كيف أستطيع أن أرى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام؟
انتشرتْ في المُنتديات قصَّة بعنوان: "كيف أستطيعُ أن أرى الرَّسول في المنام؟"
وهذا نصُّ القصَّة:
ذهب أحدُهم إلى أحد الشيوخ الصالحين، وسأله: كيف أرى الرَّسول - صلى الله عليه وسلم؟
فقال له الشيخ: بسيطة، تستطيع أن ترى الرَّسول لو اتبعتَ التَّالي، كما أقول لك بالضَّبط.
فقال له: وكيف ذلك؟
قال الشيخ: اذهبِ اليوم إلى بيتِك، وتغدَّ وجبةَ سمكٍ وأكثِرْ من المِلْح، ولا تشرَب الماء أبدًا، وعندَ العَشاء كذلِك وجبة سمَك وأكثِر المِلح فيها، وإيَّاك ثُمَّ إيَّاك أن تشربَ الماء، فإذا شرِبْت الماء لم تَرَ شيئًا، بعده تنام.
فقال له الرَّجُل: فقط هكذا؟
قال له: نعم فقط هكذا، ولكن يجب أن تقاوِم رغبتَك في شرْبِ الماء، وبعدها تنام.
فذهب الرجل إلى بيته، وتغدَّى سمكًا، وتعشَّى سمكًا، وأكثرَ من المِلْح، وبدأ يشعُر بالعطَش، فتذكَّر كلامَ الشَّيخ، وقاوم شعورَه بالعطش، وقام إلى الفِراش وهو يشعُر بالعَطَش الشَّديد، ويُحدِّث نفسه بالشُّرب، ولكنَّه يَخشى أن لا يرى النَّبيَّ عليْه الصلاة والسلام وأمضى اللَّيل كلَّه يتقلَّب في الفِراش يُقاوِم شعورَه بالعَطش، حتَّى غلَبه النَّوم، وعند الصَّباح استيقظَ وذهب إلى الشَّيخ.
فبدأه الشيخ بالسؤال: هل رأيتَ الرَّسول صلَّى الله عليْه وسلَّم في منامِك؟
فقال الرجل: لا، لم أَرَه.
فقال الشيخ: وماذا رأيت؟
قال الرجل: لقد رأيتُ نفسي أشرب الماء، وأسبح في أنهار من الماء، ورأيت السماء تُمطر ماءً، والأرض تنبع ماءً، ورأيتُني أسبح وأشرب من الماء في كلِّ مكانٍ، والماء يتدفَّق من كلِّ مكانٍ حوْلي، وبتُّ طولَ اللَّيل وأنا أحلم بالماء، ولم أر الرَّسولَ صلَّى الله عليْه وسلَّم كما أخبرتني.
فقال له الشَّيخ: لو بتَّ ليلتَك تفكِّر في رسولِ الله، كما كنتَ تفكِّر في الماءِ، وتعلِّق قلبَك برسول الله، كما تعلَّق قلبُك البارحةَ بالماءِ - لكُنْتَ رأيتَ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
يا بُنَيَّ، إذا أردتَ أن تَرى رسولَ الله صلَّى الله عليْه وسلَّم فيجب أن يشغل الرَّسول عليه الصلاة والسَّلام كلَّ تفكيرِك وقلبك ونفسك، حتى لا تفكِّر، ولا ترى شيئًا سوى رسولِ الله، عندها يكرمك الله برؤية رسوله صلى الله عليه وسلَّم.
هكذا نستطيع أن نَرى رسول الله صلَّى الله عليْه وسلَّم وقد قال عليْه الصَّلاة والسَّلام: "مَن رآني في المنام، فسيراني في اليقظة؛ فإنَّ الشَّيطان لا يتمثَّل بي"، أو كما قال عليه أفضل الصَّلاة والتَّسليم ومن أراد أن يكونَ الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم هو ما يشغلُ تفكيرَه، فعليْه أوَّلاً أن يزكِّي ويطهِّر نفسه من جَميع العيوب، ويقرأ سيرتَه، ويكْثِر من ذِكْره والصَّلاةِ عليه عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام ويشغل وقتَه كلَّه في ذِكْرِه والصَّلاة عليه، عليْه أفضل الصَّلاة والسَّلام.
ويُجاهد نفسَه بأن يصلِّي عليه كلَّ يومٍ على الأقل 100 مرَّة، بأي صيغةٍ كانتْ في أي وقْت، ويُكثر من الصَّلاة عليه عليْه الصَّلاة والسلام في يوم الجمُعة.
أرجو منكم إرسال هذه الرسالة إلى كل مَن تعرِفون؛ عسى الله أن يكرم كاتبَها وراسلها، وموصلها ومبلغها رؤية رسولِ الله صلى الله عليه وسلَّم في المنام واليقظة، في الحياة قبلَ الممات، ويجمعنا به وإيَّاكم في دار الفِرْدوس، في مقعد صِدْقٍ عند مليكٍ مقتدِر، وآخر دعْوانا: أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.
فما رأي فضيلتِكم؟ وبِماذا تُفتون؟ وهل يجوز إدراج مثل هذه القصص؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالرسالة المذكورة في السؤال يفوح من ألفاظِها الرِّكَّة، فضلاً عن المُخالفات التي سنبيِّنها، ممَّا يدلُّ على أنَّ مَن كتبها ونشرَها ليس من أهْلِ العلم.
ولْتعلمي: أنَّه لا يُوجَد طريقة في الشَّرع يسلُكها مَن يُريد أن يرى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلَّم كما ينبغي للمُسلم ألا يشغل نفسَه بالرُّؤى والأحلام؛ وإنما عليه باتباع سنَّة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فيُرجى لِمن أكثر من اتِّباعه أن يراه أكثر، فهذا الذي ينبغي للمُسلم الحرص عليه، والسعي لتحصيله؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ" (رواه مسلم من حديث أبي هريرة).
أمَّا رؤية النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقظةً في الدنيا بعد موتِه، كما ذُكِرت في تلك الرِّسالة - فمستحيلة، وقد جزم المحقِّقُون من أهل العلم بعدَم إمكانِها؛ لأنَّ الموتى لا يَخرجون من قُبورِهم إلا يوم القِيامة؛ قال الله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ . ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 15 – 16].
قال ابنُ حزم في "مراتب الإجماع": "واتَّفقوا أنَّ محمَّدًا -عليه السَّلام - وجميع أصحابِه لا يرجِعون إلى الدُّنيا؛ إلا حين يُبْعثون مع جَميع الناس". اهـ.
وقال الخادمي في "بريقة محمودية": "رؤية شخْصِه صلَّى الله عليه وسلَّم بعيْن الرَّأس بعد موتِه، ورؤيتُه تعالى في الدنْيا بعين الرأْس - غيرُ مُمكن، والأوَّل: عقلي؛ إذِ الموتى ما داموا كذلك لا يتصوَّر منهم ذلك". اهـ.
وممَّا تقدَّم يتبيَّن: أنَّه لا يَجوز المُشاركة في نشْر تِلك الرِّسالة؛ بل الأوْلى أن يشغل المرْءُ نفسَه بِما ينفعُه: من اتِّباع سنَّة المصطفى، ونشرِها بين النَّاس، والدَّعوة إلى الله تعالى،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: