هل يجوز ختام نهاية العام بصيام أو تخصيصه بتوبة أو استغفار؟

منذ 2015-02-09
السؤال:

هل يجوز ختام نهاية العام بصيام أو تخصيصه بتوبة أو استغفار؟

 

الإجابة:

تخصيص يوم معين أو وقت معين بعبادة على قصد التخصيص، تخصيصه مثلاً بصوم أو صلاة هذا من البدع، ويكون بدعة إضافية إذا كانت هذه العبادة لها أصل في الشرع كالصوم والصلاة، ثم تأتي أنت إلى هذه العبادة فتقيدها بوقت معين، نقول هي مشروعة بأصلها لكن هذا القيد جعلها بدعة. لكن ليست بدعة حقيقية، بدعة إضافية من جهة أنك جعلتها مقيدة بهذا الوقت، بهذا الزمن؛ لأن الذكر مشروع، الصوم مشروع، الاستغفار مشروع، التوبة مشروعة، كونك تخصص هذا اليوم بهذه العبادة فهي بدعة ، هذا الأصل، وخاصة إذا كان على مثل هذا الوجه وهو تخصيص نهاية العام.

وما يتداول وما يحصل عبر مواقع التواصل ونحوها مما يحصل به مثلاً وصية بمثل هذا، هذا لا أصل له وهو نوع من البدع الإضافية؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال:  «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ»(1) ثم أيضاً هذا يفضي بعد ذلك إلى المداومة وتعظيم هذا اليوم، وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن تخصيص يوم الجمعة بصيام وليلته بقيام مع أنه يوم له فضله(2) ولهذا من العلل المذكورة في هذا أنه يخشى أن يُزاد في التعظيم حتى يبالغ، وقاعدة الشريعة النهي عن الغلو في الشيء الذي له عظمة في الشريعة؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام:  «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ»(3).

الأشياء التي لها مكانتها وعظمتها في الشريعة نهي عن المبالغة فيها؛ ومن أسباب ذلك خشية الغلو في هذا؛ فهذا إذا كان الشيء له أصل في الشريعة من جهة فضله وتعظيمه فكيف إذا لم يكن له أصل؟ فهو من باب أولى أن ينهى عن ذلك لأجل هذه العلة، ولأجل أنها في الأصل ليست مشروعة.

صم الصوم المشروع مطلقاً، وقد جاء تخصيص بعض الأيام، أما الاستغفار والتوبة ففي كل عمر العبد، ثم هذا يفضي أيضاً بالإنسان إلى أن يضعف عن الذكر وعن الاستغفار والتوبة حينما يتعلق الاستغفار بهذا الوقت، والنفوس تجري أحياناً على العادات وتتعلق بالعادات تعلقاً شديداً حتى تضعف؛ ولهذا أهل البدع من أضعف الناس في باب السنن، لا تجد لهم قوة بل يكرهون السنن، لماذا؟ لأنها غلبت عليهم البدع، فهم حينما غلبت عليهم البدع جعلوا البدع عوضاً عن السنن، لأن الإنسان إذا تغذى بالغذاء الفاسد ضعفت نفسه عن الغذاء الطيب، هكذا إذا تعود العبادات المبتدعة فإن نفسه لا تأنس بالعبادات الصحيحة، هكذا أيضاً هذا الباب حينما يقبل على مثل هذا العمل الذي لا أصل له ربما نفسه تتعلق به تعلقاً يضعفه عن العمل المشروع المطلوب، ثم هذا العام الهجري ليس من عهد النبي عليه الصلاة والسلام إنما وقع في عهد عمر رضي الله عنه لما وقع في قصته مع أبي موسى المشهورة (4). حينما كتب له، وكتب له التاريخ والشهر، قال ما هو الشهر الذي مضى الشهر الذي أتى، ثم بعد ذلك اتفقوا على أن يجعلوا بداية العام من محرم ونهايته حينما يأتي الناس من الحج فالغالب أنهم يصلون في نهاية شهر ذي الحجة من كان قريباً منهم؛ فلهذا جعل نهاية شهر ذي الحجة وهو نهاية العام وبداية المحرم هو بداية العام الجديد وقيل غير ذلك من العلل.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحديث بهذا اللفظ في صحيح مسلم حديث  (4493) ، وبلفظ: ” مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ “. في صحيح البخاري  (2550) ومسلم (1718).

(2) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «لا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي ، وَلا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ ، إِلا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» (أخرجه مسلم 1144).

(3) أخرجه البخاري في  صحيحه (3445).

(4) أخرج البخاري عن سهل بن سعد قال: ما عدوا من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولا من وفاته، ما عدوا إلا من مقدمه المدينة. انظر الفتح (7/314)، و أفاد السهيلي في الروض الأنف (4/255) أن الصحابة أخذوا التأريخ بالهجرة من قوله تعالى {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم} لأنه من المعلوم أنه ليس أول الأيام مطلقاً، فتعين أنه أضيف إلى شيء مضمر وهو أول الزمن الذي عز فيه الإسلام، وعبد فيه النبي صلى الله عليه وسلم ربه آمناً، وابتداء المسجد، فوافق رأي الصحابة ابتداء التاريخ من ذلك اليوم، وذكروا في سبب عمل عمر رضي الله عنه التاريخ أشياء، ذكرها ابن حجر رحمه الله في الفتح (7 / 315)، منها: ما أخرجه أبو نعيم الفضل بن دكين في تاريخه ومن طريق الحاكم من طريق الشعبي (أن أبا موسى كتب إلى عمر أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الناس، فقال بعضهم: أرخ بالمبعث، وبعضهم أرخ بالهجرة، فقال عمر: الهجرة فرقت بين الحق والباطل، فأرخوا بها، و ذلك سنة سبع عشرة، فلما اتفقوا قال بعضهم ابدءوا برمضان، فقال عمر: بل بالمحرم فإنه منصرف الناس من حجهم، فاتفقوا عليه، وروى أحمد وأبو عروبة في الأوائل و البخاري في الأدب والحاكم من طريق ميمون بن مهران قال: رفع لعمر صك محله شعبان، فقال: أي شعبان، الماضي أو الذي نحن فيه، أو الآتي؟ ضعوا للناس شيئاً يعرفون فيه حلول ديونهم وقال قائلون: أرخوا من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال آخرون من مبعثه عليه السلام، وأشار علي بن أبي طالب وآخرون أن يؤرخ من هجرته من مكة إلى المدينة لظهوره لكل أحد فإنه أظهر من المولد والمبعث. فاستحسن ذلك عمر والصحابة، فأمر عمر أن يؤرخ من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأرخوا من أول تلك السنة من محرمها وروى الحاكم في المستدرك (3/14) عن سعيد بن المسيب قال: جمع عمر الناس فسألهم عن أول يوم يكتب التاريخ، فقال علي: من يوم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك أرض الشرك، ففعله عمر، فاستفدنا من مجموع هذه الآثار أن الذي أشار بالمحرم عمر و عثمان و علي رضي الله عنهم، و أن علي رضي الله عنهم أشار بالتأريخ من الهجرة، ولبحث مسألة التاريخ الهجري راجع تاريخ الطبري (4/38) و البداية والنهاية (3/206).

عبد المحسن بن عبد الله الزامل

داعية في إدارة شؤون التوعية بالسعودية وحاصل على بكالريوس في التربية من جامعة الملك سعود

  • 2
  • 0
  • 8,076

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً