لا يمكن لأحدٍ أن يجزم بليلة بعينها أنها ليلة القدر

منذ 2015-07-07
السؤال:

ما هو حكم التهجد في ليلة القدر دون الليالي الأخرى؟

الإجابة:

الحمد لله تعالى والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

أولاً:

ورد الفضل العظيم في العبادة في ليلة القدر، فقد ذكر ربنا تبارك وتعالى أنها خير من ألف شهر، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.

قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ. سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر].

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (البخاري:1901 ومسلم:760).

إيماناً: بفضلها وبمشروعية العمل فيها.

واحتساباً: إخلاصاً للنية لله تعالى.

 

ثانياً:

اختلف العلماء في تحديد ليلة القدر على أقوال كثيرة، حتى وصلت الأقوال فيها إلى أكثر من أربعين قولاً كما في (فتح الباري)، وأقرب الأقوال للصواب أنها في وتر العشر الأخير من رمضان.

فعن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» (البخاري:2017 واللفظ، ومسلم:1169).

والحديث: بوَّب عليه البخاري بقوله: "باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر".

والحكمة من إخفائها هي تنشيط المسلم لبذل الجهد في العبادة والدعاء والذكر في العشر الأخير كلها، وهي الحكمة ذاتها في عدم تحديد ساعة الإجابة يوم الجمعة، وعدم تحديد الأسماء التسعة والتسعين لله تعالى والتي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» (البخاري:2736 ومسلم:2677).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

قوله – أي: الإمام البخاري -‏:‏ "‏باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر": في هذه الترجمة إشارة إلى رجحان كون ليلة القدر منحصرة في رمضان، ثم في العشر الأخير منه، ثم في أوتاره، لا في ليلة منه بعينها، وهذا هو الذي يدل عليه مجموع الأخبار الواردة فيها .‏

(فتح الباري: 4 / 260 ).

وقال أيضاً:

قال العلماء: الحكمة من إخفاء ليلة القدر ليحصل الاجتهاد في التماسها بخلاف ما لو عينت لها ليلة لاقتصر عليها، كما تقدم نحوه في ساعة الجمعة.

(فتح الباري: 4 / 266 ).

ثالثاً:

وعليه: فلا يمكن لأحدٍ أن يجزم بليلة بعينها أنها ليلة القدر، وخاصة إذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يخبر أمته بها ثم أخبرهم أن الله تعالى رفع العلم بها.

فعن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلاحَى رَجُلانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: «إِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَإِنَّهُ تَلاحَى فُلانٌ وَفُلانٌ فَرُفِعَتْ ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ ، الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ» (البخاري:49).

(تَلاحَى) أي تنازع وتخاصم.

قال علماء اللجنة الدائمة:

أما تخصيص ليلة من رمضان بأنها ليلة القدر: فهذا يحتاج إلى دليل يعينها دون غيرها، ولكن أوتار العشر الأواخر أحرى من غيرها والليلة السابعة والعشرون هي أحرى الليالي بليلة القدر؛ لما جاء في ذلك من الأحاديث الدالة على ما ذكرنا.

(فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: 10 / 413).

لذا لا ينبغي للمسلم أن يتعاهد ليلة بعينها على أنها ليلة القدر، لما في ذلك من الجزم بما لا يمكن الجزم به؛ ولما في ذلك من تفويت الخير على نفسه، فقد تكون ليلة الحادي العشرين، أو الثالث والعشرين، وقد تكون ليلة التاسع والعشرين، فإذا قام ليلة السابع والعشرين وحدها فيكون قد ضاع عليه خير كثير، ولم يصب تلك الليلة المباركة.

فعلى المسلم أن يبذل جهده في الطاعة والعبادة في رمضان كله، وفي العشر الأواخر أكثر، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ» (البخاري: 2024 ومسلم:1174).

والله تعالى أعلى  وأعلم.

  • 5
  • 0
  • 18,023

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً