حكم تبرع مجلس إدارة الشركة المساهمة العامة بأموال المساهمين

منذ 2014-05-24
السؤال:

ما حكم تبرع مجلس إدارة الشركة المساهمة العامة بأموال المساهمين لجهاتٍ مجتمعية؟ 

الإجابة:

أولاً: تُحدد غايات وأهداف الشركة المساهمة العامة في عقد التأسيس ونظامها الداخلي، والغالب فيها أنها شركات يُقصد منها الربح والاستثمار، ومسؤولية رئيس وأعضاء مجلس إدارة الشركة نصت عليها المادة (124)من قانون الشركات الأردني المطبق في الضفة الغربية [صلاحيات المجلس: لمجلس الإدارة السلطات والصلاحيات للقيام بجميع الأعمال التي تكفل سير العمل في الشركة وفقاً لغاياتها، ولكن على المجلس أن يتقيد بتوجيهات الهيئة العامة، وأن لا يخالف قراراتها ولا نظام الشركة ولا أحكام هذا القانون]. 

ثانياً: إن التكييف القانوني لرئيس وأعضاء مجلس إدارة الشركة المساهمة، أنهم شركاء بنسبة مساهمتهم في رأس مال الشركة، كما أنهم وكلاء عن بقية المساهمين في إدارة الشركة وتسييرها لتحقيق غاياتها.

ثالثاً: بما أن رئيس وأعضاء مجلس إدارة الشركة المساهمة وكلاء عن بقية المساهمين، فهم وكلاء إدارة وحفظ، وهذا يعني انحصار حدود الوكالة التي منحتها لهم الهيئة العامة للشركة في إدارة الشركة لتحقيق غاياتها وأهدافها، والمحافظة على أموال الشركة واستعمالها من أجل تحقيق غاياتها وأهدافها.

رابعاً: بناءً على ما سبق فالذي أراه أنه ليس من صلاحيات مجلس ادارة الشركة المساهمة العامة التبرع بأموال المساهمين، إلا إذا تم النص في عقد التأسيس ونظامها الداخلي على ذلك. ومن المعلوم فقهاً أنه لا يجوز للشريك أن يتبرع بمال الشركة إلا بإذن الشركاء، لأن العقد بينهم على التجارة والربح ولا يكون ذلك إلا في عقود المعاوضات، ولا يجري في عقود التبرعات فالشريك لا يملك التبرع بمال شريكه. فإذا أذن له شريكُه فذاك. انظر الموسوعة الفقهية الكويتية.
وكذلك فإن الوكيل لا يملك التبرع بمال موكله أو موكليه، والتبرع تصرفٌ يحتاج إلى وكالةٍ خاصةٍ، ولا يدخل ضمن الوكالة العامة، ورد في المبــدأ رقم (881) لعام 1987 الصادر عن محكمة التمييز الاردنية: [إن المفوض بإدارة الشركة وبالتوقيع عنها لا يملك التبرع بأموال الشركة إلا اذا كان مفوضاً بالتبرع عنها وبأموالها، وبناءً على ذلك فان لم يثبت أن المفوض بالتوقيع عن الشركة مفوض بالتبرع بأموالها أو بضمان ديون الغير أو كفالتها فتكون كفالة المفوض بالتوقيع عن الشركة غير ملزمه للشركة لأن الكفالة من عقود التبرع]. 
وتبرعات الوكيل وكالةً عامةً لا تنفذ إلا إذا تمَّ التصريح بها، كما بينه شارح المجلة علي حيدر: [حكم الوكالة العامة- يقتدر الوكيل وكالةً عامة على المعاوضات والتصرفات مرة بعد أخرى، ولا تنفذ تبرعاته على موكله، والفتوى على هذا(البحر وتكملة رد المحتار)ولذلك فللوكيل بالوكالة العامة بيع مال موكله وحفظه وقبض دينه، وتأدية ما عليه من الدين واشتراء المال لأجل موكله وما إلى ذلك من المعاوضات، وله أن يقر على موكله في حضور الحاكم أو غيره، ولا يختص بمجلس القاضي؛ لأن ذلك في الوكيل بالخصومة لا في الوكيل العام، ويصير مدعٍ ومدعىً عليه من طرف موكله ويكون ذلك صحيحاً. لكن تبرعات الوكيل بالوكالة العامة وتطليقه زوجة الموكل لا ينفذ عند الإمام، يعني لو وهب مال موكله بعوضٍ أو بلا عوض لآخر أو تصدق عليه به أو تصدق عليه به أو وقفه أو أبرأ مديونٌ موكله ببعض ما عليه أو بجميعه وأقرض مال موكله فلا ينفذ على الموكل (الدرر، رد المحتار، تكملة رد المحتار)] درر الحكام 3/513.
وورد في القانون المدني الأردني: [المادة 836- الوكالة تكون خاصةً اذا اقتصرت على أمرٍ أو أمورٍ معينةٍ، وعامةً اذا اشتملت كل أمر يقبل النيابة:
1- فإذا كانت خاصة فليس للوكيل إلا مباشرة الأمور المعينة فيها وما يتصل بها من توابع ضرورية تقتضيها طبيعة التصرفات الموكل بها.
2- وإذا كانت عامةً جاز للوكيل مباشرة المعاوضات والتصرفات عدا التبرعات فلا بد من التصريح بها.
المادة 837- اذا كانت الوكالة بلفظٍ عامٍ لم يقترن بما يوضح المقصود منه فلا تخول الوكيل إلا أعمال الإدارة والحفظ.
المادة 838- كل عمل ليس من أعمال الإدارة والحفظ يستوجب توكيلاً خاصاً محدداً لنوع العمل وما تستلزمه الوكالة فيه من تصرفات].

خامساً: اتفق الفقهاء على أن من شروط المتبرع أن يكون مالكاً للمال المتبَرَع به، ومن أراد التبرع فليتبرع بما يملك، ولا يتبرع بمال الآخرين، فإن تبرع بمال غيره بدون إذنه، فينطبق عليه حكم تصرفات الفضولي، والفضولي هو من يتصرف بحق الغير بدون إذن شرعي، كما في المادة (112) من مجلة الأحكام العدلية، وتصرفُ الفضولي حينئذ يكون موقوفاً على إجازة صاحب الحق على الراجح من أقوال أهل العلم،
ويدل لذلك ما ورد في الحديث الذي رواه الإمام البخاري بإسناده عن شبيب بن غرقدة، قال: «سمعت الحيَّ يحدثون عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً يشتري له به شاةً، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينارٍ وجاءه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب أربح فيه».
ويدل عليه أيضاً حديث ابن عمر في قصة الثلاثة أصحاب الغار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «...قال الثالث اللهم استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجلٍ واحدٍ ترك الذي له وذهب، فثمَّرتُ أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين، فقال يا عبد الله أدِّ إليَّ أجري، فقلت كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال يا عبد الله لا تستهزئ بي، فقلت لا أستهزئ، فأخذه كله، فاستاقة فلم يترك منه شيئاً» (رواه البخاري ومسلم).
وهذا القول أخذت به مجلة الأحكام العدلية كما في المواد (368، 378، 447) وغيرها.
وأخذ به القانون المدني الأردني، فقد اعتبر تصرفات الفضولي موقوفةَ النفاذ على إجازة المالك، سواء أكان تصرف الفضولي بعوضٍ، أم بغير عوض –أي تبرعاً–كما في المادة (171): [يكون التصرف موقوف النفاذ على الإجازة إذا صدر من فضولي في مال غيره، أو من مالك في مال له، تعلق به حق الغير]. 

سادساً: نصت قوانين الشركات في بعض الدول العربية على منع مجلس إدارة الشركة من التبرع بأموال الشركاء المساهمين، أو قيدته ببعض القيود، فقد ورد في المادة (30) من نظام الشركات السعودي: [لا يجوز للمدير أن يباشر الأعمال التي تجاوز الإدارة العادية إلا بموافقة الشركاء، أو بنصٍ صريحٍ في العقد. ويسري هذا الحظر بصفةٍ خاصةٍ على الأعمال الآتية: 1- التبرعات- ما عدا التبرعات الصغيرة المعتادة...]  
وورد في القانون المصري للشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية رقم 159 لسنة 1981 في المادة (101) لا يجوز لشركة المساهمة أن تقدم أي تبرعٍ من أي نوع إلى حزب سياسى وإلا كان التبرع باطلاً. ولا يجوز أن تتبرع الشركة فى سنة مالية بما يجاوز 7% من متوسط صافي أرباحها خلال السنوات الخمس السابقة على هذه السنة، إلا أن يكون التبرع للأغراض الاجتماعية الخاصة بالعاملين أو لجهةٍ حكومية أو إحدى الهيئات العامة. ويشترط لصحة التبرع على أي حال صدور قرار من مجلس الإدارة بناءً على ترخيص عام من الجمعية العامة متى جاوزت قيمته ألف جنيه].

وخلاصة الأمر أن غايات وأهداف الشركة المساهمة العامة تكون محددة في عقد التأسيس ونظامها الداخلي، والغالب فيها أنها شركاتٌ يقصد منها الربح والاستثمار، ومسؤولية رئيس وأعضاء مجلس إدارة الشركة القيام بجميع الأعمال التي تكفل سير عمل الشركة وفقاً لغاياتها، وأن التكييف القانوني لرئيس وأعضاء مجلس إدارة الشركة المساهمة، أنهم شركاء بنسبة مساهمتهم في رأس مال الشركة، ووكلاء عن بقية المساهمين في إدارة الشركة وتسييرها لتحقيق غاياتها. وبما أن رئيس وأعضاء مجلس إدارة الشركة المساهمة وكلاء عن بقية المساهمين، فهم وكلاء إدارة وحفظ، وهذا يعني انحصار حدود الوكالة التي منحتها لهم الهيئة العامة للشركة في إدارة الشركة لتحقيق غاياتها وأهدافها، والمحافظة على أموالها، وأنه ليس من صلاحيات مجلس إدارة الشركة المساهمة العامة التبرع بأموال المساهمين، إلا إذا تمَّ النصُّ في عقد تأسيسها ونظامها الداخلي على ذلك. ولا يجوز للشريك أن يتبرع بمال الشركة إلا بإذن الشركاء، لأن العقد بينهم على التجارة والربح. وأن الوكيل لا يملك التبرع بمال موكله أو موكليه والتبرع تصرف يحتاج إلى وكالة خاصة ولا يدخل ضمن الوكالة العامة، وأن من شروط المتبرع أن يكون مالكاً للمال المتبرع به، ومن أراد التبرع فليتبرع بما يملك، ولا يتبرع بمال الآخرين، فإن تبرع بمال غيره بدون إذنه، فينطبق عليه حكم تصرفات الفضولي فتكون حينئذ موقوفة النفاذ على إجازة المالك.

والله الهادي إلى سواء السبيل. 

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.

  • 0
  • 1
  • 9,774

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً