فيمن يشهد أن لا إله إلا الله ويأتى بنواقضها

منذ 2014-04-03
السؤال:

ما قولكم في الرجل الذي يقول لا اله إلا الله ويأتي بشتى نواقض الإسلام وانتفت عنه موانع التكفير وثبتت فيه شروط التكفير و لم يتب من كفره يقول لا اله إلا الله قبل موته (وقد كان يقولها من قبل في حياته). هل يحكم عليه عندها أنه مسلم وأنه من أهل الجنة لأنه نطق بها قبل موته أم انه من أهل النار لقوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا

 

الإجابة:

رَوَى التِّرْمِذِيُّ (3537) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» (قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ).

فَقَوْلُهُ:   «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ» ظَاهِرُهُ الإِطْلاقُ فِي الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِالْكَافِرِ قَالَهُ الْقَارِي.   «مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» مِنْ الْغَرْغَرَةِ أَيْ مَا لَمْ تَبْلُغْ الرُّوحُ إِلَى الْحُلْقُومِ، فَإِنْ كَانَتِ التَّوْبَةُ بَعْدَ التَّيَقُّنِ بِالْمَوْتِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْت الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ}.

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ: وَأَمَّا مَتَى وَقََعَ الإِيَاسُ مِنَ الْحَيَاةِ وَعَايَنَ الْمَلَكَ، وَحَشْرَجَتِ الرُّوْحُ فِي الْحَلْقِ وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ، وَبَلَغَتِ الْحُلْقُومَ، وَغَرْغَرَتِ النَّفْسُ صَاعِدَةً فِي الْغَلاصِمِ، فَلاَ تَوْبَةَ مَقْبُولَةٌ حِيْنَئِذٍ، وَلاتَ حِيْنَ مَنَاصٍ، وَلِهَذَا قاَلَ تَعَالَى:  {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} وَهَذَا كَمَا قاَلَ تَعَالَى:  {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ} الآيتين، وَكَمَا حَكَمَ تَعَالَى بِعَدَمِ تَوْبَةِ أَهْلِ الأَرْضِ إِذَا عَايَنُوا الشَّمْسَ طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:  {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنْفَعُ نَفْساً إِيْمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيْمَانِهَا خَيْراً} الآيَةُ وَقَوْلُهُ:  {وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} يَعْنِي: أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ وَشِرْكِهِ لاَ يَنْفَعُهُ نَدَمُهُ وَلاَ تَوْبَتُهُ

وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ 2766 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ ؛ فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ: لاَ، فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ ؟! انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلاَ تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ المَوْتُ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ العَذَابِ، فَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلاً بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ، وَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ العَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ»  قَالَ قَتَادَةُ: فَقَالَ الحَسَنُ:  ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ المَوْتُ نَأَى بِصَدْرِهِ . وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا (3470).

وَرَوَى مُسْلِمٌ (2748) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:   «لَوْ أَنَّكُمْ لَمْ تَكُنْ لَكُمْ ذُنُوبٌ يَغْفِرُهَا اللَّهُ لَكُمْ لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ لَهُمْ ذُنُوبٌ يَغْفِرُهَا لَهُمْ».

وَرَوَى النَّسَائِيُّ (3984)، وَأَحْمَدُ (16464) عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاَلَ: «كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ، إِلاَّ الرَّجُلُ يَقْتُلُ المُؤْمِنَ مُتَعَمِّدًا، أَوْ الرَّجُلُ يَمُوتُ كَافِرًا» (وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).

فاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيْعًا إِذَا تَابَ الْعَبْدُ مِنْهَا وَأَنَابَ، وَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يُحَجِّرَ رَحْمَةَ اللهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَحْكُمَ لأَحَدٍ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَيَسَعُنَا السُّكُوتُ وَأَنْ نَقُولَ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ قَبْلَ الْوَفَاةِ مِنْ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ وَقَدْ يُوَفَّقُ الْعَبْدُ الْمُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمَعَاصِي وَبِأَفْعَالِ الْكُفْرِ لأَنْ يَنْطِقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ قَبْلَ وَفَاتِهِ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ تَعَالَى. وَلاَ دَاعِي أَنْ نَشْغَلَ أَنْفُسَنَا بِمَا لَمْ نُكَلَّفْ بِهِ.

وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ (5827)، وَمُسْلِمٌ (94) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهُوَ نَائِمٌ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدْ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟! قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟! قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟! قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ» . وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا قَالَ: وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ  قَالَ الإمَامُ الْبُخَارِيُّ: هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ قَبْلَهُ إِذَا تَابَ وَنَدِمَ وَقَالَ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ غُفِرَ لَهُ.

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي "فَتْحِ الْبَارِيْ ":

قَوْله: أَتَانِي آتٍ  سَمَّاهُ فِي التَّوْحِيد " جِبْرِيل " وَجَزَمَ بِقَوْلِهِ " فَبَشَّرَنِي " وَزَادَ الإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق مَهْدِيّ فِي أَوَّله قِصَّة قَالَ " كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِير لَهُ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْض اللَّيْل تَنَحَّى فَلَبِثَ طَوِيلاً، ثُمَّ أَتَانَا فَقَالَ " فَذَكَرَ الْحَدِيث. وَفِي رِوَايَةٍ «أَتَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثَوْب أَبْيَض وَهُوَ نَائِم، ثُمَّ أَتَيْته وَقَدْ اِسْتَيْقَظَ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا رُؤْيَا مَنَام. قَوْله:  «مِنْ أُمَّتِي» أَيْ مِنْ أُمَّة الإِجَابَة، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَعَمّ مِنْ ذَلِكَ أَيْ أُمَّة الدَّعْوَة وَهُوَ مُتَّجِه. قَوْله: «لا يُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا» أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّف فِي اللِّبَاس بِلَفْظِ «مَا مِنْ عَبْد قَالَ لا إِلَه إِلاَّ اللَّه ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ» الْحَدِيث. إِنَّمَا لَمْ يُورِدهُ الْمُصَنِّف هُنَا جَرْيًا عَلَى عَادَته فِي إِيثَار الْخَفِيّ عَلَى الْجَلِيّ، وَذَلِكَ أَنَّ نَفْي الشِّرْك يَسْتَلْزِم إِثْبَات التَّوْحِيد، وَيَشْهَد لَهُ اِسْتِنْبَاط عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود فِي ثَانِي حَدِيثَيْ الْبَاب مِنْ مَفْهُوم قَوْله «مَنْ مَاتَ يُشْرِك بِاَللَّهِ دَخَلَ النَّار» وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: مَعْنَى نَفْي الشِّرْك أَنْ لا يَتَّخِذ مَعَ اللَّه شَرِيكًا فِي الإِلَهِيَّة، لَكِنَّ هَذَا الْقَوْل صَارَ بِحُكْمِ الْعُرْف عِبَارَة عَنْ الإِيمَان الشَّرْعِيّ.

قَوْله: «فَقُلْت وَإِنْ زَنَى أَوْ سَرَقَ» قَدْ يَتَبَادَر إِلَى الذِّهْن أَنَّ قَائِل ذَلِكَ هُوَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَقُول لَهُ الْمَلَك الَّذِي بَشَّرَهُ بِهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ الْقَائِل هُوَ أَبُو ذَرّ وَالْمَقُول لَهُ هُوَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا بَيَّنَهُ الْمُؤَلِّف فِي اللِّبَاس. وَلِلتِّرْمِذِيِّ «قَالَ أَبُو ذَرّ يَا رَسُول اللَّه» وَيُمْكِن أَنْ يَكُون النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ مُسْتَوْضِحًا وَأَبُو ذَرّ قَالَهُ مُسْتَبْعِدًا، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنهمَا فِي الرِّقَاق مِنْ طَرِيق زَيْد بْن وَهْب عَنْ أَبِي ذَرّ.

قَالَ الزَّيْنُ بْن الْمُنَيَّرِ: حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ مِنْ أَحَادِيثِ الرَّجَاءِ الَّتِي أَفْضَى الاِتِّكَال عَلَيْهَا بِبَعْضِ الْجَهَلَةِ إِلَى الإِقْدَامِ عَلَى الْمُوبِقَاتِ، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَإِنَّ الْقَوَاعِدَ اِسْتَقَرَّتْ عَلَى أَنَّ حُقُوق الآدَمِيِّينَ لا تَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ عَلَى الإِيمَانِ، وَلَكِنْ لا يَلْزَم مِنْ عَدَمِ سُقُوطِهَا أَنْ لاَّ يَتَكَفَّلَ اللَّهُ بِهَا عَمَّنْ يُرِيدُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمِنْ ثَمَّ رَدَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي ذَرّ اِسْتِبْعَادَهُ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " دَخَلَ الْجَنَّة " أَيْ صَارَ إِلَيْهَا إِمَّا اِبْتِدَاءً مِنْ أَوَّلِ الْحَالِ وَإِمَّا بَعْدَ أَنْ يَقَعَ مَا يَقَعُ مِنَ الْعَذَابِ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ.

وَورَدَ فِي هَذَا حَدِيثُ: «مَنْ قَالَ لا إِلَه إِلاَّ اللَّه نَفَعَتْهُ يَوْمًا مِنْ الدَّهْر، أَصَابَهُ قَبْل ذَلِكَ مَا أَصَابَهُ»

وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي "‎السِّلْسِلَةِ الصَّحِيْحَةِ" (1932) وَقَالَ: أَخْرَجَهُ أَبُو سَعِيْدِ بْنُ الأَعْرَابِيِّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ"، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الإِيْمَانِ" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ رِجَالُ الشَّيْخَيْنِ غَيْرَ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْمِصْرِيِّ وَهُوَ ثِقَةٌ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ .

وَفِي الْحَدِيث أَنَّ أَصْحَاب الْكَبَائِر لا يُخَلَّدُونَ فِي النَّار، وَأَنَّ الْكَبَائِر لا تَسْلُب اِسْم الإِيمَان، وَأَنَّ غَيْر الْمُوَحِّدِينَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّة. وَالْحِكْمَة فِي الاِقْتِصَار عَلَى الزِّنَا وَالسَّرِقَة الإِشَارَة إِلَى جِنْس حَقّ اللَّه تَعَالَى وَحَقّ الْعِبَاد، وَكَأَنَّ أَبَا ذَرّ اِسْتَحْضَرَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِن» لأَنَّ ظَاهِره مُعَارِض لِظَاهِرِ هَذَا الْخَبَر، لَكِنَّ الْجَمْع بَيْنهمَا عَلَى قَوَاعِد أَهْل السُّنَّة بِحَمْلِ هَذَا عَلَى الإِيمَان الْكَامِل وَبِحَمْلِ حَدِيث الْبَاب عَلَى عَدَم التَّخْلِيد فِي النَّار. قَوْله: «عَلَى رَغْم أَنْف أَبِي ذَرّ» بِفَتْحِ الرَّاء وَسُكُون الْمُعْجَمَة وَيُقَال بِضَمِّهَا وَكَسْرهَا، وَهُوَ مَصْدَر رَغَمَ بِفَتْحِ الْغَيْن وَكَسْرهَا مَأْخُوذ مِنْ الرَّغْم وَهُوَ التُّرَاب، وَكَأَنَّهُ دَعَا عَلَيْهِ بِأَنْ يُلْصَق أَنْفه بِالتُّرَابِ.

أحمد حطيبة

طبيب أسنان وإمام وخطيب مسجد نور الإسلام بباكوس - الإسكندرية - مصر

  • 2
  • 1
  • 23,139

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً