علمت أن أختى تتواصل مع أحد شاب
خالد عبد المنعم الرفاعي
علمت أن أختى وهى طالبة فى الكلية، علمت أنها تتواصل مع شاب ولما رأيت المحادثة وجدت فيها كلام بذئ ينافي الأخلاق من قبل هذا الشاب غير أنها انقادت لهذا الشاب وأثر عليها حتى أنه جعلها ترسل له صورتها - وهى منتقبة - واجهتها بالأمر وندمت على هذا الفعل، غير أنها لا زالت متعلقة بهذا الشاب وتقول لعله تاب وأنه يريد أن يتزوجها ويريد أن يتوب وغير ذلك، إلا أنى رأيت فعله وتأثيره عليها ورسائله الصوتية البذيئة لها وأعلم تماما أنه لا يناسبها، تقربت منها مرة وضربتها مرة وخاصمتها مرة ولا أدرى ماذا أفعل هل أمنعها من الذهاب للكلية؟ هل أزوجها لهذا الشاب؟ هل أعنف هذا الشاب ولكن أختى أيضا مخطئة، لا أدرى ماذا افعل
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فما ورد في السؤال هو نتيجة حتميَّة لتعريض النفس إلى الفِتَن، وخطوة من خطوات الشَّيطانُ الذي يَجري منِ ابْنِ آدم مَجرى الدَّم، وقد حذَّر الله تعالى من اتِّباع خطوات الشيطان؛ فقال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور: 21].
وحذَّرَ النَّبيُّ من مجرد التَّطلُّع للفِتَن؛ فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم -: "ستكونُ فِتن، القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من الساعي، ومن يُشْرِف لها تَستشرفه، ومن وجد ملجأً أو معاذًا فليعُذ به"؛ متفق عليه.
ضبط تعامل الرِّجال والنِّساء بضوابط شرعيَّة، تصون الأعْراض، وتحقِّق العفَّة والطَّهارة، وتَمنع الفواحش، وتسدُّ الذَّرائع إلى الفساد، فمن ذلك أنَّه أمر - عز وجل - بغَضِّ البصر؛ فقال سبحانه: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 1 3]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَة، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَر، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِق، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُه"؛ متفق عليه من حديث أبي هريرة.
وحرَّم الاختِلاط والخلْوة، وأمر بالستْر الشَّرعي، وحرّم الخُضُوع والتكسر بالقوْلِ مع الرِّجال الأجانب، وجعل الكلام بين الجنسين على قدْر الحاجة، وغير ذلك من الضَّوابط الشرعيَّة، وهي قواعد منضبطة تصلُح للجميع، لا كما يقول دعاة الاختلاط: إن هذا يختلف من شخص لآخر، أو من ثقافةٍ لأخرى، وغير ذلك من الدعاوى التي يكذِّبها الحس والمشاهدة.
أما ما يجب عليك تجاه أختك فهو الاستمرار في النُصح، وبيان خطورة الاستِرسال في العلاقة بالشباب "المستهتر"، الذي يجيد خِداع الفتيات الغافلات والتغرير بهن، وادعها إلى محاولة فهم الواقع بالعقل وليس بالعواطف، حتى ترى وتدرك ما وقعت فيه من خداع، وتخرج في شِباك الغَواية، وتكفّ عن السير في طرق الضَّلالة، فالعلاقات المحرمة بين الجنسين هي باب البلاء، وبرزخُ النَّدامة، وسبب كثيرٍ من المفاسِد والشُّرور التي نحياها؛ فكم من أناس وقعوا فيما نهاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه فلم يحصلوا إلا الندامة، حتى صاروا عبرة لمن يعتبر، إلى أن وقع وكثير منهم في عار الفاحشة!
وليَكُنْ حِوارُك بالحكمة والموعظة الحسنة، لتتمكن من إزالة الغشاوة عن قلبها؛ لأن حب الشي يُعمي ويُصم، فلا يستفيق صاحبه إلا بعد فوات الأوان، لأن الاختلاط يؤجِّج الشهوة، ويعمي العقل حتى يقع صاحبه في الرَّذيلة من حيثُ لا يشعر.
والفتاة المسلمة تنقاد لأوامر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلَّم - مهما كانتْ صعبةً أو شاقَّة على النفس؛ فالمؤمنُ الحقُّ الصادق في إيمانه هو الذي يَصْدُق في تَحقيق طاعة ربِّه - سُبحانه وتعالى - وامْتِثال أوامره، واجتِناب نواهيه، وليس للمؤمن أن يتلكَّأ أو يتردَّد في الأمر، بل يَجِبُ السَّمع والطاعة مُباشرة؛ عملاً بقوله - جلَّ وعلا -: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36]، وهذا هو دأب المؤمنين الذين مدَحَهُم ربُّهم - سبحانه وتعالى – بقوله: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ} [النور: 51 - 52].
وهي أن حرصت على شغْل أوقاتها بالطاعات والمباحات ستنسى أمر ذلك الشاب؛ فالنفسُ إن لَم تشغل بالطاعة شغلتْ بالمعصية.
هذا؛ وقد أمر الله - تعالى - بآدابٍ راقية لنِساء النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ونساءُ الأمَّة تبعٌ لهنَّ في ذلك؛ فقال - تعالى -: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32]، فإن القلبَ المريض لا يتحمَّل ولا يصبِر على أدنى سببٍ يدْعوه إلى الحرام، حتَّى ولو كان مجرَّد نبرة صوْتٍ فيها لين وضعْف؛ ولذلك لمَّا كان وسيلةً إلى المحرَّم، مُنِعتْ منْه، ووجب عليْها عند مخاطبة الرِّجال ألاَّ تُلينَ لهم القَول؛ فللوسائل أحكام المقاصد.
قال الأستاذ سيد قطب في "الظِّلال" عند قوله: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32]:
"ينهاهنَّ حين يُخاطِبْنَ الأغراب من الرِّجال أن يكونَ في نبراتهنَّ ذلك الخضوع الليِّن، الذي يُثير شهواتِ الرِّجال، ويُحَرِّك غرائِزَهم، ويُطمِع مرضى القلوب، ويُهَيِّج رَغَائِبَهُم، ومَنْ هُنَّ اللَّواتي يُحَذِّرهن اللهُ هذا التَّحذير؟
إنَّهنَّ أزْواج النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وأمَّهات المؤمنين، اللَّواتي لا يطمع فيهنَّ طامع، ولا يَرِفُّعليْهِنَّ خاطر مريض، فيما يبْدو للعقْل أوَّلَ مرَّة، وفي أي عهدٍ يكونُ هذا التَّحذير؟
في عهْد النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعهْد الصَّفوة المخْتارة من البشريَّة في جَميع الأعْصار.
ولكنَّ اللهَ الَّذي خلق الرِّجال والنساء يعلم أنَّ في صوت المرأة حين تخضع بالقوْل، وتترقَّق في اللَّفظ - ما يُثِيرُ الطَّمَعَ في قلوب، ويُهَيِّج الفتنةَ في قلوب، وأنَّ القلوب المريضة التي تُثَارُوتطمع موجودةٌ في كلِّ عهد، وفي كلِّ بيئة، وتجاه كلِّ امرأةٍ، ولو كانت هي زوْجَ النَّبيِّ الكريم، وأمَّ المؤمنين، وأنَّه لا طهارةَ من الدَّنَس، ولا تَخَلُّص من الرِّجس، حتَّى تَمْتَنِع الأسباب المثيرة من الأساس.
فكيْف بهذاالمجتمع الذي نعيش اليوم فيه، في عصرنا المريض الدَّنِس الهَابِط، الذي تَهِيجُ فيه الفتن،وتَثُورُ فيه الشهوات، وتَرِفُّ فيه الأطماع؟! كيف بنا في هذا الجوِّ الَّذي كلُّ شيء فيه يُثِيرُ الفِتنة، ويُهَيِّجُ الشَّهْوة، وينبِّه الغريزة، ويوقظ السُّعَار الجِنْسِيَّ المحموم؟! كيف بنا في هذا المجتمع، في هذا العصر، في هذا الجو، ونساء يَتَخَنَّثْنَ في نَبراتِهِنَّ، ويَتَمَيَّعْنَ في أصواتِهنَّ، ويَجمعنَ كلَّ فتنة الأنثى، وكل هتاف الجنْس، وكل سُعَارِ الشَّهْوَةِ، ثم يطلقْنَه في نبراتٍونغماتٍ؟!
وأين هنَّ من الطهارة؟! وكيف يُمكن أن يَرِفَّ الطُّهر في هذا الجوِّ المُلَوَّث، وَهُنَّ بذواتِهنَّ وحركاتِهنَّ وأصواتِهنَّ ذلك الرِّجس الذي يريد الله أن يُذْهِبَهُ عن عِبَادِهِ المُختارين؟!
{وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوْفًا}:
نَهاهنَّ من قبلُ عن النَّبْرَةِ الليِّنة، واللَّهجة الخاضعة، وأَمَرَهُنَّ في هذه أن يكون حديثُهنَّ في أمورٍ معروفة غير مُنْكَرَةٍ؛ فإنَّ موضوع الحديث قد يُطْمِع مثل لهْجة الحديث، فلا ينبغي أن يكونَ بين المرْأة والرَّجُل الغريب لحنٌ ولا إيماءٌ، ولا هَذَر ولا هزل، ولا دُعَابَة ولا مزاح؛ كي لا يكونَ مدخلاً إلى شيءٍ آخر وراءه من قريبٍ ولا بعيد".
وغير رقم هاتفها وكذلك الحساب الخاص بها على مواقع التواصل، وراقب تصرفاتها لمدة حتى تتأكد أنها قطعت علاقتها تمامًا، ولكن إن استمرت بعد ذلك في تلك العلاقة فيجب أن تخبر والديك،، والله أعلم.