حكم بناء مسجد قريبا من المقبرة

منذ 2013-02-05
السؤال:

نَحن أفراد جالية مسلمة نعيش في بلدٍ غرْبي، يزيد عدد أفرادِها على السبعة آلاف مسلم، وعندنا في المدينة مسجدٌ صغير ومُصلَّيان آخَران، والمَسجِدُ لا يَسَعُ كلَّ النَّاس يومَ الجُمُعة، فهُو لا يسَعُ إلا مائَتَيْنِ وخَمسين فردًا على الأكثر، وهُناك قطعة أرض نُريد شراءَها لبناء مَسجدٍ عليها، وتلك القِطْعَةُ بِجوار مَقبرةٍ للنَّصارى، والمقبرةُ الآنَ ليست مُمتدَّة إلى هذا المكان لوجود فاصلٍ كبيرٍ بين المقبرة وهذا المكان يتعدى المائة متر، ولكن ليس هناك مانع أن تَمتدَّ هذه المقبرة حتى تَصِلَ إلى المسجد مُستقبلاً، فما حكم شراء هذه القطعة؟

وإذا كان شراؤها يَجوز فهل يَجوز أن تُخصَّص قطعةٌ من هذه الأرض لبناء مقبرةٍ لِلمسلمين، مع العِلم بأنَّه لا يُوجد في هذه المدينة مقبرة للمسلمين، وأقرب مقبرة على بعد 300 كيلو متر.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإن كان الحال كما تقول، فلا مانعَ شرعًا من شرِاء تِلك الأرض وبناءِ المسجد عليها، وحتَّى لو امتدَّت المقبرةُ مُستقبلا ووصلت إلى المسجد، ما دامت القُبور خارجَ سُورِ المسجدِ، فلا يؤثِّرُ على مشروعيَّةِ الصلاةِ فيه؛ قالَ البُهُوتي في "شرحِ مُنْتَهى الإِرَاداتِ": "(وتكره) الصلاة (إليها) -المقبرة- لحديث أبي مرثد الغنوي مرفوعًا "لا تُصَلُّوا إلى القبور ولا تَجلسوا إليها" (رواه الشيخان) (بلا حائل) فإن كان حائل لم تكره الصلاة (ولو) كان (كمؤخرة رحل) كسترة المتخلي, فلا يكفي الخط, ويكفي حائطُ المسجد" اهـ.

وقالَ في "الشرح الكبير": "إنْ صلَّى إلى المقبرةِ والحُشِّ فهو كالمصلِّي فيها، إذا لم يَكُنْ بينَه وبينَها حائِلٌ، كما روى أبو مَرثدٍ الغنويُّ أنَّه سمعَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تُصلُّوا إِلى القُبورِ ولا تجْلسِوا عليها" (متَّفق عليه)" اهـ.

وعليه؛ فإنَّ بناءَ المسجِد في المكان المذكور والصلاةَ فيه لا حَرَجَ فيه إن شاء الله تعالى؛ لعموم قولِه صلى الله عليه وسلم: "جُعِلْت لي الأَرْضُ مَسجدًا وطهورًا، وأيُّما رجُلٍ من أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةَ فلْيُصَلّ" (متَّفَقٌ عليْهِ عن جابر بن عبدالله).

أمَّا تَخصيص قطعةٍ من تلك الأرض لبناءِ مَقبرة للمُسلمين عليها، فلا بأْسَ به أيضًا؛ لأنَّ الشَّرع إنَّما نَهَى عن بِناء القُبور على المساجد وعنِ الصَّلاة في القُبور، كما صَحَّ عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في أحاديثَ كثيرةٍ، حتَّى لا تُتَّخذَ ذريعةً إِلَى الشِّرك وأسبابه؛ ففي الصحيحَيْنِ عنْ عائشةَ رضي الله عنها أَنَّها قالتْ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لعنَ اللهُ اليهودَ والنَّصارى اتَّخذُوا قُبورَ أنبيائِهم مساجدَ" قالتْ: ولولا ذلكَ أُبرِزَ قبرُه، غيرَ أنَّه خَشِيَ أنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا.

وروى مُسلم منْ حديثِ جُندب أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلَّم قالَ: "أَلا فلا تَتَّخِذُوا القبورَ مساجدَ؛ إِنِّي أنهاكُم عن ذلكَ".

وقد سَبَقَ بيانُ ذلك مفصلاً في الفتويين: "حكم الصلاة في المساجد التي فيها مقامات"، "الصلاة في مسجد نُبشَ قَبرُه" فليرجع إليهما. 

وقد سُئل الشَّيخُ ابْنُ باز عن مَسجدٍ جامع يقَعُ وسَطَ المَقابر الَّتي تُحيطُ به من الشَّمال والجَنوب، والمسافة بينَهُ وبيْنَ الجِهة الشمالية مِتران، وكذلك الجنوبيَّة متران.

فأجاب: "لا حَرَجَ في بَقاءَ المسْجِد المَذْكور؛ لأنَّ العادة جاريةٌ أنَّ النَّاس يَدْفِنُون حولَ المَسْجِد، فلا يضرُّ ذلك شيئًا، والمقصود أنَّ الدَّفنَ حول المساجد لا بأسَ به، لأنَّه أسْهَلُ على النَّاس، فإذا خرجوا من المسْجِد دفَنُوه حول المَسْجِد، فلا يضرُّ ذلك شيئًا ولا يؤثِّرُ في صلاة المصلين، لكن إذا كان في قِبْلة المسجد شيءٌ من القُبُور، فالأحْوَطُ أن يكونَ بَيْنَ المَسْجِد وبَيْنَ المقْبَرَة جِدَارٌ آخَر غَيْر جِدار المَسْجِد، أو طريقٌ يفْصِلُ بينهُما، هذا هو الأحْوَطُ والأَوْلى؛ ليكونَ ذلك أبعدَ عنِ استِقْبالِهم لِلقبور، أمَّا إن كانتْ عن يَمين المسْجِد أو عن شِمالِه، أي عن يَمين المصلِّين، أو عن شِمالهم فلا يضرُّهم شيئًا؛ لأنَّهم لا يستقبلونَها، لأنَّ هذا أبعدُ عنِ اسْتِقْبالِها وعن شُبْهة الاستقبال"،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 2
  • 0
  • 17,788

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً