يعتقد أن دعاء الرسول أو الأولياء مسموع ومستجاب
ما حكم الصلاة خلف من يعتقد أن دعاء الرسول أو الأولياء أو علي بن أبي طالب رضي الله عنه مسموع مستجاب حيث إن غالب الناس في باكستان يدعون الرسول أو عليا أو عبد القادر الجيلاني لجلب النفع ودفع الضرر؟ ما حكم من يعتقد حياة الرسول والأولياء والمشايخ, أو يعتقد أن أرواح المشايخ حاضرة تعلم؟ وكذلك ما حكم من يعتقد أن الرسول نور وينفي عنه البشرية؟
أولا: الدعاء عبادة من العبادات, والعبادات من حقوق الله جل وعلا المختصة به, وصرفها إلى غيره شرك به, وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على تحريم دعاء غير الله, فأما الأدلة من القرآن:
فمنها قوله تعالى: {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين } ففي هذه الآية وأمثالها بيان أن دعوة غير الله كفر وشرك وضلال.
وأما الأدلة من السنة:
فمنها ما ثبت في السنن, عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء هو العبادة» وقرأ قوله سبحانه: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم }
وما رواه الطبراني بإسناده أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين, فقال بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله» ففي هذا الحديث النص على أنه لا يستغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بمن دونه.
كره صلى الله عليه وسلم أن يستعمل هذا اللفظ في حقه، وإن كان مما يقدر عليه في حياته; حماية لجناب التوحيد, وسدا لذرائع الشرك, وأدبا وتواضعا لربه, وتحذيرا للأمة من وسائل الشرك في الأقوال والأفعال.
فإذا كان هذا فيما يقدر عليه صلى الله عليه وسلم في حياته فكيف يجوز أن يستغاث به بعد وفاته ويطلب منه أمور لا يقدر عليها إلا الله عز وجل وإذا كان هذا في الرسول صلى الله عليه وسلم فكيف بمن دونه؟
وأما الإجماع فالأمة مجمعة على أن الدعاء من خصائص الله جل وعلا, وصرفه لغيره شرك.
ثانيا: سماع الأصوات من خواص الأحياء, فإذا مات الإنسان ذهب سمعه فلا يدرك أصوات أهل الدنيا ولا يسمع حديثهم, قال الله تعالى: {وما أنت بمسمع من في القبور } فأكد تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم عدم سماع من يدعوهم إلى الإسلام بتشبيههم بالموتى.
والأصل في المشبه به أنه أقوى من المشبه في الاتصاف بوجه الشبه, وإذا فالموتى أدخل في عدم السماع وأولى بعدم الاستجابة من المعاندين الذين صموا آذانهم عن دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام وعموا عنها, وقالوا: {قلوبنا غلف } .
وفي هذا يقول تعالى: {إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير } وأما سماع قتلى الكفار -الذين ألقوا في القليب يوم بدر- نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم,
وقوله لهم: «هل وجدتم ما وعد ربكم حقا, فإنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا» وقوله لأصحابه: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم حينما استنكروا نداءه أهل القليب فذلك من خصوصياته التي خصه الله بها, فاستثنيت من الأصل العام بالدليل.
ثالثا: دل القرآن على أن الرسول صلى الله عليه وسلم ميت, ومن ذلك قوله تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون } وقوله تعالى: {كل نفس ذائقة الموت } وهو صلى الله عليه وسلم داخل في هذا العموم.
وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم وأهل العلم بعدهم على موته, وأجمعت عليه الأمة, وإذا انتفى ذلك عنه صلى الله عليه وسلم فانتفاؤه عن غيره من الأولياء والمشايخ أولى, والأصل في الأمور الغيبية: اختصاص الله بعلمها, قال الله تعالى: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } وقال تعالى: {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون} لكن الله تعالى يطلع من ارتضى من رسله على شيء من الغيب، قال الله تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا } وقال تعالى: {قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين }.
وثبت في حديث طويل من طريق أم العلاء أنها قالت: "لما توفي عثمان بن مظعون أدرجناه في أثوابه, فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب, شهادتي عليك فقد أكرمك الله عز وجل, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك أن الله أكرمه؟ فقلت: لا أدري بأبي أنت وأمي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما هو فقد جاءه اليقين من ربه, وإني لأرجو له الخير, والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي فقلت: والله لا أزكي بعده أحدا أبدا" رواه أحمد وأورده البخاري في كتاب الجنائز من صحيحه, وفي رواية له: ما أدري، وأنا رسول الله ما يفعل به وقد ثبت في أحاديث كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلمه الله بعواقب بعض أصحابه فبشرهم بالجنة.
وفي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه المخرج في صحيح مسلم: "أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة, فقال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل " ثم لم يزد على أن أخبره بأماراتها, فدل على أنه علم من الغيب ما أعلمه الله به دونما سواه من المغيبات, وأخبره به عند الحاجة, كما أن الله سبحانه أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه مغفور له في سورة الفتح, وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: النبي في الجنة, وأبو بكر في الجنة, وعمر في الجنة, وعثمان في الجنة, وعلي في الجنة, وطلحة في الجنة, والزبير في الجنة, وعبد الرحمن بن عوف في الجنة, وسعد بن مالك في الجنة -وهو ابن أبي وقاص- وسعيد بن زيد في الجنة, وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة رضي الله عنهم جميعا, وهذا كله من علم الغيب الذي أطلع الله نبيه عليه.
رابعا: وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه نور من نور الله, إن أريد به أنه نور ذاتي من نور الله فهو مخالف للقرآن الدال على بشريته.
وإن أريد بأنه نور باعتبار ما جاء به من الوحي الذي صار سببا لهداية من شاء من الخلق فهذا صحيح, وقد صدر منا فتوى في ذلك هذا نصها: للنبي صلى الله عليه وسلم نور هو نور الرسالة والهداية التي هدى الله بها بصائر من شاء من عباده, ولا شك أن نور الرسالة والهداية من الله, قال تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور }.
وليس هذا النور مكتسبا من خاتم الأولياء كما يزعمه بعض الملاحدة, أما جسمه صلى الله عليه وسلم فهو دم ولحم وعظم... إلخ, خلق من أب وأم ولم يسبق له خلق قبل ولادته, وما يروى أن أول ما خلق الله نور النبي محمد صلى الله عليه وسلم, أو أن الله قبض قبضة من نور وجهه وأن هذه القبضة هي محمد صلى الله عليه وسلم ونظر إليها، فتقاطرت فيها قطرات فخلق من كل قطرة نبيا, أو خلق الخلق كلهم من نوره صلى الله عليه وسلم, فهذا وأمثاله لم يصح منه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
خامسا: القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بشرا مثلنا يحتمل حقا وباطلا, وقد صدر منا فتوى في ذلك هذا نصها: هذه الكلمة مجملة تحتمل حقا وباطلا، فإن أريد بها إثبات البشرية للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه ليس مماثلا للبشر من كل وجه,
بل يشاركهم في جنس صفاتهم فيأكل ويشرب, ويصح ويمرض, ويذكر وينسى, ويحيا ويموت, ويتزوج النساء ونحو ذلك ويختص بما حباه الله به من الإيحاء إليه وإرساله إلى الناس بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا; فهذا حق, وهو الذي شهد به الواقع وأخبر به القرآن, قال الله تعالى: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } فأمره أن يخبر أمته بأنه بشر مثلهم إلا أن الله اصطفاه لتحمل أعباء الرسالة وأوحى إليه بشريعة التوحيد والهداية... إلخ,
وقال تعالى في بيان ما جرى من تحاور بين الرسل وأممهم: {قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشرمثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون } فأقر الرسل بأنهم بشر مثلنا ولكن الله من عليهم بالرسالة, فإن الله سبحانه يمن على من يشاء من عباده بما شاء ويصطفي منهم من أراد; ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور ومثل هذا في القرآن كثير.
وإن أريد به أن الرسول ليس بشرا أصلا أو أنه بشر لكنه لا يماثل البشر في جنس صفاتهم فهذا باطل يكذبه الواقع وكفر صريح; لمناقضته لما صرح به القرآن من إثبات بشريتهم ومماثلتهم للبشر فيما عدى ما اختصهم الله به من الوحي والنبوة والرسالة والمعجزات.
وعلى كل حال لا يصح إطلاق هذه الكلمة نفيا ولا إثباتا إلا مع التفصيل والبيان لما فيها من اللبس والإجمال; ولذا لم يطلقها القرآن إثباتا إلا مع بيان ما خص به رسله كما في الآيات المتقدمة,
كما في قوله تعالى: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون } وكما يخشى من التعبير بمماثلتهم للبشر بإطلاق انتقاص الرسل والتذرع إلى إنكار رسالتهم يخشى من النفي للمماثلة بإطلاق الغلو في الرسل وتجاوز الحد بهم إلى ما ليس من شأنهم, بل من شئون الله سبحانه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية - المجلد الثالث (العقيدة)
- التصنيف: