إياكم والدخول على النساء الاختلاط؛ كلمة ما ذُكرت إلا وتبادر إلى أذهان جل السامعين أن المقصود ...

منذ 2025-02-05
إياكم والدخول على النساء


الاختلاط؛ كلمة ما ذُكرت إلا وتبادر إلى أذهان جل السامعين أن المقصود بها الاختلاط بين الرجال والنساء الذين لا تربطهم بهم صلة قرابة، وهذا للأسف ما ترسّخ لدى فئام من الناس ممن تربوا على أن المسلمة يجوز لها الاختلاط بغير محارمها إذا كانوا من عائلتها كأبناء العم والخال، أو عائلة زوجها كأحمائها، الذين هم إخوة الزوج وأعمامه وأخواله.

غير أن حكم أحكم الحاكمين جاء واضحا وصريحا بتحريم ذلك، وكذلك بيّن نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى، حرمة اختلاط المسلمات بغير محارمهن وإن كان أخو زوجها.

فقد حدد الله -تبارك وتعالى- محارم المرأة في الآية الكريمة: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].

وروى الشيخان في صحيحيهما عن عقبة بن عامر، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إياكم والدخول على النساء)، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيتَ الحَمْو؟ قال: (الحَمْو الموت).
قال الحافظ ابن حجر: «وقد قال النووي المراد في الحديث أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه لأنهم محارم للزوجة يجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت، قال وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابن العم وابن الأخت ونحوهم مما يحل لها تزويجه لو لم تكن متزوجة، وجرت العادة بالتساهل فيه فيخلو الأخ بامرأة أخيه، فشبّهه بالموت وهو أولى بالمنع من الأجنبي».

ثم قال: «وقال القرطبي في المفهم المعنى أن دخول قريب الزوج على امرأة الزوج يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة، أي فهو محرّم معلوم التحريم وإنما بالغ في الزجر عنه وشبّهه بالموت لتسامح الناس به من جهة الزوج والزوجة؛ لإلفهم بذلك، حتى كأنه ليس بأجنبي من المرأة فخرج هذا مخرج قول العرب: الأسد الموت، والحرب الموت، أي لقاؤه يفضي إلى الموت، وكذلك دخوله على المرأة قد يفضي إلى موت الدين، أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج، أو إلى الرجم إن وقعت الفاحشة» [فتح الباري].

ولكن ورغم تشبيه النبي -صلى الله عليه وسلم- لدخول أحماء الزوجة عليها في غياب زوجها أو ذي محرم لها بالموت، وهذا من التغليظ في الزجر عن فعل ذلك، إلا أنه قد درج لدى كثير من الناس عدم التحرز من هذا الفعل، فبتنا نسمع عن الاختلاط بين الزوجة وأقارب زوجها، ما الله به عليم، حتى أصبحت الخلوة بين الزوجة وأحد أحمائها من أهون الأمور، ولا حسيب عليها ولا رقيب.

وعن ابن عباس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يخلُوَنّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) [متفق عليه].

وكنتيجة حتمية لهذا التهاون والتمييع لهذا الأمر، وبعد أن استنوقت الجِمال في بعض العائلات -إلا من عصم اللهُ- وغابت الغيرة والمروءة والحياء، فقد حدث في بعض بيوت المسلمين ما تقشعر لذكره الذوائب.

ثم إنه ومما يزيد الطين بلّة عادات وتقاليد نشأت عليها بعض العوائل المسلمة، فكثير من الآباء والأمهات يرون في خروج ابنهم عند زواجه للسكنى في بيت منفصل عن بيتهم عارا وشنارا، وعقوقا ما بعده عقوق، فتجدهم يلزمون جميع أبنائهم بالسكن في بيت العائلة الكبير، ولا بأس حينها من الاختلاط وظهور زوجات الأبناء أمام الأحماء إخوان الزوج؛ يجلسون معاً، ويأكلون معاً، ويشاهدون التلفاز -المحرم- معاً، ويتسامرون معاً وهكذا تمضي الحياة! والويل كل الويل، والثبور كل الثبور لمن تحلم من الزوجات مجرد حلم ببيت منفصل عن بيت أهل الزوج!
ولكن وبعد أن فتح الله على عباده الموحدين، وتمكنت الدولة الإسلامية -بفضل الله وحده- من بسط سلطانها وتحكيم شرع الله، عز وجل، وفُتحت المعاهد وأُقيمت الدورات الشرعية للنساء، انتبه كثير منهن إلى خطورة ما تربين عليه وألفنه من الاختلاط مع أحمائهن، وأصبحن ينشدن الحلول لمثل هذه العادات المحرمة شرعا.

ولمثل هؤلاء نقول، لقد جاء في الحديث الشريف أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، حتى وإن كان هذا المخلوق الذي يأمر بالمعصية، هو الزوج الذي طاعته واجبة على الزوجة، وظهور المرأة أمام أحمائها مكشوفة الوجه معصية عظيمة، بل إنها وإن جلست معهم بخمارها ولم يبدُ منها شيء، فإن ذلك لا يجوز أيضا، فهذا باب فتنة عظيم حري بالزوج المسلم الغيور أن يوصده.

ولا يظن بعض الرجال أن هذا تحريض للنساء على التمرد على أزواجهن بطلب بيت مستقل بعيد عن الأحماء، ولكننا نربأ بالمسلمة أن تتعدى حدود ربها، عز وجل، وتنال رضا زوجها بسخط الله تعالى، وإن هي أقامت في بيت أهل زوجها لقلة ذات اليد وعدم قدرة الزوج على توفير بيت مستقل، فأقلها أن يضمن لها الزوج الضوابط الشرعية لإقامتها، بحيث لا تجتمع مع غير ذي محرم.

وسؤال لكل ذي غيرة، لقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف الرجال أوّلها، وشرّها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرّها أوّلها)، فإذا كان هكذا يجب أن يكون حال المرأة في بيوت الله تعالى، وهي تؤدي فريضة الصلاة، بعيدة كل البعد عن الرجال، فلا يرونها ولا تراهم خشية الفتنة، فكيف يسمح الزوج بعد هذا لأخيه الأجنبي عن زوجته، أن يدخل بيته في غيابه، ليجالس زوجته ويحادثها والشيطان ثالثهما؟!
ونقول للأخت المسلمة التي تعترضها بعض الصعوبات وهي تجاهد نفسها ومن حولها حتى تجتنب الاختلاط: اثبتي فإنك على الحق، ولا تهتمي لمضايقة الأهل لك وسخريتهم منك -وهذا ما يحدث في كثير من البيوت إذا ما قررت المسلمة اعتزال الأقرباء الغرباء عنها- ولا تزيدنك همزاتهم وغمزاتهم إلا ثباتا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 43
تيليغرام:
@wmc111at

6775d63d38a0f

  • 6
  • 0
  • 16

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً