السعادة المنشودة
منذ 2012-12-05
تكلم فضيلة الشيخ حفظه الله عن حال العبد في الدنيا ,وهل السعادة في تحصيل المال والجاه أم أن هناك طرقا أخرى للوصول لهذه الغاية المنشودة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 16 محرم 1434هـ
السعادة المنشودة
خطبة الجمعة 16 محرم 1434هـ
السعادة المنشودة
إِنَّ الحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لهُ .
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ -وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ-.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ? [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا? [النساء:1].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا? [ الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تعَالَى، وَخيرَ الهَدْيِ
<الهَدْي: السيرة والهيئة والطريقة.> هَدْيُ مُحَمَّدٍ ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَة. ثم أما بعد
أيها الأحباب سؤال دائمًا يسأله بعضنا لبعض، أو ربما سؤال نُسَائل دائمًا به النفس، هل وجدتَ السعادة؟ أو هل وجدنا السعادة؟ أو هل وجدتُ أنا السعادة؟ الجواب يختلف من شخص إلى شخص، ومن فئة إلى فئة، ومن جماعة إلى جماعة، ولكن الكل يتفق على أنه يبحث عن السعادة، ويريدها ربما يراها يومًا ولا يراها أيامًا، وربما يبحث عنها فلا يجد لها إلا السراب
.
والسعادة في مفهوم الناس تختلف، والغالب يرى أن السعادة في لذائذ الدنيا ونعيمها، ومن ثم أوتى الغالب، وهلك من هلك، ومضت الأيام والسنون وهو يلهث، يبحث عن السعادة، يراها يومًا ويحرم منها أيامًا، وهذا يتفق فيه الغني والفقير، والمالك والمملوك، والرئيس والمرؤوس، الأعلى والأدنى، كأن الكل يبحث عن سراب، حتى إذا مضى العمر وولت الأيام وسألت صاحب المال وصاحب الجاه وصاحب الملك ومن جمع الدنيا، هل وجدتَ السعادة؟ فيقول لا.
سئل الفضيل رجلًا قال كم عمرك؟ قال: ثمانون سنة، فقال سبحان الله منذ ثمانين سنة وأنت تسير إلى الله عز وجل، فكأن السؤال أبهت هذا الرجل وأدهشه، فقال الرجل المسن الذي بلغ الثمانين من العمر: إنا لله وإنا إيه راجعون، فقال له الفضيل: من علم أنه لله -أنه عبد- وأنه إليه راجع -أي لآبد أن يلتقي بالملك- فلابد أن يعد للسؤال جوابًا، ولآبد أن ينظر منازله، فقال الرجل: وما السبيل؟ وما هي الحيلة وقد بلغت من العمر ثمانين سنة؟ فقال الفضيل -عالم رباني أدرك ووصل إلى معنى السعادة- فقال: أصلح فيما بقي يغفر لك ما مضى، وإن أسئت جمع لك إساءت ما مضى على ما بقي.
سئل الفضيل رجلًا قال كم عمرك؟ قال: ثمانون سنة، فقال سبحان الله منذ ثمانين سنة وأنت تسير إلى الله عز وجل، فكأن السؤال أبهت هذا الرجل وأدهشه، فقال الرجل المسن الذي بلغ الثمانين من العمر: إنا لله وإنا إيه راجعون، فقال له الفضيل: من علم أنه لله -أنه عبد- وأنه إليه راجع -أي لآبد أن يلتقي بالملك- فلابد أن يعد للسؤال جوابًا، ولآبد أن ينظر منازله، فقال الرجل: وما السبيل؟ وما هي الحيلة وقد بلغت من العمر ثمانين سنة؟ فقال الفضيل -عالم رباني أدرك ووصل إلى معنى السعادة- فقال: أصلح فيما بقي يغفر لك ما مضى، وإن أسئت جمع لك إساءت ما مضى على ما بقي.
أيها الحبيب السعادة المنشودة أن تعرف ربك، أن يجد قلبُك اللهَ عز وجل، فهل وجدت قلبك؟ هل وجد قبُك اللهَ عز وجل بصدق، فأحببت ربك بصدق، فإذا بجوارحك تعمل لله عز وجل لا تكل ولا تمل، بل ترى أن أعظم سعادة وأن أعظم لذة في القرب من الله سبحانه وتعالى، كلما اشتدت متاعبك وجمعت عليك هموم الدنيا وأنت قائم قانت لله عز وجل كل هذه الهموم تذوب في لحظة قرب من الله عز وجل، فإنه لا حياة لقلبك إلا بالله.
ربك تبارك وتعالى خلقك له، فأنت عبد لواحد -لله عز وجل- فإن شتت قلبك مع غير الله عز وجل هلكت، لن ترى سعادة قط أبدًا، إنما هي سعادة كالمخدر، كالبنج الموضعي، نرى أن أعلى نِسَب تسعى في غياب العقل هم الأغنياء، هم الملوك، هم الطبقة العليا، يشربون الخمور ويتعالجون بالمخدرات، لماذا؟ يريدون أن يطفئوا نارًا تلظى في قلوبهم، جمعوا المال وما وجدوا السعادة، نالوا المناصب والجاه وما وجدوا السعادة، طنطنت لهم الدنيا وما وجدوا السعادة.
إذًا ما هو السبيل؟ هو الخروج من الواقع بشرب الخمور وتعاطي المخدرات، بل أحدهم لا يستطيع أن ينام من الهموم والغموم التي تتثاقل على قلبه، رغم أن الدنيا بين يديه، ترى الفقير المسكين ربما يفترش الأرض ويلتحف السماء، ربما تراه في البرد الشديد ينظر إلى زاوية أو جانب من الأرض فينام هانئ البال مستريح، بينما ترى حال هؤلاء ضنك وبلاء ومحن وفتن.
إذًا السعادة محددة {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)}.[الرعد]. لا حياة لقلبك إلا الله.
هل وجدت قلبك؟ بمعنى هل ترى أن ألذ الطاعات والقربات هو السير إلى رب البريات؟ هل ترى قلبك خاويًا فارغًا إلا من الله عز وجل، إن كان نعم فهنيئًا لك، وإن كان لا فراجع نفسك قبل فوات الوقت ومرور الزمان وانقضاء العمر، والإقبال على طريق نهايته إما جنة وإما نار.
أيها الحبيب السعادة في ذكر، في صلاة في بر، في طاعة في قربة، قد ترى السعادة مرة وأنت تصلي وتحرم من هذه السعادة بعد الصلاة مباشرة، قد ترى السعادة في يوم من الأسبوع كيوم الجمعة أو غيره ولكن قد تحرم من هذه السعادة باقي الأسبوع، قد ترى السعادة في شهر كرمضان ثم تحرم من هذه السعادة باقي العام، وربما نسمع عن أقوام ما عرفوا معنى السعادة قط.
إذًا لآبد من قضية لآبد أن يقف أمامها العبيد، أن نقف أمام هذه القضية أنه لا سبيل ولا نجاة إلا بالقرب من الله عز وجل، هو طريق السعادة، وربنا تبارك وتعالى جعل أيسر الأبواب كل الأبواب الموصلة إلى الله عز وجل تجلب لك السعادة، كل الأبواب.
نرى بابًا من أيسر وأسها الأبواب باب ذكر الله عز وجل {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}. فجعل ربنا تبارك وتعالى الطمئنينة في ذكر الملك، في اللجئ والملاذ به سبحانه وتعالى والملاذ إليه، ومن ثم إذا لآزم العبد الذكر اطمئن قلبه، قد نصلي الصلوات وهي ذكر ولكن بعد الصلوات قد يغفل القلب، غفلة القلب هي سبب من أسباب موته، ألا ترون أن العبد قبل الصلاة وبعد الصلاة ربما لا يتغير الحال، ترى أن الحال قبل الصلاة غفلة وبعد الصلاة غفلة لماذا؟ لأن هناك ركام من الذنوب والآفات على القلوب، فما أزالتها الصلاة {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}.[العنكبوت: 45]. فإذا بالفحشاء قائمة وإذا بالمنكر ما زال.
ومن ثم كان علينا أن نراجع أمر قلوبنا روى الإمام مسلم عن حُذَيْفَة: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا" والفتن المعاصي، والمعاصي لا تهجم على قلب عبد دفعة قط أبدًا، لأن الإنسان بطبعه حذر مما يخاف أما سمعتم نداء رب العزة تبارك وتعالى: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}.[البقرة: 168].فالشيطان يريد أن يدفع العبد دفعًا إلى النار، يريد من العبد أن يأتي جميع الذنوب والمعاصي والآفات، وعلى الرغم من هذا لا يدفعه دفعًا قط، إنما هي خطوات {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} خطوة بعد خطوة حتى يصل العبد إلى الانزلاق، فإذا انزلق في معصية ما قلَّ أن يرجع منها، تصبح المعاصي عادات، آفة في القلب لا تزول إلا برحمة من الله عز وجل.
فمن ثم كان لزامًا على العبد أن يعتصم "تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا" قبلها "نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ" هناك مدافعة بينك وبين نفسك، إن أعظم بلية وأعظم رزية أن نفسك هي عدوك، أعظم عدو لك نفسك، بل قد تكون أشد عليك من الشيطان.
فمن ثم كان لزامًا على العبد أن ينظر في محاور أعدائه من أعدائك؟ أولها نفسك {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}.[يوسف: 53]. كم من أقوام يسيرون في معاصي الله عز وجل ولا يرجعون، ويموتون على هذا، لماذا؟ لأن النفس غلبت، فلزامًا على العبد أن يصارع نفسه، فإن صرعها وقهرها دانت له، فصار عبد الله عز وجل، صراع مصارعة، ذنوب تأتي، قلب يدفع وقلب يقبل، فالقلب الذي يدفع نجا، والقلب الذي يقبل هلك.
"
ربك تبارك وتعالى خلقك له، فأنت عبد لواحد -لله عز وجل- فإن شتت قلبك مع غير الله عز وجل هلكت، لن ترى سعادة قط أبدًا، إنما هي سعادة كالمخدر، كالبنج الموضعي، نرى أن أعلى نِسَب تسعى في غياب العقل هم الأغنياء، هم الملوك، هم الطبقة العليا، يشربون الخمور ويتعالجون بالمخدرات، لماذا؟ يريدون أن يطفئوا نارًا تلظى في قلوبهم، جمعوا المال وما وجدوا السعادة، نالوا المناصب والجاه وما وجدوا السعادة، طنطنت لهم الدنيا وما وجدوا السعادة.
إذًا ما هو السبيل؟ هو الخروج من الواقع بشرب الخمور وتعاطي المخدرات، بل أحدهم لا يستطيع أن ينام من الهموم والغموم التي تتثاقل على قلبه، رغم أن الدنيا بين يديه، ترى الفقير المسكين ربما يفترش الأرض ويلتحف السماء، ربما تراه في البرد الشديد ينظر إلى زاوية أو جانب من الأرض فينام هانئ البال مستريح، بينما ترى حال هؤلاء ضنك وبلاء ومحن وفتن.
إذًا السعادة محددة {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)}.[الرعد]. لا حياة لقلبك إلا الله.
هل وجدت قلبك؟ بمعنى هل ترى أن ألذ الطاعات والقربات هو السير إلى رب البريات؟ هل ترى قلبك خاويًا فارغًا إلا من الله عز وجل، إن كان نعم فهنيئًا لك، وإن كان لا فراجع نفسك قبل فوات الوقت ومرور الزمان وانقضاء العمر، والإقبال على طريق نهايته إما جنة وإما نار.
أيها الحبيب السعادة في ذكر، في صلاة في بر، في طاعة في قربة، قد ترى السعادة مرة وأنت تصلي وتحرم من هذه السعادة بعد الصلاة مباشرة، قد ترى السعادة في يوم من الأسبوع كيوم الجمعة أو غيره ولكن قد تحرم من هذه السعادة باقي الأسبوع، قد ترى السعادة في شهر كرمضان ثم تحرم من هذه السعادة باقي العام، وربما نسمع عن أقوام ما عرفوا معنى السعادة قط.
إذًا لآبد من قضية لآبد أن يقف أمامها العبيد، أن نقف أمام هذه القضية أنه لا سبيل ولا نجاة إلا بالقرب من الله عز وجل، هو طريق السعادة، وربنا تبارك وتعالى جعل أيسر الأبواب كل الأبواب الموصلة إلى الله عز وجل تجلب لك السعادة، كل الأبواب.
نرى بابًا من أيسر وأسها الأبواب باب ذكر الله عز وجل {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}. فجعل ربنا تبارك وتعالى الطمئنينة في ذكر الملك، في اللجئ والملاذ به سبحانه وتعالى والملاذ إليه، ومن ثم إذا لآزم العبد الذكر اطمئن قلبه، قد نصلي الصلوات وهي ذكر ولكن بعد الصلوات قد يغفل القلب، غفلة القلب هي سبب من أسباب موته، ألا ترون أن العبد قبل الصلاة وبعد الصلاة ربما لا يتغير الحال، ترى أن الحال قبل الصلاة غفلة وبعد الصلاة غفلة لماذا؟ لأن هناك ركام من الذنوب والآفات على القلوب، فما أزالتها الصلاة {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}.[العنكبوت: 45]. فإذا بالفحشاء قائمة وإذا بالمنكر ما زال.
ومن ثم كان علينا أن نراجع أمر قلوبنا روى الإمام مسلم عن حُذَيْفَة: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا" والفتن المعاصي، والمعاصي لا تهجم على قلب عبد دفعة قط أبدًا، لأن الإنسان بطبعه حذر مما يخاف أما سمعتم نداء رب العزة تبارك وتعالى: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}.[البقرة: 168].فالشيطان يريد أن يدفع العبد دفعًا إلى النار، يريد من العبد أن يأتي جميع الذنوب والمعاصي والآفات، وعلى الرغم من هذا لا يدفعه دفعًا قط، إنما هي خطوات {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} خطوة بعد خطوة حتى يصل العبد إلى الانزلاق، فإذا انزلق في معصية ما قلَّ أن يرجع منها، تصبح المعاصي عادات، آفة في القلب لا تزول إلا برحمة من الله عز وجل.
فمن ثم كان لزامًا على العبد أن يعتصم "تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا" قبلها "نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ" هناك مدافعة بينك وبين نفسك، إن أعظم بلية وأعظم رزية أن نفسك هي عدوك، أعظم عدو لك نفسك، بل قد تكون أشد عليك من الشيطان.
فمن ثم كان لزامًا على العبد أن ينظر في محاور أعدائه من أعدائك؟ أولها نفسك {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}.[يوسف: 53]. كم من أقوام يسيرون في معاصي الله عز وجل ولا يرجعون، ويموتون على هذا، لماذا؟ لأن النفس غلبت، فلزامًا على العبد أن يصارع نفسه، فإن صرعها وقهرها دانت له، فصار عبد الله عز وجل، صراع مصارعة، ذنوب تأتي، قلب يدفع وقلب يقبل، فالقلب الذي يدفع نجا، والقلب الذي يقبل هلك.
"
فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ" صراع في نفسك بين حق وبين باطل "حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ" دافع حتى نجا، علم أن هلاكه على يد نفسه فأذلها وكسرها حتى دانت له، فانتصر عليها، وقلب هُزم، صار أسيرًا لشهوة عبد لشبهة، يسير حيثما أرادت نفسه، غاب عنه الشرع، وغاب عنه الدين وتأول فهلك.
"
حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ" سُدَّ القلب فلا مسام يتنفس منها "وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ" < مسلم (144) >الذي يحركه نفسه الشقية التي عبدت الهوى، فصار عبد لنفس دنية أهلكته.
أيها الحبيب إن غالب الناس ينظرون إلى متاع الدنيا، المُنعَّم فيها هو السعيد، والمتعب فيها الذي يتعنى هو الشقي، وهذا مقياس باطل، مقياس من لا عقل له، لأن الدنيا ليست بدار مقام ولا بدار بقاء، إنما العباد منها راحلون، وهي زائلة، ولن تكون هناك سعادة إلا آخروية -الجنة- ألا ترون حال أهل الجنة لما دخلوا الجنة بعد عناء، الكل يراهم أشقياء، الكل يراهم تعساء، ينظر إليهم بنظرة أنهم فقراء محرومون تعبوا وتعنوا ولكن لله عز وجل، ضيقوا على أنفسهم ولكن لله عز وجل، لما حطوا برحالهم الجنة وأسبغ الله عليهم من فضله {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)}.[فاطر]. نصب الدنيا زال عند أول سكرة للموت، نصب الدنيا زال حينما يرى العبد نفسه على أبواب الجنة {الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}.
أيها الحبيب تأمل حال إبراهيم عليه السلام حال عجيب متفرد في زمان، زمان بغي، زمان جبروت، ورغم هذا أنكر على قومه، إن من أعمل عقله لآبد أن يعرف الله عز وجل، ومن عرف الله عز وجل لآبد أن يسير إليه منطلقًا مسرعًا، كيف يعرف العبد ربه ولا يعبده؟! كيف يعرف العبد ربه ولا يسير إليه؟! غافل لاهي، ثم ماذا؟ الموت، يأتي بغتة {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ}. سكرة {ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)}.[ق].
الكل يحيد عن الموت لا يذكره، وإن ذكره عند النداء على الأموات أو عند تشيع جنازة، أما أن يذكر الموت ويعلم أنه راحل قلَّ من يتفطن لهذا، لأن الكل يحب أن يسعى إلى متاع زائل، مفرق للقلب.
إبراهيم عليه السلام تفرد ناظره النمرود فأقام عليه الحجج، فإذا بالملك الظالم يأمر بحرق إبراهيم، يلقى في النار، تكون النار عليه بردًا وسلامًا، ثابت مطمئن، علم الله، ومن علم أن له إلهًا عز، مهما اجتمع عليه من الخلق، عز، ألقي في النار، قال عز وجل: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)}.[الأنبياء]. خرج من النار ورأه الناس جميعًا وما تابعه واحد، واحد، حتى الأب الذي هو أقرب إلى الولد لما رأى الآية قال: يا إبراهيم ما أعظم إلهك، إلهك عظيم وما تابعه، إلا في يوم القيامة، يلقى إبراهيم أباه أذر وعلى وجه أبيه قترة ذل وصغار، فيقول إبراهيم لأبيه ألم أقل لك أن لا تشرك بالله شيئًا، فقال يا إبراهيم أما الأن فلن أشرك بالله شيئًا، عاين ورأى بعد غفلة وسواد وطمس على القلب في الدنيا.
فتوجه إبراهيم إلى رب العزة في كبريائه وعظمته رب ألم تعدنى أن لا تخزني يوم يبعثون، وأي خزي أعظم أو أبعد من خزي أبي الأبعد أن يدخل النار، فيقول له الله عز وجل: يا إبراهيم إن حرمت الجنة على الكافرين، حتى ولو كان أبو النبي إبراهيم الخليل، لا محاباة بين الخلق، رب كريم جواد، أسبغ نعمه على جميع الخلق ليعبدوه، فعبدوا غيره وشكروا سواه، جحود، إني حرمت الجنة على الكافرين، إبراهيم يرى حال أبيه في خزي وصغار وهو في أرض المحشر، يدنو أن يلقى في النار، فيقول الرب تبارك وتعالى لإبراهيم عليه السلام: يا إبراهيم انظر إلى أبيك، فينظر إلى أبيه فيتحول إلى ذيخ ضبع أي ذكر ضبع متلطخ بعذرته، ببرازه أعزكم الله، ثم يأخذ بقوائمه الأربع ويلقى في النار، انتهى.
تفرد إبراهيم عليه السلام حتى صار أمة، كان من تابعه في زمانه نبي، من تابعه على ما هو عليه نبي، قال عز وجل: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ}.[العنكبوت: 26]. واحد وصار نبيًا.
إن الدنيا مزالق ومضائق، السعيد فيها من عرف الله بلا اتكاء، السعيد فيها من نجا بلا خوف من أحد، السعيد من عرف الله عز وجل وسار وانطلق إليه بقلبه قبل جوارحه، الجوارح هي تابعة للقلب إن تحرك القلب إلى الله عز وجل فلا تسل عن سعادة العبد، كحال الأول:
وكلهم بات بالقرآن مندمجاً ... كأنه الدم يسري في خلاياه .
فالأذن سامعة والعين دامعة ... والنفس خاشعة والقلب أواه.
هذا كان حالهم مع القرآن، كان حالهم مع القيام مع الصيام مع الذكر.
أيها الحبيب السعادة ليست بعيدة عن قلب الإنسان، السعادة قريبة في قرب من الله عز وجل، في ذكر في صلاة في أعمال بر، في يقين، أن تعلم أن لك رب بيده مقليد السموات والأرض، أمره إن شاء أو أراد كن فيكون، والعباد جميعًا في قبضته، لا يملك أحدهم لنفسه ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، فالأمر لله من قبل ومن بعد.
ومن ثم حينما وثق المسلمون بهذا الإله العظيم أغناهم، أعني أغناهم بالنفس، ملكوا الدنيا وهي تحت أرجلهم ولما حرموا من الدنيا علموا أن هناك دار هي أفضل من الدنيا -الجنة- جمعوا بين خيرين، بين صبر على بلاء، وشكر على نعماء، عاش أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في شدة، كان أحدهم لا يجد حبيبات القمح أو الشعير، إنما هي حفن توضع ويسف منها القليل بعد القليل.
لما خرج أبو عبيدة بن الجراح في سرية كان معهم جراب تمر، كان كل مقاتل بتمرتين، فلما خاف القائد أن تقل أعطي لكل مجاهد تمرة، فلما نفد التمر أخذوا النوى، كل يضع النوى تحت لسانه يمصه، حتى يجرى الريق، يقول جابر بن عبد الله: فما وجدنا حلاوة التمر إلا بعد نفاده.
لما فتحت الدنيا وملكوا الأرض ترى عمر بن الخطاب، الدنيا تحت يديه وتحت قدميه ولا يأكل إلا خشن العيش، ولا يلبس إلا خشن الثياب:
يا من يرى عمر تكسوه بردته ... والزين أدم له والكوخ مأواه.
يهز كسرى على كرسيه فرق منه... وملوك الروم تخشاه
عودوا إلى ربكم واستغفروه ......
إبراهيم عليه السلام تفرد ناظره النمرود فأقام عليه الحجج، فإذا بالملك الظالم يأمر بحرق إبراهيم، يلقى في النار، تكون النار عليه بردًا وسلامًا، ثابت مطمئن، علم الله، ومن علم أن له إلهًا عز، مهما اجتمع عليه من الخلق، عز، ألقي في النار، قال عز وجل: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)}.[الأنبياء]. خرج من النار ورأه الناس جميعًا وما تابعه واحد، واحد، حتى الأب الذي هو أقرب إلى الولد لما رأى الآية قال: يا إبراهيم ما أعظم إلهك، إلهك عظيم وما تابعه، إلا في يوم القيامة، يلقى إبراهيم أباه أذر وعلى وجه أبيه قترة ذل وصغار، فيقول إبراهيم لأبيه ألم أقل لك أن لا تشرك بالله شيئًا، فقال يا إبراهيم أما الأن فلن أشرك بالله شيئًا، عاين ورأى بعد غفلة وسواد وطمس على القلب في الدنيا.
فتوجه إبراهيم إلى رب العزة في كبريائه وعظمته رب ألم تعدنى أن لا تخزني يوم يبعثون، وأي خزي أعظم أو أبعد من خزي أبي الأبعد أن يدخل النار، فيقول له الله عز وجل: يا إبراهيم إن حرمت الجنة على الكافرين، حتى ولو كان أبو النبي إبراهيم الخليل، لا محاباة بين الخلق، رب كريم جواد، أسبغ نعمه على جميع الخلق ليعبدوه، فعبدوا غيره وشكروا سواه، جحود، إني حرمت الجنة على الكافرين، إبراهيم يرى حال أبيه في خزي وصغار وهو في أرض المحشر، يدنو أن يلقى في النار، فيقول الرب تبارك وتعالى لإبراهيم عليه السلام: يا إبراهيم انظر إلى أبيك، فينظر إلى أبيه فيتحول إلى ذيخ ضبع أي ذكر ضبع متلطخ بعذرته، ببرازه أعزكم الله، ثم يأخذ بقوائمه الأربع ويلقى في النار، انتهى.
تفرد إبراهيم عليه السلام حتى صار أمة، كان من تابعه في زمانه نبي، من تابعه على ما هو عليه نبي، قال عز وجل: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ}.[العنكبوت: 26]. واحد وصار نبيًا.
إن الدنيا مزالق ومضائق، السعيد فيها من عرف الله بلا اتكاء، السعيد فيها من نجا بلا خوف من أحد، السعيد من عرف الله عز وجل وسار وانطلق إليه بقلبه قبل جوارحه، الجوارح هي تابعة للقلب إن تحرك القلب إلى الله عز وجل فلا تسل عن سعادة العبد، كحال الأول:
وكلهم بات بالقرآن مندمجاً ... كأنه الدم يسري في خلاياه .
فالأذن سامعة والعين دامعة ... والنفس خاشعة والقلب أواه.
هذا كان حالهم مع القرآن، كان حالهم مع القيام مع الصيام مع الذكر.
أيها الحبيب السعادة ليست بعيدة عن قلب الإنسان، السعادة قريبة في قرب من الله عز وجل، في ذكر في صلاة في أعمال بر، في يقين، أن تعلم أن لك رب بيده مقليد السموات والأرض، أمره إن شاء أو أراد كن فيكون، والعباد جميعًا في قبضته، لا يملك أحدهم لنفسه ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، فالأمر لله من قبل ومن بعد.
ومن ثم حينما وثق المسلمون بهذا الإله العظيم أغناهم، أعني أغناهم بالنفس، ملكوا الدنيا وهي تحت أرجلهم ولما حرموا من الدنيا علموا أن هناك دار هي أفضل من الدنيا -الجنة- جمعوا بين خيرين، بين صبر على بلاء، وشكر على نعماء، عاش أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في شدة، كان أحدهم لا يجد حبيبات القمح أو الشعير، إنما هي حفن توضع ويسف منها القليل بعد القليل.
لما خرج أبو عبيدة بن الجراح في سرية كان معهم جراب تمر، كان كل مقاتل بتمرتين، فلما خاف القائد أن تقل أعطي لكل مجاهد تمرة، فلما نفد التمر أخذوا النوى، كل يضع النوى تحت لسانه يمصه، حتى يجرى الريق، يقول جابر بن عبد الله: فما وجدنا حلاوة التمر إلا بعد نفاده.
لما فتحت الدنيا وملكوا الأرض ترى عمر بن الخطاب، الدنيا تحت يديه وتحت قدميه ولا يأكل إلا خشن العيش، ولا يلبس إلا خشن الثياب:
يا من يرى عمر تكسوه بردته ... والزين أدم له والكوخ مأواه.
يهز كسرى على كرسيه فرق منه... وملوك الروم تخشاه
عودوا إلى ربكم واستغفروه ......
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العلمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله
عباد الله السعادة أن تقف بين يدي الله عز وجل تبكي وتناجيه، هنيئًا لك يا ابن آدم لك رب كريم، ليس بينك وبينه بوابين، إلا أن تتوضئ وتنزل إلى المسجد فتقف بين يديه، فتدعوه فيستجيب لك {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.[غافر: 60].
أيها الحبيب إن السعادة في الطاعة وفي القرب من الله سبحانه، ربما ترى نفسك شقيًا تعيسًا قد أضنت بك الدنيا وأشقتك وأهلكتك، وهذه قد تكون علامة خير إن كنت مع الله عز وجل، أما إن ابتعدت عن الملك فليس إلا شتات القلب.
يذكر لنا التاريخ حال راهب من هو؟ لا نعرفه، راهب كان في مملكة أعلن فيها الملك الكفر، بل ادع أنه إله، وعبده الجميع من دون الله، خرج هذا الراهب إلى جبل من الجبال، آثر الصبر على مر الدنيا ولا الشقوة في ظل الملك الظالم الكافر، فقعد في جبل قريب منه ماء يشرب منه، ويأكل مما يجد من الشجر، إلى أن توافيه المنية، فإذا بهذا الملك كان له ساحر ظالم باغي مجرم كان يضلل على الناس أمرهم، فإذا بالملك يرى أن الساحر قد هرم بلغ من العمر ما بلغ وخرف، فأراد أن يستبدله بآخر فبحث في مملكته فإذا هو بغلام ذكي، جيئ بهذا الغلام من بين ألاف من الغلمان، فطن ذكي لا يصلح إلا هو لأن يكون هو ذراع الملك في تضليل أمته، فأرسل هذا الغلام ليتعلم عند هذا الساحر.
ذهب هذا الغلام لهذا الساحر ليتعلم منه كان فرحًا، كان رأسًا من الرؤوس، إن دخل على الملك بلا إذن، بخلاف غيره من رعاع أمته، بلا إذن، فكان يذهب إلى الساحر ويعود إلى الملك، ثم يرجع إلى أهله، فبينما هو يومًا يسير في الطريق إذا هو بصوت من غار بعيد، كأنه صوت مناجاة، صوت عجيب فيه حنين فيه رقة، فتعجب الغلام من هذا الصوت وظل يدنو ويدنو حتى اقترب من الغار، فإذا هو بشيخ كبير قد بلغ من العمر ما بلغ، يدعو ويذكر الله عز وجل، سأله الغلام من أنت؟ قال: رجل، ما الذي أجلسك هنا؟ قال: فرارًا من الملك، قال: الملك فلان؟ قال: نعم، قال إنه ربي -أي رب الغلام- وهو يعلموني حتى أكون ساحره، فقال: يا بني إنه كافر، وإنه ظالم وإنه باغي، وإياك أن تسير في الطريق الذي أرادك إليه فتهلك.
حدث عند الغلام رعدة، وخوف وفزع، قال: ملكي وإلهي تعيبه؟ فهزه الراهب هزة، وصلت إلى القلب، إن الذي يملك السموات والأرض الله الملك، أما ملكك لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، سرعان ما آمن الغلام، وجد السعادة بمجرد أن آمن بهذا الرجل الفار الذي في شعب من الشعاب أو على شظية جبل، يعيش في العراء، ذاق لذة، ولكن هناك صراع بين المُلك أن يكون مع الملك، وبين هذا الرجل الفقير الذي لا يملك من حطام الدنيا شيئًا إلا العراء، تمضي الأيام والغلام يتأثر بالراهب.
فإذا به يريد أن يجعل اختبارًا لنفسه، كل منا يحتاج أن يعرض قلبه على الله عز وجل أصادق أم كاذب؟ فعل الغلام هذا عرض قلبه على الله عز وجل، في مرة رأى دابة عظيمة قد سدت على الناس الطريق، فأخذ حجرًا وقال: أنظر الأن أمر الراهب أعظم أم أمر الساحر، وألقى بالحجر فإذا به يصيب الدابة وتتنحى عن الطريق، علم أن أمر هذا العابد أعظم عند الله عز وجل من أمر هذا الملك الظالم.
وكان من قصة هذا الغلام ما أن أيقظ الله به أمة، حتى قتل وآمن أهل بلد هذا الملك عن بكرة أبيهم، وما بقي معه إلا الأشقياء، من صاحب هذه القصة، من هو رأسها، إنه هذا الراهب، هذا العابد الذي اعتزل الشر وجلس في شظية جبل فساق الله إليه صيدًا ثمينًا، غلامًا يعده الملك ليكون في منصب أعلى من سلطة الملك، فإذا بهذا الغلام يدل الناس جميعًا على الخير ويؤمنوا جميعًا بعد قتله.
أيها الحبيب لا تظن أن الطريق مفروش بورد، أو أنه مهيأ لك كما ترى، أنت عبد ومن علم أنه عبد لآبد أن يُرى عليه أثر العبودية، السمع لله فقط، الطاعة لله فقط، أمرك بيد الله عز وجل لا أمر إلا أمره، ولا نهي إلا نهيه، كثر عند المسلمين الشعوذة والخرافات و الجهل، حتى أن أمور الدين البسيطة لا تؤتى، لماذا؟ لأن القلوب خارت، ضعفت من الذنوب، من المعاصي من البعد، إن حياة قلبك إن كان مع الله عز وجل، وموت القلب بالبعد عن الله سبحانه.
أيها الحبيب ليس بينك وبين الموت إلا أن ينادى عليك مات فلان، ما بينك وبين الموت إلا كلمة فلان مات، بأي شيء الله أعلم قد تكون بعلة، وقد تكون بغير علة، المهم أنك ستموت.
بل من عجيب الأمور أن نرى الملك الرب سبحانه وتعالى يقول لأشرف الخلق ولصفوة الأنبياء: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)}. [الزمر].ثم لا ينتهي الأمر بموتك {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ
عباد الله السعادة أن تقف بين يدي الله عز وجل تبكي وتناجيه، هنيئًا لك يا ابن آدم لك رب كريم، ليس بينك وبينه بوابين، إلا أن تتوضئ وتنزل إلى المسجد فتقف بين يديه، فتدعوه فيستجيب لك {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.[غافر: 60].
أيها الحبيب إن السعادة في الطاعة وفي القرب من الله سبحانه، ربما ترى نفسك شقيًا تعيسًا قد أضنت بك الدنيا وأشقتك وأهلكتك، وهذه قد تكون علامة خير إن كنت مع الله عز وجل، أما إن ابتعدت عن الملك فليس إلا شتات القلب.
يذكر لنا التاريخ حال راهب من هو؟ لا نعرفه، راهب كان في مملكة أعلن فيها الملك الكفر، بل ادع أنه إله، وعبده الجميع من دون الله، خرج هذا الراهب إلى جبل من الجبال، آثر الصبر على مر الدنيا ولا الشقوة في ظل الملك الظالم الكافر، فقعد في جبل قريب منه ماء يشرب منه، ويأكل مما يجد من الشجر، إلى أن توافيه المنية، فإذا بهذا الملك كان له ساحر ظالم باغي مجرم كان يضلل على الناس أمرهم، فإذا بالملك يرى أن الساحر قد هرم بلغ من العمر ما بلغ وخرف، فأراد أن يستبدله بآخر فبحث في مملكته فإذا هو بغلام ذكي، جيئ بهذا الغلام من بين ألاف من الغلمان، فطن ذكي لا يصلح إلا هو لأن يكون هو ذراع الملك في تضليل أمته، فأرسل هذا الغلام ليتعلم عند هذا الساحر.
ذهب هذا الغلام لهذا الساحر ليتعلم منه كان فرحًا، كان رأسًا من الرؤوس، إن دخل على الملك بلا إذن، بخلاف غيره من رعاع أمته، بلا إذن، فكان يذهب إلى الساحر ويعود إلى الملك، ثم يرجع إلى أهله، فبينما هو يومًا يسير في الطريق إذا هو بصوت من غار بعيد، كأنه صوت مناجاة، صوت عجيب فيه حنين فيه رقة، فتعجب الغلام من هذا الصوت وظل يدنو ويدنو حتى اقترب من الغار، فإذا هو بشيخ كبير قد بلغ من العمر ما بلغ، يدعو ويذكر الله عز وجل، سأله الغلام من أنت؟ قال: رجل، ما الذي أجلسك هنا؟ قال: فرارًا من الملك، قال: الملك فلان؟ قال: نعم، قال إنه ربي -أي رب الغلام- وهو يعلموني حتى أكون ساحره، فقال: يا بني إنه كافر، وإنه ظالم وإنه باغي، وإياك أن تسير في الطريق الذي أرادك إليه فتهلك.
حدث عند الغلام رعدة، وخوف وفزع، قال: ملكي وإلهي تعيبه؟ فهزه الراهب هزة، وصلت إلى القلب، إن الذي يملك السموات والأرض الله الملك، أما ملكك لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، سرعان ما آمن الغلام، وجد السعادة بمجرد أن آمن بهذا الرجل الفار الذي في شعب من الشعاب أو على شظية جبل، يعيش في العراء، ذاق لذة، ولكن هناك صراع بين المُلك أن يكون مع الملك، وبين هذا الرجل الفقير الذي لا يملك من حطام الدنيا شيئًا إلا العراء، تمضي الأيام والغلام يتأثر بالراهب.
فإذا به يريد أن يجعل اختبارًا لنفسه، كل منا يحتاج أن يعرض قلبه على الله عز وجل أصادق أم كاذب؟ فعل الغلام هذا عرض قلبه على الله عز وجل، في مرة رأى دابة عظيمة قد سدت على الناس الطريق، فأخذ حجرًا وقال: أنظر الأن أمر الراهب أعظم أم أمر الساحر، وألقى بالحجر فإذا به يصيب الدابة وتتنحى عن الطريق، علم أن أمر هذا العابد أعظم عند الله عز وجل من أمر هذا الملك الظالم.
وكان من قصة هذا الغلام ما أن أيقظ الله به أمة، حتى قتل وآمن أهل بلد هذا الملك عن بكرة أبيهم، وما بقي معه إلا الأشقياء، من صاحب هذه القصة، من هو رأسها، إنه هذا الراهب، هذا العابد الذي اعتزل الشر وجلس في شظية جبل فساق الله إليه صيدًا ثمينًا، غلامًا يعده الملك ليكون في منصب أعلى من سلطة الملك، فإذا بهذا الغلام يدل الناس جميعًا على الخير ويؤمنوا جميعًا بعد قتله.
أيها الحبيب لا تظن أن الطريق مفروش بورد، أو أنه مهيأ لك كما ترى، أنت عبد ومن علم أنه عبد لآبد أن يُرى عليه أثر العبودية، السمع لله فقط، الطاعة لله فقط، أمرك بيد الله عز وجل لا أمر إلا أمره، ولا نهي إلا نهيه، كثر عند المسلمين الشعوذة والخرافات و الجهل، حتى أن أمور الدين البسيطة لا تؤتى، لماذا؟ لأن القلوب خارت، ضعفت من الذنوب، من المعاصي من البعد، إن حياة قلبك إن كان مع الله عز وجل، وموت القلب بالبعد عن الله سبحانه.
أيها الحبيب ليس بينك وبين الموت إلا أن ينادى عليك مات فلان، ما بينك وبين الموت إلا كلمة فلان مات، بأي شيء الله أعلم قد تكون بعلة، وقد تكون بغير علة، المهم أنك ستموت.
بل من عجيب الأمور أن نرى الملك الرب سبحانه وتعالى يقول لأشرف الخلق ولصفوة الأنبياء: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)}. [الزمر].ثم لا ينتهي الأمر بموتك {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ
صلاح الدين علي عبد الموجود
أحد المنشغلين بعلم الحديث وله كثير من طلبة العلم يدرسون عليه، وهو من دعاة أنصار السنة المحمدية بجمهورية مصر العربية
- التصنيف:
- المصدر:
- تاريخ ومكان الإلقاء:
خطبة الجمعة بمسجد الإمام أحمد بن حنبل-مطوبس-مصر -16 من محرم 1433هـ الموافق 30-11-2012