معاشرة المرأة في دبرها

منذ 2015-04-29
السؤال:

إخواني، أتقدَّم إليْكم وكلِّي أمل في الإسْراع بإجابتي على استفتائي.

أنا رجُل أبلغ من العمر 38 عامًا، ولديَّ من الأبناء ثلاثة، أسأل الله لهم الهداية والصَّلاح، وقد عاشرت زوْجتي في دبُرها في يوم الخميس الموافق 20 من رمضان لعام 1430 هـ، وكلي همٌّ وحزن على فعلتي هذه، فماذا تروْن من حُكْم الله في هذا الموضوع؟

ولكم منّي جزيل الشُّكْر والدُّعاء لكم بالتَّوفيق والثَّواب على ما تعْملون.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإنَّه لا يَجوز للرجُل أن يطأ زوجتَه في دبُرها، ومَن فعل ذلك، فقد أتى بكبيرة من كبائِرِ الذُّنوب، وقد نَصَّ على تحريمه الأئِمَّةُ الأربعةُ، وغيرهم من الأئمَّة المتَّبعين، وهو مذهب سعيد بن المسيّب، وأبي سلمة، وعِكْرمة، وطاوس، وعطاء، وسعيد بن جبير، وعروة بن الزُّبير، ومجاهد بن جَبْر، والحسَن، وخلْقٍ كثيرٍ من السَّلف والخلف؛ فإنَّهم أنكروا ذلك أشدَّ الإنكار، ومِنْهُم مَنْ يُطْلِقُ على فِعْلِه الكُفْر، واستدلُّوا بأدلَّة مِنَ المنقول والمعقول.

• أمَّا المنقول، فقدْ أخرَجَ النَّسائي والتّرمذي وحسَّنَهُ، عنِ ابْنِ عبَّاسٍ قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
«لا يَنْظُرُ الله إلى رَجُلٍ أتَى امْرَأَتَهُ مِنَ الدُّبُر»؛ صحَّحه ابنُ خزيمة في صحيحِه.

كما أنَّ مرْتَكِبَه معرَّضٌ للَّعْنة؛ أخرجَ الإمامُ أحمدُ وأبو داود والنسائيُّ عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -:
«ملعونٌ مَنْ أتَى امرَأَتَهُ في دُبُرِها».

فأيُّ عُقوبةٍ أَبْشَع وَأَردع للمسلم من الحِرمان مِنْ نَظَرِ الله إليه، ومِنَ الطَّرْدِ من رَحْمَتِهِ؟!

• أمَّا المعقول، فقد أفاض ابن القَيِّم - رحِمه الله - في ذِكْرِه في كِتابِه "زاد المعاد" في كلام نفيس له يَحْسُن نَقْلُه، قال:

"وإذا كان اللَّهُ حرَّم الوَطْءَ في الفَرْجِ لأجْلِ الأذَى العارض – يعني: الحيض - فما الظَّنُّ بالحُشّ الذي هو مَحلُّ الأذَى اللاّزِم، مع زيادة المفسدة بالتعرُّضِ لانقطاع النَّسْلِ، والذَّريعة القريبة جِدًّا مِنْ أدْبَارِ النِّساءِ إلى أدبار الصِّبيانِ، وأيضًا فَلِلمرأَةِ حَقٌّ على الزوج في الوَطْءِ، ووطؤها في دُبُرها يُفَوِّتُ حَقَّها، ولا يَقْضِي وَطَرَها، ولا يَحْصُلُ مَقْصُودُها.

• وأيْضًا فَإنَّ الدُّبُر لَم يَتَهَيَّأْ لهذا العمل ولم يُخْلَقْ له، وإنَّما الذي هُيِّئَ له الفَرْج، فالعادِلون عنه إلى الدُّبُر خارجونَ عن حِكْمَةِ اللهِ وشَرْعِه جميعًا.

• وأيضًا فإنَّ ذلك مُضِرٌّ بالرَّجُلِ؛ ولهذا يَنْهَى عنه عُقَلاءُ الأَطِبَّاءِ مِنَ الفلاسفة وغيْرِهم؛ لأنَّ لِلْفَرْجِ خاصِيَّةً في اجْتِذاب الماءِ المُحْتقن وراحةِ الرَّجُل منه، والوَطْءُ في الدُّبُرِ لا يُعِينُ على اجتذاب جميع الماء، ولا يُخْرِجُ كُلَّ المحتقن؛ لمخالَفَتِه للأمر الطبيعي.

• وأيضًا يَضُرُّ من وَجْهٍ آخَرَ، وهو إحْواجُه إلى حركات مُتْعِبةٍ جدًّا لمخالفته للطبيعة.

• وأيضًا فإنَّه مَحل القذَرِ والنَّجْوِ، فيستقبله الرَّجُلُ بِوَجْهِهِ ويُلابِسُه.

• وأيضًا فإنَّهُ يَضُرّ بالمرأة جِدًّا؛ لأنه واردٌ غريبٌ بعيدٌ عنِ الطِّباعِ، مُنافِرٌ لها غايةَ المنافرة.

• وأيضًا فإنَّه يُحْدِثُ الهَمَّ والغَمَّ والنَّفْرَة عنِ الفاعِلِ والمفْعُولِ.

• وأيضًا فإنَّهُ يُسَوِّدُ الوَجْه، ويُظْلِم الصَّدْر، ويَطْمِسُ نُورَ القلب، ويَكْسُو الوجه وحْشة تصير عليه كالسيماء، يعرِفُها من له أدْنى فِراسة.

• وأيضًا فإنَّه يُوجِبُ النَّفرَةَ والتَّباغُضَ الشَّديدَ، والتقاطُع بين الفاعل والمفعول، ولابدَّ.

• وأيضًا فإنَّه يُفْسِد حالَ الفاعِلِ والمَفْعُولِ فَسادًا لا يكادُ يُرْجَى بَعْدَهُ صلاحٌ؛ إلاَّ أن يَشاءَ الله بالتَّوْبَةِ النَّصُوح.

• وأيضًا فإنَّهُ يَذْهب بالمحاسن منهما، ويكسوهما ضِدَّها، كما يَذْهب بالمودَّة بَيْنَهُما ويُبْدلهما بها تباغُضًا وتَلاعُنًا.

• وأيضًا فإنَّهُ مِنْ أكْبَرِ أسبابِ زوال النِّعَمِ وحُلول النِّقم، فإنَّه يُوجِبُ اللَّعْنةَ والمَقْتَ من الله، وإعراضه عن فاعِلِه وعَدَم نظره إليه، فأيُّ خَيْرٍ يَرْجُوهُ بَعْدَ هَذا؟! وأيُّ شَرٍّ يَأْمَنُه؟! وكيف حياةُ عبدٍ قَدْ حلَّتْ عَلَيْهِ لعْنَةُ الله ومقتُه، وأعرض عنه بِوَجْهِه ولم يَنْظُر إليه؟!

• وأيضًا فإنَّه يَذْهَب بالحياء جُملةً، والحياء هُوَ حياةُ القُلوبِ، فإذا فَقَدَها القلبُ، استَحْسَنَ القَبيحَ، واسْتَقْبَحَ الحَسَنَ، وحِينَئِذٍ فَقَدِ اسْتَحْكَمَ فسادُه.

• وأيضًا فإنَّهُ يُحِيلُ الطِّباعَ عمَّا ركَّبها الله، ويُخْرِج الإنسانَ عن طَبْعِه إلى طَبْعٍ لم يُرَكِّبِ اللهُ عليه شيئًا منَ الحيوان؛ بل هُوَ طَبْعٌ منْكُوسٌ، وإِذَا نُكِسَ الطبع، انْتَكَسَ القَلْبُ والعَمَلُ والهدى، فَيَسْتَطِيب حِينَئِذٍ الخَبيثَ مِنَ الأَعْمَالِ والهَيْئَاتِ، ويَفْسُدُ حالُه وعمَلُه وكلامُه بغير اختياره.

• وأيضًا فإنَّه يُوَرِّثُ منَ الوَقَاحَةِ والجُرْأَةِ ما لا يُوَرِّثُه سِواه.

• وأيضًا فإنَّه يُوَرِّثُ منَ المَهَانَةِ والسّفال والحَقارةِ ما لا يُوَرِّثُه غَيْرُه.

• وأيضًا فإنَّهُ يَكْسُو العَبْدَ من حُلَّةِ المَقْتِ والبَغْضاءِ، وازْدِراءِ النَّاسِ له، واحتقارِهِم إِيَّاهُ، واستِصْغارِهِمْ له - ما هو مُشَاهَدٌ بِالحِسّ.

فصَلاةُ الله وسلامُه على مَنْ سعادةُ الدُّنْيَا والآخرةِ في هَدْيِه، واتّباعِ ما جاءَ به، وهلاكُ الدُّنْيا والآخرةِ في مُخَالَفةِ هَدْيِهِ وَمَا جَاءَ به". اهـ.


ومع كل هذا؛ فإنَّ من سَعَة رحْمة الله بعباده أنَّهُ وَعَدَ التَّائبين بقبول توبتهم، مهْما بلغت ذنوبهم؛ فقال - سبحانه وتعالى -: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الفرقان: 67 - 70]، وقال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]، وقال تعالى: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 39].

وقال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
«إنَّ اللهَ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ؛ ليَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ؛ ليَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها»؛ رواه مسلم من حديث أبي موسى.

وأخرجَ التّرمِذِيّ وغيرُه عن أنس بن مالك قال: سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول:
«قال الله تعالى: يا ابْنَ آدَمَ، إنَّكَ ما دَعَوْتَنِي ورَجَوْتَنِي، غَفَرْتُ لك على ما كانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِي، يا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّماءِ ثُمَّ استَغْفَرْتَنِي، غَفَرْتُ لك ولا أُبَالِي».

أمَّا في الدنيا، فلا حَدَّ على صاحب هذا الفِعْلِ، ولَيْسَتْ هُنَاكَ كفَّارَةٌ مُقَدَّرَةٌ، وإنَّما هي التَّوبة النَّصوح؛ فَالوَاجِبُ عَلَيْكَ المسارعةُ بالتَّوبة النَّصُوحِ، والاستغفارِ، والنَّدَمِ على التفريط.

ونَسْألُ اللهَ أنْ يَتُوبَ عَلَيْكَ وعلى زَوْجِكَ، وأنْ يَهْدِيَكُما ويُلْهِمَكُما رُشْدَكُمَا، ويَقِيَكُما شَرَّ أنْفُسِكُما.

ولمزيدٍ من الفائدة؛ راجع فتوى: "
المداعبة بين الزوجين"،،

والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 11
  • 2
  • 113,167

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً