هل نكفِّر اليهود والنصارى؟
هل عندما نقوم بتكفير الكفار كالنصارى و اليهود وجميع من يدينون بدين غير الإسلام، نقوم بتكفيرهم حكمًا أي في الدنيا، ونقول أن في الآخرة أمرهم إلى الله؟ أم يجب الاعتقاد أنهم كفار في الدنيا وفي الآخرة في النار خالدون؟
استسمحك يا فضيلة الشيخ أن تجيبني،
هل عندما نقوم بتكفير الكفار كالنصارى و اليهود وجميع من يدينون بدين غير الإسلام، نقوم بتكفيرهم حكمًا أي في الدنيا، ونقول أن في الآخرة أمرهم إلى الله؟ أم يجب الاعتقاد أنهم كفار في الدنيا وفي الآخرة في النار خالدون؟
والذين لم تقم عليه الحجة منهم، نكفرهم في الدنيا و الآخرة، ام نقول أن في الآخرة مردهم إلى الله؟
وهنا اللبس، فكيف أعلم أن الذي أمامي أقيمت عليه الحجة أم لا؟
فهي تقريبًا أمر غيبي.. فكيف أتخذ الحكم الصحيح تجاهه وأنا لا أعرف أقيمت عليه الحجة أم لا؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فقد دل الكتاب والسنة والإجماع، على أن اليهود والنصارى كفار في الدنيا، ومخلدون في النار في الآخرة إن ماتوا على كفرهم؛ قال الله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17]، وقوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 73]، وقوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30]، وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} [آل عمران: 70]، وقال: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران: 98]، وقال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31]، وقال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 1]، إلى غير ذلك من الأدلة على كفر اليهود والنصارى، وخلودهم في النار، وحرمانهم من الجنة، وهي كثيرة جدًا.
كما أن الكتاب والسنة والإجماع يفيد أيضًا، أن كل من دان بغير الإسلام، فهو كافر، ودينه مردود عليه، وهو في الآخرة من الخاسرين؛ قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] وقال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19] قال الله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 150، 151]
فكل من لم يدخل في دين الإسلام، ولم يؤمن برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ومات يهوديًا، أو نصرانيًا، أو غيرها من نحل الكفر- فهو كافر قد حرم الله عليه الجنة، ومأواه النار؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 116]، وقال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسُ محمد بيده، لا يسمعُ بي أحد من هذه الأمَّةِ -يهودِيّ ولا نصرانيّ- ثم يموت ولم يُؤمِنْ بالذي أُرْسِلْتُ به ، إلا كان من أصحابِ النَّار»؛ رواه مسلم.
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن ليتبع كل أمة ما كانت تعبد، فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر، وغبر أهل الكتاب، فيدعى اليهود، فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله، فيقال: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ قالوا: عطشنا يا ربنا، فاسقنا، فيشار إليهم ألا تردون؟ فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضًا، فيتساقطون في النار، ثم يدعى النصارى، فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم، كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا يا ربنا، فاسقنا، قال: فيشار إليهم ألا تردون؟ فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضًا، فيتساقطون في النار»، الحديثَ.
إذا تقرر هذا، فكل من لم يكفِّر اليهود ولا النصارى، أو شكَّ في كفرهم، أو صحَّحَ مذهبهم- فهو كافر؛ لأنه كذَّب الله سبحانه ورسولَه صلى الله عليه وسلم، وردَّ حكمهما، وقد أجمع علماء المسلمين أن من لم يكفر الكفار المقطوع بكفرهم، بنصِّ القرآن أو الإجماعِ- أنه مكذب للقرآن والسنة.
قال القاضي عياض في كتابه"الشفا بتعريف حقوق المصطفى"(2/ 610)
"ولهذا نكفر من لم يكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام، واعتقده، واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك".
قال النووي في "روضة الطالبين"(10/ 70)
"وأن من لم يكفر من دان بغير الإسلام كالنصارى، أو شك في تكفيرهم، أو صحح مذهبهم، فهو كافر، وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده، وكذا يقطع بتكفير كل قائل قولًا يتوصل به إلى تضليل الأمة، أو تكفير الصحابة".
وعليه، فكل ما ورد في السؤال من تفصيل في كفر النصارى، غير صحيح، والذي يظهر أن سبب تلك الشبهة، هو خفاء العقيدة الصحيحة، عقيدة أهل السنة، وانتشار الجهل والإرجاء،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: