قلت لها (علي الطلاق بالثلاثة)

خالد عبد المنعم الرفاعي

حدث بيننا بعض الخلافات واختلفنا على اسم المولود، وأقسمت عليها يمينًا بالطلاق مرتين بصيغة (علي الطلاق بالثلاثة) على تسمية المولود باسم معين، ونسيت نيتي هل كنت أنوى الطلاق أم هو مجرد تهديد؟ حقًا لا أعلم نيتي. فهل لو نريد تسميته باسم غير هذا الاسم يقع الطلاق؟

  • التصنيفات: أحكام الطلاق - الأيمان والنذور -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكل عام وأنتم بخير،

لقد تزوجت حديثًا وزوجتي الآن حامل وعلى وشك الوضع، وحدث بيننا بعض الخلافات واختلفنا على اسم المولود، وأقسمت عليها يمينًا بالطلاق مرتين بصيغة (علي الطلاق بالثلاثة)، وذلك كان كتابة وليس لفظًا على تسمية المولود باسم معين الذي أريده، ونسيت نيتي هل كنت أنوى الطلاق أم هو مجرد تهديد؟ حقًا لا أعلم نيتي.

فهل لو نريد تسميته باسم غير هذا الاسم يقع الطلاق؟

أفيدونا أفادكم الله.

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإنَّ قولَ: "عليَّ الطلاق" ليس طلاقًا في أصله، وإنما هو يَمينٌ بالطلاق، ومَعْناهُ: الطلاقُ يلزَمُني، لأَفْعَلَنَّ كذا وكذا، ويُرادُ به ما يراد باليمين من الحَثِّ، أوِ المنعِ، أوِ التصديقِ، أوِ التكذيبِ، أوِ التأكيدِ، أو غيرِ ذلك.

 ولكنْ إذا قَصَدَ – نَوى - صاحِبُهُ بِهِ الطلاقَ عند الحَنْثِ، وَقَعَ الطلاقُ به، ويكون من بابِ الطلاقِ بالكِناية، وهذا الحَلف مكروهٌ عند العُلَمَاء؛ لما فيه من تعريض الحياة الزوجية للانهيار.

 

قال شيخ الإسلام - قدس الله روحه ونور ضريحه -: "الصِّيَغُ التي يتكلَّم بها الناس في الطلاق والعِتَاق والنَّذْرِ والظِّهَار والحرام, ثلاثة أنواع:

النوع الأول: صيغة التَّنْجِيز, مِثْل أن يقول: امرأتي طالِق، أو أنتِ طالِق، أو فلانة طالِق، أو هي مُطلَّقة... ونحو ذلك؛ فهذا يقع به الطَّلاق, ولا تنفع فيه الكَفَّارَة بإجماع المسلمين.

 والنوع الثاني: أن يَحْلِفُ بذلك, فيقول: الطلاقُ يَلزَمُنِي، لأَفْعَلَنَّ كذا، أو لا أفعل كذا، أو يحلف على غيره - كعبده وصديقِه الذي يرى أَنَّهُ يَبَرُّ قَسَمَهُ - لَيَفْعَلَنَّ كذا، أو لا يفعل كذا، أو يقول: الحِلُّ علي حرام، لأفعلنَّ كذا، أو لا أفعلُه، أو يقول: عليَّ الحَجُّ، لأفْعَلَنَّ كذا، أو لا أفْعَلُه... ونحو ذلك؛ فهذه صِيَغُ قَسَمٍ, وهو حَالِفٌ بهذه الأمور; لا موقع لها، وللعلماء في هذه الأيمانِ ثلاثةُ أقوال:

- أحدها: أنه إذا حَنَثَ، لزِمَه ما حلف به.

- والثاني: لا يلزمه شيء.

- والثالث: يلزمه كفارة يمين.

ومِنَ العلماء مَنْ فَرَّق بين الحَلِفِ، والطلاقِ، والعِتاق، وغيرها.

والقول الثالث أظهر الأقوال; لأن الله - تعالى - قال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:2]، وقال: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة:89].

وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم، وغيره، من حديث أبي هريرة، وعدي بن حاتم، وأبي موسى، أنه قال: «ومن حلف على يمين، فرأى غيرَها خيرًا منها، فَلْيَأْتِ الذي هو خيرٌ، ولْيُكَفِّرْ عن يمينه».

  وهذا يعم جميع أيمان المسلمين، فمن حلف بيمين من أيمان المسلمين وحنث، أجْزَأَتْهُ كفَّارةُ يمين، ومن حلف بأيمان الشرك، مثل: أن يحلف بتربة أبيه; أو الكعبة، أو نعمة السلطان، أو حياة الشيخ، أو غير ذلك من المخلوقات؛ فهذه اليمين غير مُنْعَقِدَة، ولا كفَّارةَ فيها إذا حنث باتفاق أهل العلم... إلى أن قال: وعن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنها قالت: "كلُّ يمين وإن عَظُمَت فكفارتها كفارة اليمين بالله".

وقال: والقول بأنَّ الحالف بالطلاق لا يلْزَمُه الطلاقُ، مذهَبُ خلقٍ كثير من السَّلَف والخَّلَف، لكن فيهم من لا يُلزِمُه الكفَّارة؛ كداود، وأصحابه، ومنهم من يُلْزِمُه كفَّارة يمين؛ كطاوس، وغيره من السَّلَف والخَّلَف، وأظهر الأقوال، وهو القول الموافق للأقوال الثابتة عن الصحابة.

وعليه يدلُّ الكتابُ والسُّنَّةُ والاعتبارُ: أنه يُجْزِئه عن كفارة يمين في جميع أيمان المسلمين...". انتهى كلام شيخ الإسلام باختصار.

وعليه؛ فما دام الحال - كما ذكرت - أنك نسيت نيتك؛ فنرجع إلى أصل الكلمة، وهي كما قررنا لفظة يمين وليست كلمة طلاق، وإنما هو يمين منعقد، تلزمك كفَّارة اليمين عند الحنث، وهي إطعامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، ويكفي في إطعام المسكين تقديم وجبة غداء أو عشاء، أو إعطاؤه كيلو من الطعام أرزًا أو غيره، أو كِسْوَتُهُمْ ويكفي في الكسوة ثوبٌ تصح فيه الصلاة، ومن لم يجد الإطعام، أو الكسوة، يصوم ثلاثة أيام،، والله أعلم.