أسئلة متعددة في الصيام

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه الصيام -
السؤال:

• مسافرٌ حلَّ بداره قبيل المغرب: يُمسك أم لا يمسك؟
• امرأة طَهُرتْ قبيل العصر في يوم الشك: تمسك أم لا تمسك؟
• مَن نَذَرَ صومَ يومٍ معيَّن وأفطر فيه عمدًا: يمسك أم لا يمسك؟
• صائم وَضَعَ قطرةَ العين عمدًا، فوجد أثَرَها في حلقِه، ماذا عليه؟
• من شك في زوال عذره: أكان قبل الفجر أم بعده، ماذا عليه؟
• صائمٌ أفطر في نهار رمضان ناسيًا ولم يُمسك، ماذا عليه؟
• من صام يوم عرفة وأفطر فيه عمدًا، ماذا عليه؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فمَن قَدِمَ مِن سفرِه نهارَ رمضان قبل المغرب، فلا يلزمه الإمساكُ بقيةَ يومه، وقد اختلف العلماءُ في ذلك؛ فذهب الأحنافُ والحنابلة -في ظاهر مذهبهم- إلى وجوب الإمساك بقية اليوم، وذهب مالكٌ والشافعي إلى عدم وجوب الإمساك، وهو رواية عن أحمد، واستحبَّه الشافعيُّ فقط.

قال ابن قدامة في "المغني": "فأمَّا مَن يباح له الفطرُ في أول النهار ظاهرًا وباطنًا، كالحائض، والنُّفساء، والمسافرِ، والصبيِّ، والمجنون، والكافر، والمريض، إذا زالتْ أعذارُهم في أثناء النهار، فطهُرتْ الحائض والنفساء، وأقام المسافر، وبَلَغَ الصبي، وأفاق المجنون، وأَسْلَمَ الكافر، وصحَّ المريض المفطر - ففيهم روايتان:

إحداهما: يلزمهم الإمساكُ في بقية اليوم، وهو قول أبي حنيفة، والثَّوْري، والأَوْزاعي، والحسن بن صالح، والعنبري؛ لأنه معنى لو وُجِدَ قبل الفجر أَوْجَبَ الصيامَ، فإذا طرأ بعد الفجر أوجب الإمساكَ، كقيام البيِّنة بالرؤية.

والثانية: لا يلزمهم الإمساكُ، وهو قول مالك، والشافعي، وروي ذلك عن جابر بن زيد، وروي عن ابن مسعود أنه قال: من أكَلَ أولَ النهار، فليأكُلْ آخره.

ولأنه أُبيح له فطرُ أول النهار ظاهرًا وباطنًا، فإذا أفطر كان له أن يستديمه إلى آخر النهار، كما لو دام العذرُ". اهـ.

والذي يظهر أنه يأكل باقي يومه، ويستأنف الصوم من غدٍ، وعليه القضاءُ؛ لأن الجميع متَّفقون على أنه لا يُجزِئه ذلك الصيامُ، وأن عليه القضاء؛ ولذلك فلا معنى لأمْرِه بصيامٍ ليس صحيحًا، ولا يسد مسدَّ الفرض، ولا يَعصي من تركه.

أما الحائض التي طهرتْ قبيل العصر في يوم الشك، فكيفما قلنا فلا يجب عليها الإمساكُ، إذا تبيَّن أنه من رمضان، فلا يجب؛ لأنها منهيَّةٌ عن الصوم حالَ حيضِها، ولو صامتْ كانت عاصيةً ولم يجزئها، أما إذا لم يتبيَّن أنه من رمضان، فلا يجوز لها الصيامُ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن أن الواجب في حال الشك هو إتمام عدة شعبان ثلاثين، فقال: "صُومُوا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُبِّيَ (أي: خفي) عليكم، فأكْمِلوا عدة شعبان ثلاثين" (رواه البخاري).

وعن عمار بن ياسر قال: "من صام اليوم الذي يُشَكُّ فيه، فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم" (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

قال الحافظ ابن حجر: "استُدلَّ به على تحريم صوم يوم الشك؛ لأن الصحابي لا يقول ذلك من قِبَلِ رأيه، فيكون من قبيل المرفوع".

قال في "سبل السلام": "وَاعْلَمْ أَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ هُوَ يَوْمُ الثَّلاَثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، إذَا لَمْ يُرَ الهِلاَلُ فِي لَيْلِهِ بِغَيْمٍ سَاتِرٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَيَجُوزُ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ، وَكَوْنُهُ مِنْ شَعْبَانَ، وَالحَدِيثُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ صَوْمِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ". اهـ.

أما من نَذَرَ صومَ يومٍ معيَّن، ثم دخل عليه فجْرُ ذلك اليوم وهو ناوٍ للصيام، ثم أفطر من غير عذر - فقد ارتكب إثمًا عظيمًا؛ لأن صيام ذلك اليوم أصبح فرضًا؛ لنذره إياه، فيلزمه القضاءُ مع التوبة النصوح، ولا كفارة عليه.

قال صاحب "أسنى المطالب": "قال الجرجاني: مَن لزمه صومُ يوم بالنذر فأفطر فيه، لزمه القضاءُ، إلا في نذر صوم الدهر". اهـ.

قال في "المدونة": "قلتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ غَدًا، فَأَفْطَرَهُ، أَيَكُونُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ مَعَ القَضَاءِ؟ فَقَالَ: لاَ، فَقُلْتُ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ: أَنَّهُ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَهَذَا قَدْ جَعَلَ لِنَذْرِهِ مَخْرَجًا لِلصِّيَامِ". اهـ.

أما قطرة العين، فقد سبق حكمُها في الفتوى: "قطرة العين والأنف والحقنة الشرجية للصائم"، فلتراجع.

أما من شك في زوال عذره: أكان قبل الفجر أم بعده، فإن الواجب التيقن من زوال العذر قبل الفجر؛ ليَنوي الصيام، كالحائض يلزمها تبين زوال عذرها وانقضائه قبل الفجر، فإن لم تتيقن من زوال العذر صامت وقضت احتياطًا.

قال في "التاج والإكليل لمختصر خليل": "فإن استيقظت بعد الفجر؛ وهي طاهر، فلم تدر لعل طهرها كان من الليل، حملت في تلك الصلاة على ما قامت عليه، ولم يجب عليها قضاء صلاة الليل حتى توقن أنها طهرت قبل الفجر، وأمرت في رمضان بصيام ذلك اليوم، وتقضيه احتياطًا".

وقال الدسوقي في حاشيته على "الشرح الكبير": "قوله: (ووجب عليها الصوم مع القضاء؛ إن شكت)، يعني: أنها إذا شكت بعد الفجر، هل طهرت قبل الفجر أو بعده، فإنه يجب عليها الإمساك؛ لاحتمال طهرها قبله، والقضاء؛ لاحتماله بعده". اهـ.

أما من أفطر في رمضان ناسيًا، فكان يجب عليه أن يمسك متى تذكر؛ لأن من شروط المفطِّرات في رمضان أن يكون فاعلُها عالمًا مختارًا ذاكرًا، وقد ثَبَتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا أكل أحدُكم أو شرب ناسيًا، فلْيُتِمَّ صومَه؛ فإنما أطعمه اللهُ وسقاه" (رواه البخاري ومسلم وأحمد، وهذا لفظ أحمد)، وفي رواية عند الترمذي: "فلا يُفطر؛ فإنما هو رزقٌ رَزَقَه الله".

فالناسي والساهي والجاهل: إذا فعل أحدُهم ما يفطر به أثناء صيامه، لا ينقطع صومُه؛ بل يستمر على صيامه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "رُفِعَ عن أمَّتي الخطأ، والنسيان، وما استُكرهوا عليه".

وعليه؛ فإذا كان هذا الرجل قد أفطر ناسيًا، وكان يجهل الحكمَ بوجوب الإمساك، فظنَّ أنه لمّا أفطر لم يَعُدْ مطالَبًا بالصيام، فأكَلَ متعمِّدًا - فقد أساء، وكان الواجب عليه سؤال أهل العلم في ذلك قبل أن يُقدم على الأكل، ولا شيءَ عليه غيرُ قضاء ذلك اليوم، وإن كان يعلم أن الواجب في حقه هو أن يتم صوّمه، ومع هذا استسهل وأكل - فقد وقع في كبيرة من أكبر الكبائر، ويجب عليه التوبة النصوح مع القضاء ، وراجع على موقعنا فتوى: "حكم مَنْ أكل أو شرب ناسيًا في صوم التَّطوُّع".

أما من أفطر متعمدًا في يوم عرفة، فلا شيء عليه؛ لأنه صيام تطوُّع، ولأن المتطوِّعَ أميرُ نفسه؛ كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الصائمُ المتطوع أميرُ نفسه؛ إن شاء صام، وإن شاء أفطر" (رواه أحمد وغيره عن أم هانئ)، ولقول عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، أُهدي إلينا حَيْسٌ، فقال: "أَدْنيه فقد أصبحتُ صائمًا" فأكل؛ (رواه مسلم)، وزاد النسائي: "إنما مَثَلُ المتطوع مثلُ الرجل يُخرِج من ماله الصدقةَ؛ فإن شاء أمضاها، وإن شاء حبسها"، ولقوله صلى الله عليه وسلم لأم هانئ -وكانت صائمةً فأفطرتْ-: "أكنتِ تقضين شيئًا؟"، قالتْ: لا، قال: "فلا يضرك إن كان تطوعًا" (رواه أبو داود والترمذي والدارمي وأحمد نحوَه، وصححه الألباني).

قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إذا صام الرجلُ تطوعًا ثم شاء أن يقطعه، قَطَعَه))؛ وهذا هو مذهب أحمد والشافعي، وعن أبي حنيفة ومالك أنه يلزمه إكمالُه بالشروع فيه، ولا يَخرج منه إلا بعذرٍ، فإن خرج منه بغير عذر، وجب عليه القضاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشةَ وحفصةَ لما أصبحتا صائمتين فأفطرتا: "أبدلا يومًا مكانه" (رواه أحمد).

وأُجيب بأنه محمول على الاستحباب لا الوجوب؛ جمعًا بين الأدلة.

قال الشوكاني في "نيل الأوطار": "والأحاديث المذكورة في الباب تدلُّ على أنه يجوز لمن صام تطوعًا أن يفطر"... إلى أن قال: "وتدل على أنه يُستَحبُّ للمتطوع القضاءُ لذلك اليوم، وقد ذهب إلى ذلك الجمهورُ من أهل العلم".

والذي يظهر أنه لا إثم عليه من تعمد إفطار يوم عرفة، ولا يجب عليه قضاؤه، وإن كان يُستَحبُّ له ذلك،، والله أعلم.