زواج المسْيار

منذ 2015-04-23
السؤال:

ما حكم زواج المسْيار؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإنَّ زواجَ المِسيارِ مصطَلح جديد، يُطْلق على الزَّواج الَّذي تتنازلُ فيه المرْأة عن بعض حقوقِها الواجبة على الزَّوج؛ مثل النَّفقة، والسُّكنى، والقَسْم لها بين زوجاتِه، مع تَوفُّر شروط الزَّواج الصَّحيح، من الوليِّ، ورِضَا الزَّوجَين، وتعْيينهما، وخلوِّهما من موانع النِّكاح، مع الإشهاد على عَقْد النِّكاح، ودفع المَهر المتفق عليه.

وعليه؛ فإذا تَوفَّرت في الزَّواج المسؤول عنه الشروط السَّابِقة، فزواجٌ صحيح، وإذا اختَلَّ شرطٌ أو ركنٌ، فالزَّواج باطل، كما لم يَصِحَّ أن يوقَّت الزَّواج بوقت محدَّد.

وممَّا يُستَدلُّ به على صحَّة زواج المسيار: ما رواه أبو داود عن عائشة: أنَّ سَودة بنت زَمْعةَ حين أسنَّت وفَرِقت أن يُفارِقَها رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قالت: "يا رسولَ الله، يَومي لعائِشَة"، فقبِل ذلك رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - منها".

قالت: "نقول: في ذلك أنزل الله - تعالى - وفي أشباهِها، أراه قال: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} [النساء: 128]".

وروى التِّرمِذيُّ وغيرُه عن ابن عبَّاس مثلَه، وروى ابن أبي شَيبة: أنَّ عليًّا - رضِي الله عنْه - سأله رجلٌ عن هذه الآية فقال: "هي المرأة تكون عند الرَّجُل فتَنبو عيْناه عنْها؛ من دمامتِها أو فَقرها، أو كِبَرها أو سوء خُلُقِها، وتَكرَه فِراقَه، فإن وَضَعت له من مِهرِها شيئًا، حلَّ له أن يأخُذ، وإن جَعَلت له من أيَّامها، فلا حَرَج".

وأخرج ابنُ أبي شيْبة عن عامرٍ الشَّعبيِّ: أنَّه سُئِل عن الرَّجُل يكون له امرأة، فيَتَزوَّج المرأة، فيَشتَرِط لهذه يومًا، ولهذِه يومَين، قال: "لا بأْس بِه".

وأخرجَ - أيضًا -: أنَّ الحسن البصْري كان لا يَرى بأسًا في الشَّرط في النِّكاح، إذا كان عَلانِيَةً.

هذا؛ وقد أصدر مَجمَعُ الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دَورَته الثَّامنة عَشْرة، المُنعَقِدة بمَكَّة المُكرَّمَة، في الفَترة من (10 - 14/3/1427هـ، الذي يوافقه 8 - 12/4/2006م)، وقد نَظَر في مَوضوع: (عقود النكاح المُستَحْدثة)، وبعد الاستماع إلى البحوث المُقدَّمَة، والمُناقَشات المُستَفيضة، قَرَّر ما يأتي:

"يُؤكِّد المَجمَع أنَّ عقودَ الزَّواج المُستَحدَثة، وإنِ اختلفتْ أسماؤها وأوْصافها وصورها، لابدَّ أن تَخضَع لقواعِدِ الشَّريعة المُقرَّرة وضوابِطِها، من تَوافُر الأرْكان والشُّروط، وانتِفاء الموانع.

وقد أحدث النَّاس في عصرنا الحاضِر بعض تلك العُقود المُبَيَّنة أحكامُها فيما يأتي:

• إبرام عقد زواج تَتَنازل فيه المرأة عن السَّكن والنَّفَقة والقَسْم، أو بعضٍ منها، وترْضى بأن يأتي الرَّجل إلى دارها في أي وقتٍ شاء، من ليْل أو نهار.

• ويتناول ذلك أيضًا: إبرام عقْد زواج على أن تَظَلَّ الفتاة في بيْت أهلها، ثم يَلتقِيان متى رَغِبَا، في بيت أهلها، أو في أيِّ مكان آخرَ، حيث لا يتوافر سكنٌ لهما ولا نَفَقة.

هذان العقدان وأمثالُهما صحيحان، إذا توافرتْ فيهما أركان الزَّواج وشُروطه، وخُلُّوه من الموانع، ولكن ذلك خلافُ الأولى". اهـ.

وهذا النَّوع من الزَّواج - زواج المِسيار - فيه مصالِح؛ من حِفظ الأعْراض، وقَطع أسباب الفساد، خاصَّةً من جهة النساء اللاتي لا تتيسَّر لهنَّ أسباب الزواج.

كما أن إسقاط الزَّوجة لبعض حقوقها لا يُعكِّر صحَّة الزَّواج - إذا كان ذلك باختِيارها ورِضاها - فالإنسان كما يَجوز له المُطالَبة بحقوقِه الخاصَّة به، فإنَّه يَجوز له أن يتنازل عنْها أو عن بعضها، ثمَّ إنَّ المرأة - غالبًا - لا تُسْقِطُ حقًّا لها إلاَّ لمصلَحة راجِحةٍ، وإلاَّ فإنَّ كلَّ عاقِلة رشيدة تُدرِك – يَقينًا - أنَّ تنازُلَها عن بعض حقوقها المَمنوحَة لها شرْعًا، من غير تَحقيق مَصلَحة أعلى - يُعدُّ تفريطًا ليس له أيُّ معنًى".

وقد منعه بعضُ أهل العلم؛ لأنَّ هذا النَّوع من الزواج لا يَسْلَم من مُؤاخَذات، خاصَّة بعد وفاة الزَّوج؛ كالمُشاحَنة في الحقوق والإرث، والأظهَر - والله أعلم - جوازُه؛ لأنَّه لا دليلَ على مَنعه بعد استيفائه أركانَ وشروطَ النِّكاحِ الصَّحيح،،

والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 2
  • 0
  • 30,736

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً