حكم صوم يوم السبت في أيام العشر من ذي الحجة

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

هل يجوز صوم يوم السبت منفرد فى أيام يشرع فيها الصوم كايام العشر من ذي الحجة؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فالحديث الوارد في النهي عن صيام يوم السبت رواه أصحاب السُّنَنِ الأربعة، وحَسَّنه الترمذي، عبدَ الله بن بُسْر المازني قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا تَصُومُوا يَوْم السَّبْت إلا فيما افتُرِضَ عليكم"، وهو حديث معلول وفي إسناده اختلاف قد ذكره النسائيُّ وغيرُه، وقال أبو داود: "هذا الحديث منسوخٌ"، وقال مالك: "هذا كذب"، وأُعِلَّ بالمُعَارَضَةِ وباضطِرابٍ فالحديث شاذ أو منسوخ، وهو معارض من كل وجه للأحاديث الصحيحة التي تدل على مشروعية صوم يوم السبت سواء بمفرده، أو مضمومًا إليه غيره، وهي أصح أَخَصُّ مُطلَقًا من ذلك النهي العام.

قال الإمام أبو جعفر الطَّحَاوِي- الحنفي - في "شرح معاني الآثار": "فذهب قوم إلى هذا الحديث، فكرِهُوا صوم يوم السبت تطوعًا، وخالفهم في ذلك آخرون، فلم يَرَوا بصومه بأسًا، وكان من الحجة عليهم في ذلك، أنه قد جاء الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه "نهى عن صوم يوم الجمعة، إلا أن يُصَامَ قَبلَهُ يوم، أو بعده يوم"، فاليوم الذي بعده، هو يوم السبت. ففي هذه الآثار المروية في هذا، إباحة صوم يوم السبت تطوعًا، وهي أشهر وأظهر في أيدي العُلَمَاءِ من هذا الحديث الشاذ، الذي قد خالفها.

وقد أذِنَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم - في صَوْمِ عاشوراء وحضَّ عليه، ولم يَقُل إن كان يوم السبت فلا تَصُوموه؛ ففي ذلك دليل على دخول كل الأيام فيه، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أحب الصيام إلى الله عز وجل، صيامُ داود - عليه السلام - كان يصوم يومًا، ويُفطِرُ يومًا"، ففي ذلك أيضًا، التسوية بين يوم السبت، وبين سائر الأيام.

وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيضًا بِصِيامِ أيَّامِ البِيضِ، ورُوِيَ عَنْهُ في ذلك عن أَبِي ذَرٍّ: "أنَّ النبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل أمره بصيام ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة".

وعن عبد الملك بن قتادة بن ملحان القَيْسِي، عن أبيه، قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا أن نصوم لياليَ البيض، ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة، وقال: هي كهيئة الدهر"، وقد يدخل السبت في هذه، كما يدخل فيها غيْرُه، من سائر الأيام. ففيها أيضًا إباحة صَوْمِ يَوْمِ السبت تطوعًا.

وقد يجوز عندنا - والله أعلم - إن كان ثابتًا، أن يكون إنما نُهِيَ عن صَوْمِه، لئلا يُعَظَّم بذلك، فيُمْسَك عن الطعام والشراب والجِمَاع فيه، كما يَفْعَلُ اليهود، فأما من صامه لا لإرادة تعظيمه، ولا لما تريد اليهود بتَرْكها السعْيَ فيه، فإن ذلك غير مكروه ". اهـ. مُخْتَصَرًا.

وذهب شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيميَّة إلى جَوَازِ صيام يوم السبت ولو من غير سبب، وهو رواية عن الإمام أحمد قال في "الفتاوى الكبرى": "ولا يُكْرَهُ إفْرادُ يَوْمِ السبت بالصَّوْمِ، ولا يجوز تخصيص صَوْمِ أَعْيَادِ المشركين، ولا صَوْمِ يوم الجمعة، ولا قيام ليلتها".

وقال ابن مفلح في "الفروع" (3/92): " قال الأثرم: قال أبو عبدالله: قد جاء فيه حديث الصَّمَّاءُ، وكان يحيى بن سعيد يتقيه، وأبَى أن يُحَدِّثَنِي به، قال الأثرم: وحجة أبي عبدالله في الرُّخصة في صوم يوم السبت أن الأحاديث كلها مُخَالِفَة لحديث عبدالله بن بسر، منها حديث أم سَلَمَةَ، يعني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم السبت والأحد ويقول: "هما عيدان للمشركين فأنا أحب أن أخالفهما"؛ رواه أحمد والنَّسائي وصححه جماعة وإسناده جيد واختار شيخنا - أي ابن تيمية - أنه لا يكره وأنه قَوْلُ أكثر العلماء، وأنه الذي فهمه الأثرم من روايته، وأنه لو أريد إفراده لما دخل الصوم المفروض ليستثنى، فالحديث شاذ أو منسوخ، وأن هذه طريقة قدماء أصحاب أحمد الذين صحبوه، كالأثرم وأبي داود، وأن أكثر أصحابنا فَهِمَ من كلام أحمد الأخذ بالحديث، ولم يذكر الآجري غير صوم يوم الجمعة؛ فظاهره لا يكره غيْرُه".

إذا عرف هذا، فيجوز صيام السبت لمن يصوم العشر، سواء أفرده بالصوم، أو صام معه غيره؛ لضعف حديث النهي وشذوذه، وعلى فرض صحته فالأحاديث التي تدل على جواز صيامه إن كان لسبب أَخَصُّ منه، وأكثر واصح إسنادًا،، والله أعلم.