الخشوع في الصلاة

منذ 2014-04-19
السؤال:

ما حكم الخشوع في الصلاة وما الأمور التي تعين عليه؟

الإجابة:

الـخشوع في الصلاة مطلـوب وقد أثنى الله سبحانه وتعـالى على المؤمنين الـــخاشعين، يقـول الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} والخشوع: هيئة في النفس يظهر منها في الجوارح سكون وتواضع كما قال الإمام القرطبي.

وقال قتادة: الخشوع في القلب وهو الخوف وغض البصر في الصلاة وقد وردت نصوص كثيرة في الخشوع منها:
قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}
وقوله تعالى: {قُلْ ءَامِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا}
ومنها حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة» (رواه مسلم).
وورد في حـديث عمر بن عبسـة أن الـرسول صلى الله عليــه وسلم قال في حـديـث:   «…من قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل وفرغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه» (رواه مسلم).
وعن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم يحضر صلاة مكتوبة فيحسن وضوئها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله» (رواه مسلم).
وحكم الخشوع: سنة من سنن الصلاة عند جمهور أهل العلم وقد صححوا صلاة من يفكر بأمر دنيوي إذا كان ضابطاً لأفعال الصلاة، ولا بد من مراعاة الأمور التالية حتى يخشع المصلي في صلاته:
1. أن يستحضر أنه واقف بين يدي الله سبحانه وتعالى الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
2. أن يحصر فكره في الصلاة ويبعد أي تفكير آخر.
3. أن يخشع بجوارحه فلا يتحرك ما استطاع إلى ذلك سبيلاً فلا يعبث بشيءٍ من جسده ولا بشيءٍ آخر كملابسه.
4. أن يتدبر القراءة فبذلك يكمل مقصود الخشوع.
وينبغي أن يعلم أن كثرة الحركة بالصلاة تتنافى مع الخشوع لأن الخشوع كما ذكرت محله القـلب ويظهر أثره على الجوارح وقد جعل بعض العلماء الحركة في الصلاة على خمس أقسام:
1. الحركة الواجبة وهي التي تتوقف عليها صحة الصلاة كمن كان يصلي لغير القبلة فنبهه آخر إلى أن القبلة عن يمينه أو يساره مثلاً فيجب عليه أن ينحرف لأنه إن بقي على حاله فصلاته باطلة.
2. حركة مستحبة وهي التي يتوقف عليها فعل مستحب مثل أن يتقدم المصلي إلى صف أمامه صار فيه فراغ فتحرك ليتم الصف فهذه الحركة مستحبة لأن فيها وصلاً للصف.
3. حركة مكروهة: وهي الحركة اليسيرة بدون حاجة لأنها عبث منافٍ للخشوع كمن ينظر إلى ساعته أثناء الصلاة.
4. حركة محرمة: وهي الحركة الكثيرة المتوالية لغير ضرورة كما يحصل من بعض المصلين من كثرة الحركة في الصلاة في إصلاح ملابسهم أو العبث بأجسادهم ونحو ذلك.
ومثل هذه الحركات تكون مبطلة للصلاة ولا شك أن كثرة الحركة في الصلاة تدل على عدم الخشوع وتنقص من الأجر فقد ورد في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: «منكم من يصلي الصلاة كاملة ومنكم من يصلي الـنصف والثلث والربع والخمس حتى بلغ العشر» (رواه النسائي بإسناد صحيح كما قال الإمام النووي).
5. حركة مباحة: وهي الحركة اليسيرة للحاجة كالمرأة التي تصلي وابنها يبكي فيجوز لها حمله أثناء الصلاة وقد ثبت: «أن النبي صلى الله عليه وسلـم حمل أمامة بنت زينب في الصلاة» (رواه البخاري ومسلم).
وكما قلت على المسلم أن يستحضر وهو في الصلاة أنه بين يدي ملك الملوك سبحانه وتعالى فإن هذا يدفعه إلى الخشوع والسكون وعدم الحركة وما أجمل ما قال الشاعر:
لأن بـها الآراب لله تخضـع ألا في الصلاة الخير والفضل أجمع
وآخر مـا يبقى إذا الدين يرفع وأول فـرض من شريعـة ديننـا
وكان كعبـد باب مولاه يقرع فمن قـام للتكبير لاقتـه رحمـة
نجيا فيا طوباه لـو كـان يخشع وصار لرب العرش حين صلاتـه
والآراب: هي الأعضاء.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أخشع الناس في صلاته حتى أنه كان يبكي في صلاته كما في الحديث عن مطرف عن أبيه قال: «أتيت الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزير كأزير المرجل، يعني يبكي» (رواه النسائي وأبو داود بإسنادٍ صحيح).
وقد ورد عن الصحابة والتابعين والصالحين أمور عجيبة في الخشوع في الصلاة منها أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما كان إذا قام في الصلاة كأنه عود من الخشوع وكان يسجد فتنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلاجذع حائط.
وكان مسلم بن يسار لا يلتفت في صلاته ولقد انهدمت ناحية من المسجد ففزع الناس لهدتها وإنه لفي المسجد يصلي فما التفت.
كان علي بن الحسن رضي الله عنهما إذا توضأ اصفر لونه فقيل له: [ما هذا الذي اعتادك عند الوضوء؟ فقال: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم...].  

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.

  • 7
  • 0
  • 22,646

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً