هل يجوز حظر النقاب فى الجامعات أو المدارس؟

منذ 2020-02-04
السؤال:

هل يجوز حظر النقاب فى الجامعات أو المدارس؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد اتفق الأئمة - رحمهم الله - على مشروعيته النقاب للنساء، وإنما وقع الخلاف في وجوبه، والذي دلّ عليه البرهان الصحيح أن ستر وجهِ المرأة أمام الرجَالِ الأَجانِبِ واجِب وهو مذهب الإمامِ أحمدَ، والصحيحُ من مذهبِ الشَّافِعِيِّ، وهو الذي عليه الفتوى عند المتأخرين من علماء الحنفيَّةِ والمالِكِيَّةِ فقد نصوا منذ زمَن بعيد على أنه يَجِبُ عَلَى المَرْأَةِ  سترُ وجهِهَا عندَ خَوْفِ الفِتْنَةِ بِهَا، أو عَلَيْهَا؛ والمراد بالفتنة بها: أن تكون المرأة جميلة، والمراد بخوف الفتنةِ عليها أن يكثر الفسادِ، وينتشر الفسَّاقِ؛ فقال الحنفية : تمنع المرأة الشابة من كشف وجهها بين الرجال في زماننا ، لا لأنه عورة ، بل لخوف الفتنة، وقال المالكية وقالوا : يجب على الشابة مخشية الفتنة ستر حتى الوجه والكفين إذا كانت جميلة ، أو يكثر الفساد، ولا شك أن زماننا الذي نحيا فيه ينطبق عليه ذلك فلا تؤمن فيه الفِتنة والوقوع في المعصية؛ لقلة الوازع الدِيني، وبعد كثير من الناس عن الورع.

أما منع الجامعات دخول الفتيات المنتقبات، فهو تعد لحدود الله تعالى، وتقديم بين يدي الله ورسوله، ولا يلتفت إلى قولهم؛ لأنه خرق لإجماع الأمة المتيقن، ولمصادمته لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

وعلى المسلمات العفيفات المنتقبات أت تصبر وتحتسب الأجر عند الله تعالى، فالأجر على قدر النصب خاصة ونحن في زمان غربة للإسلام، وليبشرن بالخير فقد صح عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "يأتي على النَّاس زمانٌ، الصَّابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر"؛ رواه الترمذي وأحمد في المسند.

وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: "العبادة في الهرْج كهجرة إلي"؛ رواه مسلم وغيره، والهرج هي الفتن.

هذا؛ ومن سُنن الله في خلقه أنَّه يبتلي عبادَه المؤمنين؛ ليمتَحِن صبرَهم وعبوديَّتهم ويرفع درجاتهم ؛ قال سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 142]، ؛ قال تعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1 - 3].

وبشَّر الله عبادَه المؤمنين بالأجْر الجزيل في الآخرة لِمن تمسك بدينه وصبَر في الدنيا؛ قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].

فاختبار الله لعبده المؤمنين أصل ثابت، وسنَّةٌ كونية، فليَقَرَّ قلبُ المؤمنة ولتطمئن؛ ولتنتظر ما وعد الله لعباده المؤمنين انتظارَ واثق مُسْتَيْقِن؛ وقال - صلى الله عليه و سلم -: "أشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياءُ ، ثم الصالحون، ثم الأمثلُ فالأمثلُ، يُبْتَلى الرجلُ على حَسَبِ دِينه، فإن كان في دينه صلابةٌ، زِيدَ له في البلاء"؛ رواه أحمد.

وقال - صلى الله عليه و سلم -: "مَنْ يُرِدِ اللهُ به خيرًا، يُصِبْ مِنْهُ"؛ أي: يَبْتَلِيهِ بالمصائب؛ رواه البخاري، عن أبي هريرة.

وقال - صلى الله عليه و سلم -: "إن البلايا أسرعُ إلى من يُحِبُّنِي، من السيلِ إلى مُنتَهَاه"؛ رواه ابن حبان؛ وصححه الألباني.

ولكن إن لحق الفتيات شيء من الأذى أو الإهانة، أو غير ذلك، فمن لم تستطع التحمل والصبر، فيجوز لها أن تخلع النقاب وتكتفي بلبس الخمار والجلباب الواسع، ولتُقلِّل من الذهاب إلا للحاجة والمصلحة الراجحة، حتى تهدأ هذا الزوبعة، التي تكررت كثيرًا في العقود السابقة.

قال صاحب الظلال: "إن الإيمان ليس كلمةً تُقَال، إنما هو حقيقةٌ ذاتُ تكاليفَ، وأمانةٌ ذاتُ أعباءٍ، وجهادٌ يحتاج إلى صبر، وجهدٌ يحتاج إلى احتمال، فلا يكفي أن يقول الناس: "آمنَّا"، وهم لا يُتْرَكُون لهذه الدعوى، حتى يتعرَّضوا للفتنة، فيثبُتوا عليها، ويخرجُوا منها صافيةً عناصرُهم، خالصةً قلوبُهم، كما تَفْتِنُ النارُ الذهبَ؛ لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقةِ به، وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب.

إن الإيمان أمانةُ الله في الأرض، لا يحمِلُها إلا مَن هُمْ لها أهلٌ، وفيهم على حَمْلِهَا قدرةٌ، وفي قلوبهم تَجَرُّدٌ لها، وإخلاصٌ، وإلا الذين يُؤْثرونها على الراحَةِ والدَّعَةِ، وعلى الأمن والسلامة، وعلى المتاع والإغراء، وإنها لأمانةُ الخلافة في الأرض، وقيادةُ الناس إلى طريق الله، وتحقيقُ كلمته في عالم الحياة.

وما بالله - حاشا لله - أن يُعَذِّب المؤمنين بالابتلاء، وأن يؤذيَهم بالفتنة؛ ولكنه الإعداد الحقيقي لتحمل الأمانة، فهي في حاجة إلى إعدادٍ خاصٍّ، لا يَتِمُّ إلا بالمعاناة العمليَّة للمشاقِّ، وإلا بالاستعلاء الحقيقيِّ على الشهوات، وإلا بالصبرِ الحقيقيِّ على الآلام، وإلا بالثقةِ الحقيقيةِ في نصر اللهِ، أو في ثوابِهِ، على الرَّغم من طول الفتنة، وشدَّةِ الابتلاء". اهـ.

هذا؛ والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 3
  • 1
  • 852

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً