حكم الشهادة للولد بالبر والصلة

منذ 2019-12-16

من رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين أن جعل لهم في الدنيا ما يبشرهم بمآلهم في الآخرة، ومن ذلك ثناء الناس عليه خيرًا؛ لأن الثناء الناس عليهم بالخير شهادة منهم له على أنه من أهل الخير، والأمة المسلمة هم الشهداء

السؤال:

هل يجوز للوالد أن يُشهد غيره على برور أولاده؟ لدينا جدة تصف أولادها من الذكور والإناث بحب البرور، وبالسعي للاتصاف بصفة بر الوالدين، لكنها لا تقول عن أحد منهم إنه بار وإنما يحب أن يكون بارا ونحو ذلك.. وتقول: إنها تتورع من الشهادة لهم بالبرور خوفا من أن يعاقبها الله على الشهادة بشيء لم يتحقق بشكل كامل ، وهي تنتظر كلام أهل العلم بهذا الخصوص، فهل من نصيحة لها بجواز أن تشهد أو تعترف أو تخبر أن أولادها بررة بها إذا كانت هي لا تلاحظ عليهم أي صفة من صفات العقوق؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ

فإن من رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين أن جعل لهم في الدنيا ما يبشرهم بمآلهم في الآخرة، ومن ذلك ثناء الناس عليه خيرًا؛ لأن الثناء الناس عليهم بالخير شهادة منهم له على أنه من أهل الخير، والأمة المسلمة هم الشهداء كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]، والوسط العدل الخيار وقد جعلهم الله شهداء على الناس وأقام شهادتهم مقام شهادة الرسول، وقال الله تعالى {لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [الحج: 78]، وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: مروا بجنازة، فأثنوا عليها خيرًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وجبت"، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرًا، فقال: "وجبت"، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: "هذا أثنيتم عليه خيرًا، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرًا، فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض"، وروى أحمد في المسند عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي عن أبيه - رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يوشك أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار" قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: "بالثناء الحسن والثناء السيئ".

وروى أحمد والترمذي عن عبادة بن الصامت قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تبارك: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: 64]، قال: "هي الرؤيا الصالحة"، وفسرها أيضًا بثناء المؤمنين عليه كما في الصحيح في كتاب البر والصلة والآداب - باب إذا أثني على الصالح فهي بشرى ولا تضر -: عن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - فقيل: يا رسول الله، الرجل يعمل العمل لنفسه فيحمده الناس عليه؟ فقال: "تلك عاجل بشرى المؤمن"

وقد قيّد بعض أهل العلم الثناء على الحي بعدم إفضاء الإطراء إلى الزهو، وأجازه آخرون.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (2/ 484):

"وذهبت طائفة من السلف كابن الحنفية وعلي بن المديني: إلى أنه لا يشهد بذلك -يعني: بالجنة- لغير النبي صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: بل من استفاض في المسلمين الثناء عليه شهد له بذلك".

وقال أيضًا (14/ 199-200) - في معرض كلامه على قوله تعالى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 166]-:

 "ومن شهادته –أي: شهادة الله تعالى- ما يجعله في القلوب من العلم وما تنطق به الألسن من ذلك، ثم استدل بحديث أنس السابق وقال: فقوله: "شهداء الله": أضافهم إلى الله تعالى، والشهادة تضاف تارة إلى من يشهد له، وإلى من يشهد عنده فتقبل شهادته، كما يقال: شهود القاضي وشهود السلطان، ونحو ذلك من الذين تقبل شهادتهم، وقد يدخل في ذلك من يشهد عليه بما تحمله من الشهادة ليؤديها عند غيره، كالذين يشهد الناس عليهم بعقودهم أو أقاريرهم، فشهداء الله الذين يشهدون له بما جعله وفعله ويؤدون الشهادة عنه، فإنهم إذا رأوا من جعله الله برًا تقيًا يشهدون أن الله جعله كذلك، ويؤدون عنه الشهادة فهم شهداء الله في الأرض، وهو سبحانه الذي أشهدهم بأن جعلهم يعلمون ما يشهدون به وينطقون به، وإعلامه لهم بذلك هو شهادة منه بذلك فهذا أيضًا من شهادته". اهـ.

إذا تقرر هذا؛ فيجوز للآباء والأجداد أن يشهدوا لأبنائهم بما فيهم من بر وصلة،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 3
  • 0
  • 2,984

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً