كيف نحمي أنفسنا من أذى الجن
الإسلام سؤال وجواب
- التصنيفات: - آفاق الشريعة -
أواجه مشاكل مع الجن. كنت ألاحظ الجن يظهر في أحوال مختلفة طوال أيام حياتي. ولم يحدث أن تضايقت منهم إلا في الآونة الأخيرة. لقد رأيت جنيا في أول أيام انتقالنا إلى شقتنا. وكان يحدث ذلك بين لحظة وأخرى حيث كنت أنتبه إلى أمور من هذا الجني أو حتى الجن (بالجمع) مثل أن الأبواب تفتح من تلقاء نفسها، وكنت أراهم، وأسمعهم ... الخ.
لكن يبدو أن الأمور بدأت تتغير بشكل كبير، حيث بدأت بعض الأعمال تتكرر بشكل يومي، وهذه الأمور تجعلني غير مرتاحة في بيتي لدرجة أني أصبحت لا أرغب في العيش في بيتي هذا بعد الآن.
الجني (أو الجن) يفتح الأبواب، يصرخ باسمي فأستيقظ من نومي مرتاعة، يطرق على بعض الأغراض، يظهر على صورة قط، يعبث بجهازي الكمبيوتر والهاتف، أنا أرى ظله .. إلى غير ذلك. الأمر غريب جدا.
أنا لست متأكدة حقا كيف أتصرف في مواجهة هذه المشاكل. أنا آمل أن انتقالي من هذا البيت سينهي المشكلة. لكن في الوقت الراهن، فقد حاولت قراءة سور البقرة والإخلاص والفلق والناس، وأيضا فأنا أشغل أشرطة قراءة القرآن في بيتي. إن تلك الأعمال تتوقف بمجرد أن أقوم بما ذكرت آنفا، وإذا توقفت عن القراءة فإن الجن يظهر من جديد ويعلمني بحضوره بطريقة ما (في أغلب الأوقات). أحيانا، يقفل جهاز تشغيل أشرطة الكاسيت ويعاد تشغيل جهاز الكمبيوتر في أثناء القراءة ... وقد وقع ذلك في مرارا.
كما أن الجن يظهرون كثيرا لي في أحلامي. أنا لا أعرف كيف أتخلص من هذا الوضع، لكني سأقدر لك كثيرا جوابك أو نصحك لي في هذا الخصوص، وأرجو أن يكون ذلك سريعا.
الحمد لله.
أولاً:
قول السائلة أنها رأت جنيّاً قولٌ خطأ ؛ لأن الجن يرى ولا يُرى من قبَل الناس.
قال الشافعي:
من زعم من أهل العدالة أنه يَرى الجن أبطلت شهادته لأن الله عز وجل يقول: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} إلا أن يكون نبيّاً. أحكام القرآن ( 2 / 195، 196 ).
وقال ابن حزم:
وأن الجن حق، وهم خلق من خلق الله عز وجل، فيهم الكافر والمؤمن، يروننا ولا نراهم، يأكلون وينسلون ويموتون. قال الله تعالى: {يا معشر الجن والإنس} وقال تعالى: {والجان خلقناه من قبل من نار السموم} وقال تعالى حاكيا عنهم أنهم قالوا {وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا} وقال تعالى: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} وقال تعالى: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني} وقال تعالى: {كل من عليها فان} وقال تعالى: {كل نفس ذائقة الموت …} المحلى ( 1 / 34 / 35 ).
ولهذا قد يكون ما رأته السائلة من الخيالات والتهيؤات، أو أنه جنٌّ قد تشكَّل على غير هيئته التي خلقه الله عليها.
ثانياً:
وأما بالنسبة لأذية الجني للإنسي فهي ثابتة وواقعة، وتكون الوقاية منه بالقرآن والأذكار الشرعيّة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
لا شك أن الجن لهم تأثير على الإنس بالأذية التي قد تصل إلى القتل، وربما يؤذونه يرمي الحجارة، وربما يروعون الإنسان، إلى غير ذلك من الأشياء التي ثبتت بها السنَّة ودلَّ عليها الواقع، فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذِن لبعض أصحابه أن يذهب إلى أهله في إحدى الغزوات - وأظنها غزوة الخندق - وكان شابّاً حديث عهدٍ بعُرس، فلمَّا وصل إلى بيته وإذا امرأته على الباب، فأنكر عليها ذلك، فقالت له: ادخل فدخل فإذا حيَّة ملتوية على الفراش، وكان معه رمح فوخزها بالرمح حتى ماتت، وفي الحال - أي: الزمن الذي ماتت فيه الحيَّة - مات الرجل، فلا يدرى أيهما أسبق موتاً الحية أم الرجل، فلمَّا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجِنّان التي تكون في البيوت إلا الأبتر وذا الطُّفيتين.
وهذا دليل على أن الجن قد يعتدون على الإنس، وأنهم قد يؤذونهم، كما أن الواقع شاهدٌ بذلك، فإنه قد تواترت الأخبار واستفاضت بأن الإنسان قد يأتي إلى الخربة فيرمي بالحجارة وهو لا يرى أحداً من الإنس في هذه الخِربة، وقد يسمع أصواتاً وقد يسمع حفيفاً كحفيف الأشجار وما أشبه ذلك مما يستوحش به ويتأذى به، وكذلك أيضاً قد يدخل الجني إلى جسد الآدمي إما بعشق أو بقصد الإيذاء أو لسبب آخر من الأسباب، ويشير إلى هذا قوله تعالى {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}.
وفي هذا النوع قد يتحدث الجني من باطن الإنسي نفسه ويخاطب من يقرأ عليه آيات من القرآن الكريم، وربما يأخذ القارئ عليه عهداً أن لا يعود، إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة التي استفاضت بها الأخبار وانتشرت بين الناس.
وعلى هذا فإن الوقاية المانعة من شر الجن أن يقرأ الإنسان ما جاءت به السنَّة مما يتحصن به منهم مثل آية الكرسي، فإن آية الكرسي إذا قرأها الإنسان في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح، والله الحافظ.
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ( 1 / 287، 288 ).
وقد جاء في السنَّة أذكار يعتصم بها الإنسان من الشياطين ومنها:
الاستعاذة بالله من الجن.
قال تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم}، وفي موضع آخر: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم}.
عن سليمان بن صرد: أن رجلين استبَّا عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى احمرَّ وجه أحدهما فقال صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم». (رواه البخاري ( 3108 ) ومسلم ( 2610 ).
2. قراءة المعوذتين.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما.
رواه الترمذي ( 2058 ) وقال: حسن غريب، والنسائي ( 5494 ) وابن ماجه ( 3511 ).
والحديث: صححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع ( 4902 ).
3. قراءة آية الكرسي.
عن أبي هريرة قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أعلمك كلمات ينفعك الله بهن قلت: ما هي ؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ هذه الآية: الله لا إله إلا هو الحي القيوم ... حتى ختم الآية فإنه لن يزال عليك حافظ من الله تعالى ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما فعل أسيرك الليلة» ؟ قلت: يا رسول الله علَّمَني شيئاً زعم أن الله تعالى ينفعني به، قال: «وما هو» ؟ قال: أمرني أن أقرأ آية الكرسي إذا أويت إلى فراشي، زعم أنه لا يقربني حتى أصبح، ولا يزال عليَّ من الله تعالى حافظ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما إنه قد صدقك وهو كذوب، ذاك الشيطان». (رواه البخاري ( 3101 ).
4. قراءة سورة البقرة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، وإن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة». (رواه مسلم ( 780 ).
5. خاتمة سورة البقرة.
عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه». (رواه البخاري ( 4723 ) ومسلم ( 807 ).
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، ولا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقر بها شيطان». (رواه الترمذي ( 2882 ).
والحديث: صححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع ( 1799 ).
6. لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير مائة مرة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حِرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك». (رواه البخاري ( 31119 ) ومسلم ( 2691 ).
7. كثرة ذكر الله عز وجل.
عن الحارث الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى أمر يحيى بن زكريا عليه السلام بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها...، وآمركم أن تذكروا الله تعالى، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعا حتى إذا أتى على حصن حصين فأَحْرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى....» (الحديث).
رواه الترمذي ( 2863 ) وقال: حسن صحيح.
والحديث: صححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع ( 1724 ).
الشُّرف: المكان المرتفع.
ورِق: فضة.
أحرز: حمى ومنع.
8. الآذان:
عن سهيل بن أبي صالح أنه قال: أرسلني أبي إلى بني حارثة ومعي غلام لنا أو صاحب لنا، فناداه مناد من حائط باسمه، وأشرف الذي معي على الحائط فلم ير شيئا، فذكرت ذلك لأبي، فقال: لو شعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك، ولكن إذا سمعت صوتا فناد بالصلاة، فإني سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الشيطان إذا نودي بالصلاة ولَّى وله حُصاص» . (رواه مسلم ( 389 ).
حُصاص: ضُراط، أو العَدو الشديد.
9. قراءة القرآن تعصم من الشياطين.
قال تعالى: «وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً».
والله أعلم.