طلبُ الزوجة الطلاقَ بسبب زواج زوجها أخرى

منذ 2014-05-16
السؤال:

امرأة متزوجة من عدة سنوات ولم ترزق بأولاد وتزوج زوجها ثانية، وتريد أن تطلب الطلاق لأنها لا تطيق الاستمرار معه، فما الحكم الشرعي في ذلك؟

الإجابة:

أولاً: شرع دينُ الإسلام تعددَ الزوجات وجعله مباحاً، قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [سورة النساء الآية 3]. وقد أجمع المسلمون على جواز تعدد الزوجات، ولكن التعدد مشروطٌ بشرطين الشرط الأول: العدل وهو مأخوذ من قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}. والشرط الثاني هو المقدرة على الإنفاق على الزوجتين أو أكثر، ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [سورة النور الآية 33].
ومع كون تعدد الزوجات من المباحات إلا أني أختار الاكتفاء بزوجةٍ واحدةٍ لمن لم يكن عنده حاجةٌ للتعدد، لأنه مقلقٌ للبال ومغيرٌ للأحوال، ومثيرٌ للمشكلات والإحن والضغائن، وخاصةً أن ثقافة التعدد الشرعي غائبةٌ عند كثيرٍ من الرجال والنساء في مجتمعنا المحلي،
[قال الصيمري من أصحابنا إلا أن المستحب أن لا يزيد على واحدةٍ لاسيما في زماننا هذا، أي في زمان الصيمري] المجموع16/137، فإذا كان الاقتصار على واحدةٍ هو المستحب في زمان الصيمري الذي توفي سنة 405 هجرية فما بالك بزماننا نحن!؟
وقال الإمام المرداوي الحنبلي: [ويستحب أيضاً أن لا يزيد على واحدة، إن حصل بها الإعفافُ على الصحيح من المذهب. . . وجمهور الأصحاب استحبوا أن لا يزيد على واحدة] الإنصاف12/204.
وقال الشيخ العثيمين: [وعلى هذا فنقول: الاقتصار على الواحدة أسلم، ولكن مع ذلك إذا كان الإنسان يرى من نفسه أن الواحدة لا تكفيه ولا تعفه، فإننا نأمره بأن يتزوج ثانية وثالثة ورابعة، حتى يحصل له الطمأنينة، وغض البصر، وراحة النفس] الشرح الممتع 10/119.

ثانياً: الأصل في عقد الزواج هو الديمومة والاستمرار، ولكن إذا اشترطت الزوجةُ في العقد أن لا يتزوج زوجها ثانيةً، فيلزم الوفاءُ بالشرط، وإن أبى زوجها فلها الحق أن تطلب من القاضي الفراق، فقد جاء في المادة(19)من قانون الأحوال الشخصية:
[إذا اشترط في العقد شرطٌ نافعٌ لأحد الطرفين ولم يكن منافياً لمقاصد الزواج، ولم يلتزم فيه بما هو محظورٌ شرعاً وسُجِّل في وثيقة العقد، وجبت مراعاته وفقاً لما يلي: إذا اشترطت الزوجةُ على زوجها شرطاً تتحقق لها به مصلحةٌ غير محظورة شرعاً، ولا يمس حق الغير، كأن تشترط عليه أن لا يخرجها من بلدها، أو أن لا يتزوج عليها، أو أن يجعل أمرها بيدها تطلق نفسها إذا شاءت، أو أن يُسكنها في بلدٍ معينٍ، كان الشرطُ صحيحاً ملزماً، فإن لم يف به الزوجُ، فسخ العقد بطلب الزوجة، ولها مطالبته بسائر حقوقها الزوجية]
ويدل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج» (رواه البخاري ومسلم).
وقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحلَّ حراماً أو حرَّم حلالاً» (رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح). وما رواه البيهقي وغيره أن رجلاً تزوج إمرأةً وشرط لها دارها، ثم أراد نقلها، فخاصموه إلى عمر فقال: لها شرطُها، فقال الرجل: إذاً يطلقننا! فقال عمر: (مقاطع الحقوق عند الشروط ) وهذا أثر صحيح كما قال العلامة الألباني.

ثالثاً: إذا لم تشترط الزوجة في العقد على زوجها أن لا يتزوج عليها، فليس لها أن تطلب الطلاق بمجرد زواجه من ثانية، فزواجُ الرجل من ثانيةٍ ليس سبباً شرعياً لطلب الطلاق، ولا يكون كذلك إلا إذا لحقها ضررٌ فعلي، معنوي أو مادي، وقد قرر الفقهاء أنه يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق إذا كانت حياتها منغصةً مع زوجها، ويسيء لها ولا يعاشرها بالمعروف، وُيلحق بها الأذى والضرر، فيجوز لها حينئذ أن تطلب من زوجها أن يطلقها، فإن رفض وامتنع، فلها أن ترفع الأمر للقاضي الذي يجوز له أن يطلقها إذا ثبت لديه صحة دعواها.
قال الدردير المالكي: [ولها أي للزوجة التطليق على الزوج بالضرر، وهو ما لا يجوز شرعاً كهجرها بلا موجبٍ شرعيٍ، وضربها كذلك وسبها وسب أبيها. . . لا بمنعها من حمامٍ وفرجةٍ وتأديبها على ترك صلاةٍ أو تسرٍ أو تزوج عليها، ومتى شهدت بينةٌ بأصل الضرر، فلها اختيار الفراق] الشرح الكبير2/345.

وذكر العلماء الأحوال التي يجوز فيها للمرأة طلب الطلاق ومنها:
(1)إذا قصَّر الزوجُ في النفقة.
(2)إذا أضرَّ الزوجُ بزوجته إضراراً لا تستطيع معه دوام العشرة، مثل سبها، أو ضربها، أو إيذائها بما لا تطيقه، أو إكراهها على منكرٍ ونحو ذلك.
(3)إذا تضررت بغيبة زوجها وخافت على نفسها الفتنة.
(4)إذا حُبس زوجها مدةً طويلةً وتضررت بفراقه.
(5)إذا رأت المرأة بزوجها عيباً مستحكماً كالعقم، أو عدم القدرة على الوطء، أو رائحة كريهة منفرة، أو مرضاً مزمناً يمنع الوطء والاستمتاع، أو مرضاً خطيراً معدياً ونحو ذلك.
(6)إذا كان زوجها يترك الفرائض، أو لا يبالي بارتكاب الكبائر والمحرمات، كمن لا يصلي أحياناً، أو يشرب الخمر، أو يزني، أو يتعاطى المخدرات ونحو ذلك]. 
وليس من هذه الأحوال أن يتزوج عليها أخرى، لأن التعدد مشروع بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولأن التعدد حقٌ مشروعٌ للزوج بشروطه كما سبق.
وقد ثبت عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امرأةٍ سألت زوجها طلاقاً من غير بأسٍ، فحرامٌ عليها رائحةُ الجنة» (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم، وقال الترمذي حديث حسن، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه العلامة الألباني).
[ومعنى قوله «من غير بأس» أي من غير شدةٍ تلجئها إلى سؤال المفارقة. وقوله «فحرامٌ عليها رائحةُ الجنة» أي ممنوعٌ عنها، وذلك على نهج الوعيد والمبالغة في التهديد أو وقوع ذلك متعلقٌ بوقتٍ دون وقت أي لا تجد رائحة الجنة أول ما وجدها المحسنون] تحفة الأحوذي4/307-308.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [الأخبار الواردة في ترهيب المرأة من طلب طلاق زوجها محمولةٌ على ما إذا لم يكن بسبب يقتضى ذلك لحديث ثوبان. . . ولحديث أبي هريرة (المنتزعات والمختلعات هن المنافقات)] فتح الباري9/402.
وحديث أبي هريرة المذكور، رواه أحمد والنسائي وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني.

رابعاً: يجب تنبيه النساء المسلمات إلى الدور المفسد الذي تقوم به الجمعيات النسوية المدعومة غربياً في إفساد أحوال الأسرة المسلمة في كثيرٍ من جوانب الحياة، ومنها محاربةُ قضية تعدد الزوجات، وتشجيع النساء على طلب الطلاق في حال حصول التعدد،
ورد في وثيقة حقوق المرأة الفلسطينية: [للمرأة الحق في الحصول على تعويض عن الطلاق التعسفي، ومنحها الحق في طلب التفريق القضائي عند وجود المبرر لذلك، مثل إصابة الرجل بالعقم أو بمرضٍ مزمن أو عدم قدرته على مباشرة حياته الزوجية أو تعدد زوجاته]. 
فهذه الوثيقة جعلت تعدد الزوجات من أسباب طلب الطلاق، وهذا مخالفٌ للشرع مخالفةً واضحةً وصريحةً. وهذه الوثيقة فيها ردٌّ واضحٌ للأحكام الشرعية المنصوصة في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذه الوثيقة لا تعتبر الإسلامَ من مرجعيتها أو من مصادرها، بل تجعل مرجعيتها مجموعةً من الأنظمة والقوانين الوضعية، مثل المواثيق الدولية الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة، ومنظمة العمل الدولية ومنظمة العمل العربية والقانون الأساسي الفلسطيني. وبالتالي فهذه الوثيقة ما هي إلا انسلاخٌ من الدِّين واعتداءٌ على ثوابته، وتغريبٌ للمرأة المسلمة، ويحرم شرعاً العمل بها أو الرضا بمضامينها.

خامساً: لا شك أن أي امرأةٍ تكره في الغالب أن يتزوج زوجها عليها، وهذا أمرٌ طبعي في النساء، ولكن ننصح المرأة أن تتقبل الحكم الشرعي بطيب نفسٍ ورضاً، وتصبر وتحتسب، وإن ما تلاقيه المرأة من زواج زوجها بأخرى من غَيرةٍ وكراهيةٍ، ما هو إلا أمرٌ طبعيٌ فطريٌ، ولا لوم على المرأة عليه.
كما أن الواجب الشرعي على الرجل عندما يعدد أن يحقق شروط التعدد،
وأولها: العدل، وهو مأخوذ من قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}.
وثانيهما المقدرة على الإنفاق على الزوجتين أو أكثر لقوله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [سورة النور الآية 33]. 
[فقد أمر الله تعالى بهذه الآية الكريمة من يقدر على النكاح ولا يجده بأي وجه تعذر أن يستعفف، ومن وجوه تعذر النكاح من لا يجد ما ينكح به من مهر، ولا قدرة له على الإنفاق على زوجته. وكذلك يستدل على شرط الإنفاق بقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [سورة النساء الآية 3].
فقد روي عن الإمام الشافعي أنه قال في معنى {أَلَّا تَعْدِلُوا} أي لا يكثر عيالكم. وفي هذا إشارة إلى شرط الإنفاق؛لأن الخوف من كثرة العيال لما تؤدي إليه هذه الكثرة من ضرورة كثرة الإنفاق التي قد يعجز عنها من يريد الزواج بأكثر من واحدة، فيفهم من ذلك أن القدرة على الإنفاق على الزوجات عند إرادة التعدد شرط لإباحة هذا التعدد،
كذلك قد يستدل على شرط القدرة على الإنفاق بالحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغضُّ للبصر وأحفظ للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» فإذا لم يستطع على مئونة الزواج لم يجز له الزواج، وإن كان هو زواجه الأول، فمن باب أولى أن لا يباح له الزواج بالثانية– وعنده زوجة –إذا كان عاجزاً عن الإنفاق على الثانية مع إنفاقه على الأولى، ثم إن الإقدام على الزيجة الثانية – مع علمه بعجزه عن الإنفاق عليها مع الأولى- عمل يتسم بعدم المبالاة بأداء حقوق الغير، ويعتبر من أنواع الظلم، والظلم لا يجوز في شرعة الإسلام. وبناءً على جميع ما تقدم، يعتبر من الظلم المحظور أن يقدم الرجل على الزواج بأخرى مع وجود زوجة عنده، ومع علمه بعجزه عن الإنفاق على زوجتيه الجديدة والقديمة] المفصل في أحكام المرأة 6/289.

وخلاصة الأمر أن دين الإسلام قد شرع تعدد الزوجات وجعله مباحاً، ولكنه مشروطٌ بشرطين العدل والمقدرة على الإنفاق على الزوجتين أو أكثر، وأن الزوجة إذا اشترطت في العقد أن لا يتزوج زوجها ثانيةً، فيلزم الوفاء بالشرط، وإن أبى زوجها فلها الحق أن تطلب من القاضي الفراق، وأما إذا لم تشترط الزوجة في العقد على زوجها أن لا يتزوج عليها، فليس لها أن تطلب الطلاق بمجرد زواجه من ثانية، فزواج الرجل من ثانيةٍ ليس سبباً شرعياً لطلب الطلاق، فإن طلبت الطلاق بدون سببٍ معتبرٍ شرعاً فحرامٌ عليها رائحةُ الجنة كما ورد في الحديث، وأنه يجب تنبيه النساء المسلمات إلى الدور المفسد الذي تقوم به الجمعيات النسوية المدعومة غربياً في إفساد أحوال الأسرة المسلمة في كثيرٍ من جوانب الحياة، ومنها محاربة قضية تعدد الزوجات، وتشجيع النساء على طلب الطلاق في حال حصول التعدد كما ورد في وثيقة حقوق المرأة الفلسطينية. وأن أي امرأةٍ تكره في الغالب أن يتزوج زوجُها عليها، وهذا أمرٌ طبعيٌ في النساء، ولكن ننصح المرأة أن تتقبل الحكم الشرعي بطيب نفسٍ ورضاً، وتصبر وتحتسب، ولا لوم على المرأة بسببه، والواجب الشرعي على الرجل عندما يعدد أن يحقق شروط التعدد.
والله الهادي إلى سواء السبيل. 

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.

  • 56
  • 21
  • 548,740

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً