رسالة في التوسل والوسيلةالجزء العشرون .
منذ 2006-12-01
السؤال: رسالة في التوسل والوسيلةالجزء العشرون .
الإجابة: وأما التوسل بالنبى صلى الله عليه وسلم والتوجه به فى كلام الصحابة
فيريدون به التوسل بدعائه وشفاعته. والتوسل به فى عرف كثير من
المتأخرين يراد به الإقسام به والسؤال به، كما يقسمون بغيره من
الأنبياء والصالحين ومن يعتقدون فيه الصلاح.
وحينئذ فلفظ التوسل به يراد به معنيان صحيحان باتفاق المسلمين، ويراد به معنى ثالث لم ترد به سنة.
فأما المعنيان الأولان ـ الصحيحان باتفاق العلماء ـ :
فأحدهما: هو أصل الإيمان والإسلام وهو التوسل بالإيمان به وبطاعته. والثانى: دعاؤه وشفاعته كما تقدم.
فهذان جائزان بإجماع المسلمين، ومن هذا قول عمر بن الخطاب: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، أى: بدعائه وشفاعته، وقوله تعالى: {وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35]، أى القربة إليه بطاعته. وطاعة رسوله طاعته، قال تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} [النساء: 80].
فهذا التوسل الأول هو أصل الدين، وهذا لا ينكره أحد من المسلمين.
وأما التوسل بدعائه وشفاعته ـ كما قال عمر ـ فإنه توسل بدعائه لا بذاته؛ ولهذا عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بعمه العباس، ولو كان التوسل هو بذاته لكان هذا أولى من التوسل بالعباس، فلما عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بالعباس، علم أن ما يفعل فى حياته قد تعذر بموته، بخلاف التوسل الذى هو الإيمان به والطاعة له، فإنه مشروع دائما.
فلفظ التوسل يراد به ثلاثة معان :
أحدها: التوسل بطاعته، فهذا فرض لا يتم الإيمان إلا به.
والثانى: التوسل بدعائه وشفاعته، وهذا كان فى حياته، ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته.
والثالث: التوسل به بمعنى الإقسام على الله بذاته، والسؤال بذاته، فهذا هو الذى لم تكن الصحابة يفعلونه فى الاستسقاء ونحوه، لا فى حياته ولا بعد مماته، لا عند قبره ولا غير قبره، ولا يعرف هذا فى شىء من الأدعية المشهورة بينهم، وإنما ينقل شىء من ذلك فى أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة، أو عمن ليس قوله حجة، كما سنذكر ذلك إن شاء الله تعالى.
وهذا هو الذى قال أبو حنيفة وأصحابه: إنه لا يجوز، ونهوا عنه حيث قالوا: لا يسأل بمخلوق، ولا يقول أحد: أسألك بحق أنبيائك. قال أبو الحسين القدورى، فى كتابه الكبير فى الفقه المسمى بشرح الكرخى فى باب الكراهة: وقد ذكر هذا غير واحد من أصحاب أبى حنيفة. قال بشر بن الوليد: حدثنا أبو يوسف قال أبو حنيفة: لا ينبغى لأحد أن يدعو الله إلا به. وأكره أن يقول: (بمعاقد العز من عرشك) أو (بحق خلقك). وهو قول أبى يوسف، قال أبو يوسف: بمعقد العز من عرشه هو الله، فلا أكره هذا، وأكره أن يقول بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام.
قال القدورى: المسألة بخلقه لا تجوز؛ لأنه لا حق للخلق على الخالق فلا تجوز وفاقا.
وهذا الذى قاله أبو حنيفة وأصحابه ـ من أن الله لا يسأل بمخلوق ـ له معنيان :
أحدهما: هو موافق لسائر الأئمة الذين يمنعون أن يقسم أحد بالمخلوق، فإنه إذا منع أن يقسم على مخلوق بمخلوق، فلأن يمنع أن يقسم على الخالق بمخلوق أولى وأحرى.
وهذا بخلاف إقسامه سبحانه بمخلوقاته كـ {{اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: 1، 2]، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1]، {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا} [النازعات: 1]، {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} [الصافات: 1]،
فإن إقسامه بمخلوقاته يتضمن مَن ذَكَر آياته الدالة على قدرته وحكمته ووحدانيته ما يحسن معه إقسامه، بخلاف المخلوق، فإن إقسامه بالمخلوقات شرك بخالقها، كما فى السنن عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: " "، وقد صححه الترمذى وغيره، وفى لفظ: " " وقد صححه الحاكم.
وقد ثبت عنه فى الصحيحين أنه قال: " "، وقال: " "، وفى الصحيحين عنه أنه قال: " ".
وقد اتفق المسلمون على أنه من حلف بالمخلوقات المحترمة، أو بما يعتقد هو حرمته كالعرش، والكرسى، والكعبة، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجد النبى صلى الله عليه وسلم، والملائكة، والصالحين، والملوك، وسيوف المجاهدين، وترب الأنبياء والصالحين، وأيمان البندق، وسراويل الفتوة، وغير ذلك لا ينعقد يمينه، ولا كفارة فى الحلف بذلك.
والحلف بالمخلوقات حرام عند الجمهور، وهو مذهب أبى حنيفة وأحد القولين فى مذهب الشافعى وأحمد، وقد حكى إجماع الصحابة على ذلك.
وقيل: هى مكروهة كراهة تنزيه، والأول أصح، حتى قال عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله ابن عمر: لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلى من أن أحلف بغير الله صادقاً.
وذلك لأن الحلف بغير الله شرك، والشرك أعظم من الكذب. إنما نعرف النزاع فى الحلف بالأنبياء، فعن أحمد فى الحلف بالنبى صلى الله عليه وسلم روايتان :
إحداهما: لا ينعقد اليمين به كقول الجمهور: مالك وأبى حنيفة والشافعى.
والثانية: ينعقد اليمين به، واختار ذلك طائفة من أصحابه كالقاضى وأتباعه، وابن المنذر وافق هؤلاء. وقصر أكثر هؤلاء النزاع فى ذلك على النبى صلى الله عليه وسلم خاصة، وعَدَّى ابن عقيل هذا الحكم إلى سائر الأنبياء. وإيجاب الكفارة بالحلف بمخلوق ـ وإن كان نبيا ـ قول ضعيف فى الغاية، مخالف للأصول والنصوص، فالإقسام به على الله ـ والسؤال به بمعنى الإقسام ـ هو من هذا الجنس.
وحينئذ فلفظ التوسل به يراد به معنيان صحيحان باتفاق المسلمين، ويراد به معنى ثالث لم ترد به سنة.
فأما المعنيان الأولان ـ الصحيحان باتفاق العلماء ـ :
فأحدهما: هو أصل الإيمان والإسلام وهو التوسل بالإيمان به وبطاعته. والثانى: دعاؤه وشفاعته كما تقدم.
فهذان جائزان بإجماع المسلمين، ومن هذا قول عمر بن الخطاب: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، أى: بدعائه وشفاعته، وقوله تعالى: {وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35]، أى القربة إليه بطاعته. وطاعة رسوله طاعته، قال تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} [النساء: 80].
فهذا التوسل الأول هو أصل الدين، وهذا لا ينكره أحد من المسلمين.
وأما التوسل بدعائه وشفاعته ـ كما قال عمر ـ فإنه توسل بدعائه لا بذاته؛ ولهذا عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بعمه العباس، ولو كان التوسل هو بذاته لكان هذا أولى من التوسل بالعباس، فلما عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بالعباس، علم أن ما يفعل فى حياته قد تعذر بموته، بخلاف التوسل الذى هو الإيمان به والطاعة له، فإنه مشروع دائما.
فلفظ التوسل يراد به ثلاثة معان :
أحدها: التوسل بطاعته، فهذا فرض لا يتم الإيمان إلا به.
والثانى: التوسل بدعائه وشفاعته، وهذا كان فى حياته، ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته.
والثالث: التوسل به بمعنى الإقسام على الله بذاته، والسؤال بذاته، فهذا هو الذى لم تكن الصحابة يفعلونه فى الاستسقاء ونحوه، لا فى حياته ولا بعد مماته، لا عند قبره ولا غير قبره، ولا يعرف هذا فى شىء من الأدعية المشهورة بينهم، وإنما ينقل شىء من ذلك فى أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة، أو عمن ليس قوله حجة، كما سنذكر ذلك إن شاء الله تعالى.
وهذا هو الذى قال أبو حنيفة وأصحابه: إنه لا يجوز، ونهوا عنه حيث قالوا: لا يسأل بمخلوق، ولا يقول أحد: أسألك بحق أنبيائك. قال أبو الحسين القدورى، فى كتابه الكبير فى الفقه المسمى بشرح الكرخى فى باب الكراهة: وقد ذكر هذا غير واحد من أصحاب أبى حنيفة. قال بشر بن الوليد: حدثنا أبو يوسف قال أبو حنيفة: لا ينبغى لأحد أن يدعو الله إلا به. وأكره أن يقول: (بمعاقد العز من عرشك) أو (بحق خلقك). وهو قول أبى يوسف، قال أبو يوسف: بمعقد العز من عرشه هو الله، فلا أكره هذا، وأكره أن يقول بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام.
قال القدورى: المسألة بخلقه لا تجوز؛ لأنه لا حق للخلق على الخالق فلا تجوز وفاقا.
وهذا الذى قاله أبو حنيفة وأصحابه ـ من أن الله لا يسأل بمخلوق ـ له معنيان :
أحدهما: هو موافق لسائر الأئمة الذين يمنعون أن يقسم أحد بالمخلوق، فإنه إذا منع أن يقسم على مخلوق بمخلوق، فلأن يمنع أن يقسم على الخالق بمخلوق أولى وأحرى.
وهذا بخلاف إقسامه سبحانه بمخلوقاته كـ {{اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: 1، 2]، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1]، {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا} [النازعات: 1]، {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} [الصافات: 1]،
فإن إقسامه بمخلوقاته يتضمن مَن ذَكَر آياته الدالة على قدرته وحكمته ووحدانيته ما يحسن معه إقسامه، بخلاف المخلوق، فإن إقسامه بالمخلوقات شرك بخالقها، كما فى السنن عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: " "، وقد صححه الترمذى وغيره، وفى لفظ: " " وقد صححه الحاكم.
وقد ثبت عنه فى الصحيحين أنه قال: " "، وقال: " "، وفى الصحيحين عنه أنه قال: " ".
وقد اتفق المسلمون على أنه من حلف بالمخلوقات المحترمة، أو بما يعتقد هو حرمته كالعرش، والكرسى، والكعبة، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجد النبى صلى الله عليه وسلم، والملائكة، والصالحين، والملوك، وسيوف المجاهدين، وترب الأنبياء والصالحين، وأيمان البندق، وسراويل الفتوة، وغير ذلك لا ينعقد يمينه، ولا كفارة فى الحلف بذلك.
والحلف بالمخلوقات حرام عند الجمهور، وهو مذهب أبى حنيفة وأحد القولين فى مذهب الشافعى وأحمد، وقد حكى إجماع الصحابة على ذلك.
وقيل: هى مكروهة كراهة تنزيه، والأول أصح، حتى قال عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله ابن عمر: لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلى من أن أحلف بغير الله صادقاً.
وذلك لأن الحلف بغير الله شرك، والشرك أعظم من الكذب. إنما نعرف النزاع فى الحلف بالأنبياء، فعن أحمد فى الحلف بالنبى صلى الله عليه وسلم روايتان :
إحداهما: لا ينعقد اليمين به كقول الجمهور: مالك وأبى حنيفة والشافعى.
والثانية: ينعقد اليمين به، واختار ذلك طائفة من أصحابه كالقاضى وأتباعه، وابن المنذر وافق هؤلاء. وقصر أكثر هؤلاء النزاع فى ذلك على النبى صلى الله عليه وسلم خاصة، وعَدَّى ابن عقيل هذا الحكم إلى سائر الأنبياء. وإيجاب الكفارة بالحلف بمخلوق ـ وإن كان نبيا ـ قول ضعيف فى الغاية، مخالف للأصول والنصوص، فالإقسام به على الله ـ والسؤال به بمعنى الإقسام ـ هو من هذا الجنس.
- التصنيف: