أخذ الأجر على الرقية

منذ 2016-10-09
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بداية أشكركم، وأشكر كل مَن يُسهم في إنجاح شبكتكم الموقَّرة.

أنا شابٌّ أعلم أن الله هو الذي يَشفي ويَرزُق ويُدبِّر أمر الكون، وأنه لن يُصيب أحدًا إلا ما كتَبَه الله له، ومِن فضْل الله عليَّ أني كنتُ سببًا في شفاء العديد مِن الحالات النفسية، وحالات السِّحر والمسِّ، فأقرأ على المريض ما يسَّره الله مِن آيات القرآن ثم الدعاء له.

وأنا ولله الحمد أحافظ على الصلاة في وقتها، وأُحافظ على أذكار الصباح والمساء، وقراءة القرآن، والأذكار الواردة في السنَّة، ولا أشترط رزقًا بل أقبل ما يقدَّم لي.

أنا في حيرة مِن أمري، فهل ما أفعله صواب أو لا؟ لأني لا أريد أن أَحرِم المسلمين مِن هذه النعمة، ولكن لا يكون على حساب آخرتي والحرمان من الجنة.

وجزاكم الله خيرًا

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فجزاك الله خيرًا أخي الكريم على سَعيِكَ في نفْع الناس وتفريج كربات المَرضى؛ فقد صحَّ عن الصادق المصدوق أنه قال في شأن الرُّقى: «مَن استطاع أن ينفَعَ أخاه فليفعل»؛ رواه أحمد، وشكَرَ الله لك حِرصَكَ على معرفة حكم الشرع فيما تقوم به من رُقية، وحكْم ما تَتقاضاه نظير ذلك مِن أجر.

مَن تأمَّل رسالتك - سلَّمك الله - يُدرك أنَّ الطَّريقة التي تتبعُها في رُقية المَرضى ليس فيها محظور شرعيٌّ؛ لأنَّ أهلَ العلم مُتَّفقون على أن الرُّقية الصحيحة هي ما استجمعَت شروطًا ثلاثةً:

  • أن تكون بالقُرآن الكريم، أو بأسماء الله الحُسنى، أو صفاته العليَّة، أو بما ثبَتَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الذِّكر والدُّعاء؛ مثل: «اللهمَّ ربَّ الناس، أَذهِبِ الباسَ، اشفِ أنتَ الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يُغادر سقمًا»، «اسْمِ الله أَرقيك، مِن كلِّ شيء يُؤذيك، ومِن شرِّ كلِّ نفس أو عين حاسدٍ الله يَشفيك، باسمِ الله أرقيكَ»، وغير هذا.
  • أن تكون باللسان العربي، فلا تَشتمل على عبارات مُبهَمة أو غير مفهوم الدَّلالة كالطلاسم.
  • الاعتِقاد بأنَّ الرُّقيَة لا تُؤثِّر بذاتها، بل بتقدير الله تعالى وإرادته، وإنَّما هي محْضُ سبب يَفتقِر لتوفيق الله؛ فهو سبحانه الذي يقدِّر النفع والتأثير والشفاء.

وقد استدلَّ أهل العلم على ذلك بأدلَّة؛ مِن أَشهرِها ما رواه مسلم عن عوف بن مالك الأشجَعي، قال: كنا نرقي في الجاهليَّة، فقُلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: «اعرِضوا عليَّ رُقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك».

أما أخذ الأجرة على الرقية فلا بأس به؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله في الصحيحَين، «أن ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في سفر، فمرُّوا بحيٍّ من أحياء العرب، فاستَضافوهم فلم يُضيفوهم، فقالوا لهم: هل فيكم راقٍ؟ فإنَّ سيِّد الحي لديغ أو مصاب، فقال رجل منهم: نعم، فأتاه فَرَقاه بفاتحة الكتاب، فبَرَأَ الرجل، فأُعطي قطيعًا مِن غنم، فأبى أن يقبلها، وقال: حتى أذكر ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: يا رسول الله، والله ما رقيتُ إلا بفاتحة الكتاب، فتبسَّم وقال: "وما أدراك أنها رقية؟"، ثم قال: "خذوا منهم، واضربوا لي بسهم معكم"» .

وروى البُخاريُّ عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن نفرًا مِن أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرُّوا بماء فيهم لديغ أو سليم، فعرَض لهم رجلٌ من أهل الماء، فقال: هل فيكُم مِن راقٍ، إنَّ في الماء رجلًا لديغًا أو سليمًا؟ فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاءٍ فبرَأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه فكَرهوا ذلك، وقالوا: أخذتَ على كتاب الله أجرًا؟! حتى قَدِموا المدينة فقالوا: يا رسول الله، أخَذَ على كتاب الله أجرًا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحقَّ ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله"»، ومِن ثمَّ قال الإمام البغَوي في شرح السنة (8/ 268): في الحديث دليل على جواز أخذ الأجرة على تعليم القُرآن، وجواز شَرطه، وإليه ذهب عطاء والحكَم، وبه قال مالك، والشافعي، وأبو ثور، قال الحكم: ما سمعتُ فقيهًا يَكرهه.

وفيه دليل على جواز الرُّقية بالقرآن، وبذكر الله، وأخذ الأجرة عليه؛ لأنَّ القراءة والفقه من الأفعال المباحة، وفيه إباحة أجر الطبيب والمعالج".

وقال شيخ الإسلام ابن القيِّم في إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 254): "... ولا يُنافي هذا قوله: «إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله» في قصة الرقية؛ لأن تلك جعالة على الطب؛ فطبُّه بالقرآن، فأخذ الأجرة على الطبِّ، لا على تعليم القرآن، وههنا منعه مِن أخْذ الأُجرة على تعليم القرآن؛ فإنَّ الله تعالى قال لنبيِّه: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الأنعام: 90]، وقال تعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ: 47] وقال تعالى: {اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} [يس: 21]، فلا يجوز أخذ الأجرة على تبليغ الإسلام والقرآن".

وفَّقك الله للخير، وألهمَكَ رشْدك، ووقاك شر نفسك.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 2
  • 0
  • 6,841

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً