وصحَّحه الألباني).

قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني": "وجُملة ذلك أنَّ التَّرتيب واجبٌ في قضاءِ الفوائِت، نصَّ عليْه أحمد في مواضع...ونحوه عن النخعي، والزُّهري، وربيعة، ويَحيى الأنصاري، ومالك، واللَّيْث، وأبي حنيفة، وإسحاق، وقال الشَّافعي: لا يَجب؛ لأنَّ قضاء الفريضة فائتة، فلا يَجب التَّرتيب فيه كالصيام". اهـ.

قال الشيخ العثيمين في "الشرح الممتع": "لو كان عليْك الظُّهر، وجئتَ وهم يصلُّون العصْر، فإنَّا نقول لك على القَول الرَّاجِح: ادخلْ معَهم بنيَّة الظُّهر، واختِلافُ النيَّة لا يضرُّ، لكنْ على القولِ: بأنَّ اختِلاف النيَّة يضرُّ، فإنَّهم يقولون: لا يسقُط التَّرتيب بِخوف فَوت الجماعة، كما هو المذهب".

أمَّا من صلَّى جُنُبًا وهو لا يعلم، فصلاته باطلة وتجب عليه الإعادة متى تذكر؛ لأن الطهارة من الحدث الأكبر من شروط الصلاة التي لا تسقط بالنسيان.

قال ابن قدامة في "المغني": "(إذا نسي فصلى بهم جنبًا، أعاد وحده) وجملته أن الإمام إذا صلى بالجماعة محدثًا، أو جنبًا، غير عالم بحدثه، فلم يعلم هو ولا المأمومون، حتى فرغوا من الصلاة، فصلاتهم صحيحة، وصلاة الإمام باطلة؛ روي ذلك عن عمر، وعثمان، وعلي، وابن عمر رضي الله عنهم وبه قال الحسن، وسعيد بن جبير، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وسليمان بن حرب، وأبو ثور".