بين الحانوكاه والكريسماس! • مع نهاية كل عام ميلادي يتجدّد الجدل حول حكم تهنئة النصارى في أعيادهم ...
بين الحانوكاه والكريسماس!
• مع نهاية كل عام ميلادي يتجدّد الجدل حول حكم تهنئة النصارى في أعيادهم الشركية التي تزعم أن "عيسى هو الله!" وأنه "ابن الله" تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
لكننا لا نجد هذا الجدل يُثار حول حكم تهنئة اليهود في أعيادهم، مع أن نفس المسوّغات التي يفترضونها في النصارى، موجودة في اليهود، ومواقفهم من المسلمين متداخلة متماثلة! فلماذا يثار الجدل حول أحدهما دون الآخر؟! وتخيل كيف ستكون ردة فعل الناس على شخص يهنيء اليهود بعيد "الحانوكاه" الذي يقارب زمان "الكريسماس".
إنه الاضطراب العقدي، فنحن نرى من يقيم الدنيا ويُقعدها لتورط حكومة أو فرد بعلاقات سرّية مع اليهود، بينما لا غضاضة ولا نكير على من يوثّق تحالفاته ويرسم مع النصارى شعوبا وحكومات، فضلا عن أن يهنئهم في أعيادهم، مع أن الآيات لم تفرق بين الفعلين في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ}، ومع أن الفريقين كفروا بالله تعالى بأبشع وأشنع صورة: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ}، ومع أن الله شرع لنا في كل صلاة الاستعاذة من سبيل الفريقين {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} و{الضَّالِّينَ}، وبيّن لنا أن اقتضاء صراطه المستقيم في البراءة التامة من الطرفين، فلماذا يشنّعون على التقارب من اليهود، بينما يتقبلون ويتساهلون في التقارب من النصارى، بل يتهافتون على تهنئتهم والتودد ١إليهم بحجج وذرائع واهية لا يسيغونها في اليهود؟!
ولقد كنا نرى هذا الفصام المنهجي في ردود أفعالهم على استهداف النصارى واليهود في أعيادهم، فيباركون طعن يهودي في "العُرُش" أو "الحانوكاه" ويطعنون فيمن يقتل عشرات النصارى في "الكريسماس" ويعدون الأول "بطلا" والثاني "خارجيا!".
ولذلك من الغبن تصنيف الجدل المثار حول هذه المسألة جدلا فقهيا مجردا، بل هي مسألة عقدية تنم عن مدى عظمة التوحيد في قلوب العباد، ومدى تسليمهم بكفر النصارى ووجوب بغضهم ومعاداتهم تماما كاليهود، وقد بيّن ابن القيم ذلك في فتواه الشهيرة حول المسألة، ووضع يده على الجرح كعادته وشيخه في سبر أغوار النفس البشرية فقال: "وكثير ممن لا قدر للدين عنده، يقع في ذلك" وهذه والله لم تزل هي المشكلة وعين العلة، فإنّ تهافُت الناس على تهنئة النصارى ليس بسبب جهلهم بالحكم الشرعي، ولا حرصا منهم على دعوة النصارى ليلة الكريسماس!، بل بسبب اهتزاز قدر الدين في النفوس، فإنه والله لو عظم قدر الإسلام في نفوسهم، وأيقنوا أنه الدين الحق الأوحد، وأن الله لن يقبل سواه من أحد؛ لأنِفوا أن يتقدموا إلى النصارى بتهنئة في عيد كفري كهذا، ولكنهم استنكفوا أن يكونوا عبادا لله حق العبودية.
ويثير هؤلاء شبها متهاوية حول المسألة، فيدرجون تهنئة النصارى بأعيادهم الدينية تحت بند البر والقسط في قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ... أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}، علما أن تهنئة النصارى بأعيادهم الكفرية مسألة مستقلة تماما عن سياق الآية لأنها محرمة شرعا، وأن الآية محمولة على الكافر غير المحارب، ومع ذلك نقول: هل حقق نصاری زماننا الشروط التي ذكرتها الآية السابقة لينالوا برنا وقسطنا؟! يدفعنا ذلك للتطرق إلى أحكام أهل الذمة الذين لا يُمنحون "عقد الذمة" من الإمام إلا ببذل الجزية والتزام أحكام الملة، التي جلّتها العهدة العمرية الشهيرة، فهل حقق نصارى زماننا شروطها لينالوا عهدها، أم قد نقضوها من أولها لآخرها؟! بل ولو حققوا شروطها كاملة، لم يجز لنا تهنئتهم في أعيادهم لأنها من شعائر دينهم الباطل، وهو ما لم تفعله القرون المفضلة، فلم يفعله النبي ﷺ ولا الصحابة ولا التابعون.
◽ المصدر: صحيفة النبأ العدد 475
الخميس 25 جمادى الآخرة 1446هـ
مقتطف من المقال الافتتاحي:
بين الحانوكاه والكريسماس!
• مع نهاية كل عام ميلادي يتجدّد الجدل حول حكم تهنئة النصارى في أعيادهم الشركية التي تزعم أن "عيسى هو الله!" وأنه "ابن الله" تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
لكننا لا نجد هذا الجدل يُثار حول حكم تهنئة اليهود في أعيادهم، مع أن نفس المسوّغات التي يفترضونها في النصارى، موجودة في اليهود، ومواقفهم من المسلمين متداخلة متماثلة! فلماذا يثار الجدل حول أحدهما دون الآخر؟! وتخيل كيف ستكون ردة فعل الناس على شخص يهنيء اليهود بعيد "الحانوكاه" الذي يقارب زمان "الكريسماس".
إنه الاضطراب العقدي، فنحن نرى من يقيم الدنيا ويُقعدها لتورط حكومة أو فرد بعلاقات سرّية مع اليهود، بينما لا غضاضة ولا نكير على من يوثّق تحالفاته ويرسم مع النصارى شعوبا وحكومات، فضلا عن أن يهنئهم في أعيادهم، مع أن الآيات لم تفرق بين الفعلين في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ}، ومع أن الفريقين كفروا بالله تعالى بأبشع وأشنع صورة: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ}، ومع أن الله شرع لنا في كل صلاة الاستعاذة من سبيل الفريقين {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} و{الضَّالِّينَ}، وبيّن لنا أن اقتضاء صراطه المستقيم في البراءة التامة من الطرفين، فلماذا يشنّعون على التقارب من اليهود، بينما يتقبلون ويتساهلون في التقارب من النصارى، بل يتهافتون على تهنئتهم والتودد ١إليهم بحجج وذرائع واهية لا يسيغونها في اليهود؟!
ولقد كنا نرى هذا الفصام المنهجي في ردود أفعالهم على استهداف النصارى واليهود في أعيادهم، فيباركون طعن يهودي في "العُرُش" أو "الحانوكاه" ويطعنون فيمن يقتل عشرات النصارى في "الكريسماس" ويعدون الأول "بطلا" والثاني "خارجيا!".
ولذلك من الغبن تصنيف الجدل المثار حول هذه المسألة جدلا فقهيا مجردا، بل هي مسألة عقدية تنم عن مدى عظمة التوحيد في قلوب العباد، ومدى تسليمهم بكفر النصارى ووجوب بغضهم ومعاداتهم تماما كاليهود، وقد بيّن ابن القيم ذلك في فتواه الشهيرة حول المسألة، ووضع يده على الجرح كعادته وشيخه في سبر أغوار النفس البشرية فقال: "وكثير ممن لا قدر للدين عنده، يقع في ذلك" وهذه والله لم تزل هي المشكلة وعين العلة، فإنّ تهافُت الناس على تهنئة النصارى ليس بسبب جهلهم بالحكم الشرعي، ولا حرصا منهم على دعوة النصارى ليلة الكريسماس!، بل بسبب اهتزاز قدر الدين في النفوس، فإنه والله لو عظم قدر الإسلام في نفوسهم، وأيقنوا أنه الدين الحق الأوحد، وأن الله لن يقبل سواه من أحد؛ لأنِفوا أن يتقدموا إلى النصارى بتهنئة في عيد كفري كهذا، ولكنهم استنكفوا أن يكونوا عبادا لله حق العبودية.
ويثير هؤلاء شبها متهاوية حول المسألة، فيدرجون تهنئة النصارى بأعيادهم الدينية تحت بند البر والقسط في قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ... أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}، علما أن تهنئة النصارى بأعيادهم الكفرية مسألة مستقلة تماما عن سياق الآية لأنها محرمة شرعا، وأن الآية محمولة على الكافر غير المحارب، ومع ذلك نقول: هل حقق نصاری زماننا الشروط التي ذكرتها الآية السابقة لينالوا برنا وقسطنا؟! يدفعنا ذلك للتطرق إلى أحكام أهل الذمة الذين لا يُمنحون "عقد الذمة" من الإمام إلا ببذل الجزية والتزام أحكام الملة، التي جلّتها العهدة العمرية الشهيرة، فهل حقق نصارى زماننا شروطها لينالوا عهدها، أم قد نقضوها من أولها لآخرها؟! بل ولو حققوا شروطها كاملة، لم يجز لنا تهنئتهم في أعيادهم لأنها من شعائر دينهم الباطل، وهو ما لم تفعله القرون المفضلة، فلم يفعله النبي ﷺ ولا الصحابة ولا التابعون.
◽ المصدر: صحيفة النبأ العدد 475
الخميس 25 جمادى الآخرة 1446هـ
مقتطف من المقال الافتتاحي:
بين الحانوكاه والكريسماس!