الجهل بوجوب الزكاة لا يعد عذراً لإسقاطها

منذ 2014-05-17
السؤال:

 ملكت مبلغاً كبيراً من المال منذ عدة سنوات ولكنها لم تزكِ مالها في السنوات الماضية لأنها لا تعلم بوجوب الزكاة على النساء فماذا تصنع؟

الإجابة:

إن الزكاة فريضة على الرجال والنساء سواء، متى تحققت أسبابها وشروطها من ملك النصاب وحولان الحول والفضل عن الحوائج الأصلية. ولا فرق بين الرجل والمرأة في وجوب الزكاة كما دلت على ذلك النصوص الموجبة للزكاة كما في قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ} [سورة البقرة الآية 43]، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [سورة التوبة الآيات 34-35]. وقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه عندما بعثه إلى اليمن: «أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم» (رواه البخاري). ومما ورد في خصوص الزكاة على النساء ما جاء في الحديث عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تصدّقن يا معشر النساء ولو من حليكن. قالت: فرجعت إلى عبد الله فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد – أي فقير – وإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة فإته فاسأله، فإن كان ذلك يجزي عني وإلا صرفتها لغيركم. قالت: فقال عبد الله: بل ائتيه أنت، قالت: فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتي حاجتها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة. قالت: فخرج علينا بلال فقلنا له: إئت رسول الله فأخبره أن امرأتين بالباب يسألانك: أتجزي الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما ولا تخبر من نحن قالت: فدخل بلال فسأله فقال له: من هما؟ فقال: امرأة من الأنصار وزينب، فقال الرسول: أي الزيانب؟ فقال: امرأة عبد الله، فقال صلى الله عليه وسلم: لهما أجران، أجر القرابة وأجر الصدقة» (متفق عليه) .

وأما قول السائلة إنها لا تعلم بوجوب الزكاة على النساء فهذا جهل لا يعذر صاحبه شرعاً فإن وجوب الزكاة من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة في ديار المسلمين ويجب على من جهل أن يسأل أهل العلم قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}  [سورة النحل الآية 43].

والعلم بالزكاة وأحكامها العامة فرض في حق من وجبت عليه وقد ورد في الحديث: «طلب العلم فريضة على كل مسلم» (رواه ابن ماجة وغيره)، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه وانظر صحيح الترغيب والترهيب 1/140.

والمقصود بالعلم الذي هو فريضة ما هو فرض عين والمقصود بفرض العين ما يجب على كل مسلم مكلف أن يحصله ولا يعذر بجهله، وحدُّ هذا القسم هو ما تتوقف عليه صحة العبادة أو المعاملة فيجب على المسلم أن يتعلم كيفية الوضوء والصلاة والأحكام الأساسية في الصوم والزكاة إن كان عنده نصاب والأحكام الأساسية في الحج إن كان من أهل الاستطاعة وكذلك يجب عليه أن يتعلم أحكام المعاملات التي يحتاج إليها. قال ابن عابدين في حاشيته نقلاً عن العلامي في فصوله: [من فرائض الإسلام تعلم ما يحتاج إليه العبد في إقامة دينه، وإخلاص عمله لله تعالى، ومعاشرة عباده، وفرض على كل مكلف ومكلفة بعد تعلمه علم الدين والهداية، تعلم علم الوضوء والغسل والصلاة والصوم، وعلم الزكاة لمن له نصاب، والحج لمن وجب عليه، والبيوع على التجار ليحترزوا عن الشبهات والمكروهات في سائر المعاملات، وكذا أهل الحرف وكل من اشتغل بشيء يفترض عليه علمه وحكمه ليمتنع عن الحرام فيه] حاشية ابن عابدين 1/42. وقال الإمام النووي: [… فرض العين وهو تعلم المكلف ما لا يتأدى الواجب الذي تعين عليه فعله إلا به ككيفية الوضوء والصلاة ونحوها] المجموع 1/42. وقال الإمام القرافي: [إن الغزالي حكى الإجماع في إحياء علوم الدين والشافعي في رسالته حكاه أيضاً، في أن المكلف لا يجوز له أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله فيه، فمن باع وجب عليه أن يتعلم ما عينه الله وشرعه في البيع، ومن آجر وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله تعالى في الإجارة، ومن قارض وجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى في القراض، ومن صلى وجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى في تلك الصلاة، وكذلك الطهارة وجميع الأقوال والأعمال فمن تعلم وعمل بمقتضى ما علم، فقد أطاع الله طاعتين، ومن لم يعلم ولم يعمل فقد عصى الله معصيتين، ومن علم ولم يعمل بمقتضى علمه فقد أطاع الله تعالى طاعة وعصاه معصية] الفروق 2/148.

وقال القرافي أيضاً في الاستدلال لكلامه السابق: [ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم»، قال الشافعي رحمه الله: طلب العلم قسمان فرض عين، وفرض كفاية، ففرض العين علمك بحالتك التي أنت فيها، وفرض الكفاية ما عدا ذلك، فإذا كان العلم بما يقدم الإنسان عليه واجباً كان الجاهل في الصلاة عاصياً بترك العلم؛ فهو كالمتعمد الترك بعد العلم بما وجب عليه فهذا هو وجه قول مالك رحمه الله، إن الجهل في الصلاة كالعمد والجاهل كالمتعمد لا كالناسي وأما الناسي فمعفو عنه لقوله صلى الله عليه وسلم: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» وأجمعت الأمة على أن النسيان لا إثم فيه من حيث الجملة] الفروق 2/149.

إذا تقرر هذا فأقول للسائلة بأن الزكاة واجبة عليها عن كل السنوات التي لم تزكِّ فيها ما دام أنها قد ملكت نصاباً وتحققت شروط وجوب الزكاة فعليها أن تؤدي زكاة مالها عن السنوات الماضية كلها ولا تبرأ ذمتها إلا بذاك.

قال الإمام النووي: [إذا مضت عليه سنون ولم يؤد زكاتها لزمه إخراج الزكاة عن جميعها، سواء علم وجوب الزكاة أم لا وسواء كان في دار الإسلام أم دار الحرب] المجموع 5/33. فعلى هذه المرأة أن تحسب أموالها في كل سنة مضت وتزكي عن كل سنة. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وفائدة الخلاف أنها إذا كانت في الذمة - أي الزكاة - فحال على ماله حولان لم يؤد زكاتهما وجب عليه أداؤها لما مضى، ولا تنقص عنه الزكاة في الحول الثاني. وكذلك إن كان أكثر من نصاب لم تنقص الزكاة، وإن مضى عليه أحوال فلو كان عنده أربعون شاة مضى عليها ثلاثة أحوال لم يؤد زكاتها وجب عليه ثلاث شياه وإن كانت مائة دينار فعليه سبعة دنانير ونصف لأن الزكاة وجبت في ذمته فلم يؤثر في تنقيص النصاب] المغني 2/506-507.

وبهذا يظهر لنا أن الزكاة وهي حق من الحقوق المالية لا تسقط بالتقادم -أي بمضي المدة- بل تبقى ديناً في الذمة ولا تبرأ ذمة المؤخر لها إلا بإخراجها سواء أخّرها عمداً أو جهلاً فالتوبة لا أثر لها في إسقاط الحقوق المالية سواء كانت حقاً لله تعالى أو حقاً للعباد.

وخلاصة الأمر أن على هذه المرأة أن تؤدي زكاة مالها عن جميع السنوات الماضية ولا تبرأ ذمتها إلا بذاك. 

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.

  • 1
  • 0
  • 15,955

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً