أتوقف عن فعل العادة ثم أعود

منذ 2021-06-05
السؤال:

أمارس العادة السرية وتبت توقفت عن فعلها شهر كاملة وثم عدت إليها مرة أخرى أتوقف اسبوع واعود مرة أخرى ارجوكم ساعدوني

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فالتوبة النصوح من أوجب واجبات الشرع، ومن أجل الطاعات وأحبها إلى الله تعالى، ومن أجل هذا فإن الله سبحانه يفرح بتوبة عبده أعظم من فرح الواجد لراحلته في الأرض المهلكة، بعد اليأس منها، كما في الصحيح عن أبي هريرة، وعودة العبد للذنب بعد التوبة يدل على خلل في التوبة، كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (16/ 58) حيث قال:

"فالتوبة النصوح هي الخالصة من كل غش، وإذا كانت كذلك كائنة، فإن العبد إنما يعود إلى الذنب لبقايا في نفسه، فمن خرج من قلبه الشبهة والشهوة لم يعد إلى الذنب؛ فهذه التوبة النصوح، وهي واجبة بما أمر الله تعالى، ولو تاب العبد ثم عاد إلى الذنب قَبِلَ الله توبته الأولى، ثم إذا عاد استحق العقوبة، فإن تاب تاب الله عليه أيضًا، ولا يجوز للمسلم إذا تاب ثم عاد أن يصر، بل يتوب ولو عاد في اليوم مائة مرة؛ فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله يحب العبد المفتن التواب"، وفي حديث آخر: "لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار"، وفي حديث آخر: "ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم مائة مرة"". اهـ.

وجاء في "مدارج السالكين" (1/ 283-284) لابن القيم: "إنما يغفر للعبد إذا كان وقوع الذنب منه على وجه غلبة الشهوة وقوة الطبيعة، فيواقع الذنب مع كراهته له من غير إصرار في نفسه، فهذا ترجى له مغفرة الله وصفحه وعفوه؛ لعلمه تعالى بضفعه وغلبة شهوته له، وأنه يرى كل وقت ما لا صبر له عليه، فهو إذا واقع الذنب واقعه مواقعة ذليل خاضع لربه، خائف، مختلج في صدره شهوةُ النفس الذنب، وكراهةُ الايمان له، فهو يجيب داعي النفس تارة، وداعي الايمان تارات". اهـ.

أما وسائل الثبات على التوبة والتي تعين المسلم في الابتعاد عن تلك العادة المحرمة:

فمنها: صدق اللجوء إلى الله تعالى بالتوبة والعمل الصالح، والجد في الهرب إليه سبحانه، مع الضراعة والدعاء بالأدعية المأثورة: ((رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ هُدَايَ إِلَيَّ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي لَكَ شَاكِرًا، لَكَ ذَاكِرًا، لَكَ رَاهِبًا، لَكَ مِطْوَاعًا إِلَيْكَ، مُخْبِتًا، أَوْ مُنِيبًا، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي))، و((اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ))، و((اللَّهُمَّ اهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلاقِ؛ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، اصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا؛ لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ))، و((اللهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي))، و((اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر منيي)).

ومنها: الصبر عن المحرمات، وإن كانت النفس تشتهيها وتهواها؛ قال - تعالى -: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 33]؛ و"الاستعفاف" هو ترك المنهي عنه، وفي الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من يستعفِفْ يعفَّه الله، ومن يستغن يغنِهِ الله، ومن يتصبرْ يصبِّرْه الله، وما أُعْطِيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ من الصبر))، وتحقيق الصبر يحتاج إلى الاستعانة بالله، والمداومة على الأعمال الصالحة وأعظمها الصلاة، وكثرةُ الاستغفار والذِّكْر؛ قال الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]، "فإن الصلاة فيها دفع مكروه، وهو الفحشاء والمنكر، وفيها تحصيل محبوب، وهو ذكر الله"؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية.

ومنها: البُعْد عن دواعي المعصية وأسبابِها، وصرْف دواعي القلب، وقطع خطرات النفس، وترك التفكير في المثيرات، وصرف الفكر إلى ما ينفع، وتخفيف الشهوة بتَجفيف منابع المعصِية، بغض البصر، والبعد عن مشاهدة الأفلام والمسلسلات، وغير ذلك مما لا يجوز شرعًا، مع تجنب الوحدة، والاختلاط بالأهل، وأهل الصلاح.

ومنها: البعد عن قراءة القصص المثيرة للشهوة، والأخبار الهابطة؛ لأنها يثير من الغرائز الكامنة، وتؤجج من نيران الشهوة، كما أنه يكدر القلب.

ومنها، إدمان الصوم وسرده؛ وهذه وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم – حيث قال: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة، فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع، فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء))؛ متفق عليه.

ومنها: استشعار رقابة الله تعالى في جميع الشؤون؛ قال الله – تعالى -: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} [الحديد: 4]، وقال – تعالى -: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14].

ومنها: تقوية الخوف من الله - عزَّ وجلَّ – وذلك باستشعار عظمته تعالى، وأنه يعلمُ سرَّ العبد وجَهْرِه؛ فالخوف من الله هو الحاجز الصُلْب أمام دَفَعَات الهوى العنيفة، وقلَّ أن يثبَتَ غيرُ هذا الحاجز أمام دَفَعَات الهوى، كما قال صاحب "الظِّلال".

فصاحبُ الخوْف: يلتجئ إلى الهرب والإمساك؛ فمن علم أنَّ الحَفَظَة الكاتبين يراقبون أعماله، وأنَّه حيثما حلَّ مُتَابَعٌ، وأنَّ طريق الهروب من الله مسدودٌ، ولا حيلة له إلا الاستسلام والانقياد والإقبال على طاعة الله، والاستفادة من المهلة الممنوحة له؛ إذ لا يدري متى يتخطَّفه الموتُ، ويصير إلى ما قدَّم: : امتنع عن المعصية حياء من الله ولابد، وابتعد عن الغرور والأمن من مَكْرَ الله تعالى؛ قال عزَّ مِنْ قائل: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } [الأعراف:99].

قال ابنُ القيِّم كما في كتابه "مدارج السالكين"(1/ 507) وفي -معرض كلامه عن منزلة الخوف-: "وهي من أَجَلِّ منازل الطَّريق وأنفعها للقلب، وهي فرضٌ على كلِّ أحدٍ؛ قال اللهُ تعالى: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]، وقال تعالى: {فَإِيَّايَ فَارْهَبُون} [النور:51]، وقال: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْن} [المائدة: 44] ومدح أهله في كتابه وأثنى عليهم؛ فقال: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * َالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون:57-61].

وقال إبراهيم بن سفيان: "إذا سَكَنَ الخوفُ القلوبَ أحرقَ مواضعَ الشَّهوات منها، وطردَ الدُّنيا عنها". وقال ذو النُّون: "النَّاسُ على الطَّريق؛ ما لم يَزُلْ عنهم الخوفُ، فإذا زال عنهم الخوفُ؛ ضلُّوا عن الطَّريق". وقال أبو عثمان : "صدقُ الخوفِ هو الوَرَعُ عن الآثام، ظاهراً وباطناً". وسمعتُ شيخَ الإسلام ابن تيمية - قدَّس الله رُوحَه" يقول: "الخوفُ المحمودُ: ما حَجَزَكَ عن محارم الله". اهـ باختصار.

هذا؛ والله أعلم،،

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 12
  • 2
  • 6,503

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً