هل أخاطر بنفسي وأنشر الدعوة بهذه الطريقة؟

منذ 2015-02-16
السؤال:

أقوم بتسجيل العديد مِن القنوات الإسلامية الفضائية والإذاعية على منهج أهل السنة والجماعة وأنشرها على الإنترنت، وذلك عن طريق عدد من أجهزة الكمبيوتر التي أستخدمها لهذا الغرَض!

علمًا بأني لا أُتاجر بها على الإطلاق، وكله لِوَجه الله تعالى، ولنشْرِ الدعوة، فهل ما أفعله خطأ؟

والدتي تريدني أن أتخلَّص مِن الأجهزة التي أمتلكها؛ خشيةَ التضييق وخوفاً عليّ، وأحاول استرضاء والدتي وتنفيذ المشروع لوجه الله.

كذلك أقوم بتسجيل كتُب العلوم الشرعية بصورة صوتيةٍ، فأخبروني هل في ذلك شيء عليَّ؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فجزاك الله خيرًا على حرصك واهتمامك بنشْر الدعوة والخيرِ بين الناس، وأبشِرْ فإنَّ الدالَّ على الخير كفاعله؛ كما صحَّ عن الصادق المصدوق، وقال أيضًا كما في الصحيحين عن أبي سعيدٍ الخُدري: «إن الخير لا يأتي إلا بالخير»؛ فنشرُك للدعوة لن يجلبَ عليك شيئًا من الشرِّ، بل فيه الخير كله؛ فقد وردتْ أدلةٌ كثيرةٌ تأمُر المسلمين بالدعوة إلى الخير؛ كقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]، وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]، وقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا، خيرٌ لك مِن حمر النعَم» (متفقٌ عليه مِن حديث علي رضي الله عنه).

فاستمرَّ -أخي الكريم- في الدعوة إلى الله، ونشْر الحقِّ، وهداية الخلْقِ، مع توخِّي الحذَر.

ووطِّنْ نفسك على الصبر، وتحمُّل المشاقّ؛ مُحتسبًا الأجر عند الله، وكن ْعلى بينةٍ في جميع أمورك، ولا يعني هذا الانسحاب مِن أعمالك الدعوية، ولكن خُذْ بجميع أسباب السلامة ليستمرَّ باب الخير مفتوحًا؛ فالدعوةُ إلى الإسلام رسالةٌ شريفةٌ، وهي وظيفةُ الأنبياء والمرسلين وعباد الله المتقين.

وأنقُل لك بعض ما كتبه الأستاذُ سيد قطب في ظلاله كزاد على المسير:

"إن النهوض بواجب الدعوة إلى الله في مُواجَهة الْتِواءات النفس البشرية وجهلها، واعتزازها بما ألفتْ، واستكبارها أن يقال: إنها كانتْ على ضلالةٍ، وحرصها على شهواتها، وعلى مَصالحها، وعلى مركزها الذي قد تُهدِّده الدعوةُ إلى إلهٍ واحدٍ، كل البشر أمامه سواءٌ إنَّ النهوض بواجب الدعوة في مُواجَهة هذه الظروف أمرٌ شاقٌّ، ولكنه شأنٌ عظيمٌ؛ {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].

إن كلمة الدعوة -حينئذٍ- هي أحسن كلمةٍ تُقال في الأرض، وتصعد في مقدمة الكَلِم الطيب إلى السماء، ولكن مع العمل الصالح الذي يُصدق الكلمة، ومع الاستسلام لله الذي تتوارَى معه الذات؛ فتصبح الدعوةُ خالصةً لله، ليس للداعية فيها شأنٌ إلا التبليغ.

ولا على الداعية بعد ذلك أن تتلقَّى كلمته بالإعراض، أو بسوء الأدب، أو بالتبجُّح في الإنكار، فهو إنما يتقدَّم بالحسنة فهو في المقام الرفيع، وغيره يتقدَّم بالسيئة فهو في المكان الدون؛ {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ} [فصلت: 34].

وليس له أن يردَّ بالسيئة؛ فإنَّ الحسنة لا يستوي أثرُها؛ كما لا تستوي قيمتها مع السيئة، والصبر والتسامح والاستعلاء على رغبة النفس في مقابلة الشر بالشرِّ يَرُدّ النفوس الجامحة إلى الهدوء والثقة، فتنقلب مِن الخصومة إلى الولاء، ومِن الجماح إلى اللين؛ {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]". اهـ. "في ظلال القرآن": (6 /295).

اللهم رب السموات السبْع وما أظَلَّتْ، ورب الأرضين وما أقَلَّتْ، ورب الشياطين وما أضَلَّتْ، كن لنا جارًا مِن شر خلقك كلهم جميعًا أن يفرطَ علينا أحدٌ منهم أو أن يبغي، عزَّ جارُك، وجلَّ ثناؤك، ولا إله غيرك، ولا إله إلا أنت.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 1
  • 0
  • 5,809

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً