هل تقبل توبة ساب النبي؟
فإن سب الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان كفرًا ظاهرًا وباطنًا، فإن التوبة الصادقة تغفره.
هل يقبل الله توبة ساب النبي او الاستهزاء باسمه؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فإن التوبة من الكفر والشرك مقبولة بنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأئمة، فالله سبحانه لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب واستوفى شروط التوبة وأركانها، من الإقلاع والندم والاستغفار والعزم على عدم العود، قال الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ}، [الأنفال: 38].قال تعالى:{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 54].
قال تعالى في حق الكافرين: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] إلى قوله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11]، وقال تعالى عن عباد الصليب: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 73] إلى قوله {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 74].
وقد بين في كتابه وسنة رسوله أنه يتوب على أئمة الكفر فقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ } [البروج: 10] قال الحسن البصري: انظروا إلى هذا الكرم عذبوا أولياءه وفتنوهم ثم هو يدعوهم إلى التوبة.
والحاصل أن الاعتبار في الفضائل بكمال النهاية لا بنقص البداية، فخير سادات هذه الأمة من المهاجرين والأنصار، وإنما صاروا كذلك بتوبتهم مما كانوا عليه من الكفر والذنوب ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن ناسًا، من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا، فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن، لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزل: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 68 - 70]، ونزلت {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].
وفي الصحيح عن عمرو بن العاص في حديث طويل وفي: "... لقد رأيتني وما أحد أشد بغضًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولا أحب إلي أن أكون قد استمكنت منه، فقتلته، فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار، فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: "ما لك يا عمرو؟"، قال: قلت: أردت أن أشترط، قال: "تشترط بماذا؟" قلت: أن يُغفر لي، قال: "أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟"
وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رجل: يا رسول الله، أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال: "من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أُخذ بالأول والآخر".
وهذه الأدلة وغيرها كثير جدًا تتناول الكافر الأصلي كما تتناول المرتد.
هذا؛ ولعل السائل الكريم قد ظنّ أن آية سورة النساء عامة مطلقة، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } [النساء: 48]، والصحيح أنها مقيدة خاصة؛ لأنها في حق غير التائبين، لا يغفر لهم الشرك.
أما قوله تعالى:{قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].، فعامة مطلقة؛ لأنها للتائبين.
وعليه، فإن سب الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان كفرًا ظاهرًا وباطنًا، فإن التوبة الصادقة تغفره،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: