ستُهزم روسيا بأيدينا لا بأيدي غيرنا... إن شاء الله الحرب في الفكر العسكري الغربي هي شكل من ...
ستُهزم روسيا بأيدينا لا بأيدي غيرنا... إن شاء الله
الحرب في الفكر العسكري الغربي هي شكل من أشكال السياسة، لا يلجأ إليها الخصمان أو أحدهما ما دام هناك وسيلة أخرى لتحقيق الأهداف، وتأمين المصالح، بسبب تكلفتها العالية بشريا واقتصاديا وعسكريا، وخاصة إذا كان الخصوم من القوة بمكان بحيث يتمكن كل منها من إحداث ضرر كبير بعدوه، فلا يخرج المنتصر من الحرب إلا وقد مُنِي بخسائر فادحة، لا تعوضها الفوائد المرجوة من هذه الحرب أحيانا.
فما دام هناك وسائل يأمل الخصوم من خلالها تحصيلَ المطامع أو تأمينَ المصالح، فإن فرص الحرب تتراجع، حتى إذا أحكم كل من الخصمين المنافذ في وجه خصمه، ولم يبق هناك ما يمكن التفاوض عليه، أو التنازل عنه طلبا لبديل، ازدادت احتمالات الحرب بين الطرفين.
وهذا ما نراه اليوم في لعبة السياسة الدولية القائمة بين كل من روسيا وأمريكا، التي ساحتها ليست أرض أي من البلدين ولكن مناطق النفوذ المفترض لكل منهما، حيث يناور الطرفان بما لديه من عوامل قوة لانتزاع النقاط من خصمه، وحرمانه من تحصيلها.
وإذا أخذنا بالاعتبار أن مساحة اللعب بين الطرفين ذات امتداد كبير جدا، يشمل قارتين من قارات العالم، هما آسيا وأوروبا، وهي مرشحة بقوة للتمدد في إفريقيا، علمنا حينها أن خسارة أي من الطرفين لجولة هنا، أو منفعة هناك لا تعني لأي منهما خسارة اللعبة ككل، بل لا ضير عندهما من الاستمرار فيها بأن يتنازل أحدهما للآخر عن قضية يتبناها، لقاء أن يتنازل له خصمه في قضية أخرى لا تزال أوراقها القوية في يده.
وعلى أطراف هذه الحلبة الكبرى للصراع تتموضع حلبات جانبية بين الدول المرتبطة بكل من الخصمين المتصارعين، تخضع صراعاتهم لقواعد الصراع المركزي، وتتأثر بنتائجه.
وبناء على هذا كله، فإن من التهور أن يحسب المتابع للأحداث أن كل تهديد أو تصريح معاد أو استعراض للقوة يبذله المسؤولون الروس أو الأمريكان هو تمهيد لإعلان حرب أو ما شابه ذلك، فالتهديد في العلن قد يكون دعوة إلى المفاوضات في السر، والتصريح المعادي قد يكون إثارة لانتباه الخصم إلى تجاوزه عدد النقاط المقبول تحصيله في إحدى المباريات، واستعراض القوة قد يكون تعريفا بالحدود التي يجب أن يلتزمها كل من الطرفين، والتأكيد على أهمية موقع قد يكون إعلانا لقيمته المرتفعة في أي عملية مقايضة يمكن إجراؤها بينهما، وكل ذلك على اعتبار أن تحقيق التهديدات، أو إيقاع القوة محلَّها، أو الإصرار العنيد على الفوز في كل المباريات، هو الخط الأحمر الوحيد الذي يحرص الطرفان على عدم تجاوزه، دون بقية الخطوط الحمراء الوهمية الكثيرة التي يرسمها كل منهما على خريطة السياسة الدولية.
إن ضغط روسيا الأكبر ليس واقعا على أمريكا، ولكن على الدول الأوروبية التي باتت تشعر أنها مهددة فعلا بالمطامع الروسية التي ليس لها حد، في الوقت الذي تنزوي فيه أمريكا إلى داخل قارتها تلعق جراحها الكثيرة التي أنهكتها على مدى العقدين الماضيَين من الحرب الشرسة ضد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، تاركة دول أوروبا لذاتها، معلنة العجز عن الاستمرار في حمايتها إلى الأبد، حتى لو قررت دفع ثمن هذه الحماية، وهذا ما جرأ روسيا على الحط أكثر من هيبة تلك الدول، والاستفزاز المستمر لها، وتذكيرها بكهولتها وعجزها منفردة أو حتى مجتمعة عن الوقوف في وجه التمدد الروسي الذي بات يهدد دول أوروبا الشرقية كلها، في حين تتجنب دول أوروبا أي مواجهة، بل تسعى جهدها للتخفيف من غضب حكام روسيا، ومنعهم من التهور بالإقدام على أي عمل يفوق طاقة حكام تلك الدول عن التغافل والسكوت عنه، معترفين ضمنيا بكهولة دولهم وأمراضها، التي لن ينفعها على المدى القريب الحجم الكبير من الأجانب الذين قُبلوا لاجئين في تلك الدول.
وإن على المجاهدين في سبيل الله أن يتحسبوا لفترة صراع طويلة مع روسيا وحلفائها في مختلف المناطق، حتى قبل الانتهاء من صراعهم الحالي مع أمريكا، خاصة وأنها تحاول أن تنازع أمريكا والدول الأوروبية الصليبية على زعامة الحرب على المسلمين، وأن يعدّوا العدّة ليحسموا هذا الصراع لصالحهم مهما طال أمده، وقد جربنا روسيا وحلفاءها في الشام، وما تكرار تجربة الأمريكيين في العراق بحقهم بالأمر العسير، ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 124
الخميس 5 رجب 1439 هـ
الحرب في الفكر العسكري الغربي هي شكل من أشكال السياسة، لا يلجأ إليها الخصمان أو أحدهما ما دام هناك وسيلة أخرى لتحقيق الأهداف، وتأمين المصالح، بسبب تكلفتها العالية بشريا واقتصاديا وعسكريا، وخاصة إذا كان الخصوم من القوة بمكان بحيث يتمكن كل منها من إحداث ضرر كبير بعدوه، فلا يخرج المنتصر من الحرب إلا وقد مُنِي بخسائر فادحة، لا تعوضها الفوائد المرجوة من هذه الحرب أحيانا.
فما دام هناك وسائل يأمل الخصوم من خلالها تحصيلَ المطامع أو تأمينَ المصالح، فإن فرص الحرب تتراجع، حتى إذا أحكم كل من الخصمين المنافذ في وجه خصمه، ولم يبق هناك ما يمكن التفاوض عليه، أو التنازل عنه طلبا لبديل، ازدادت احتمالات الحرب بين الطرفين.
وهذا ما نراه اليوم في لعبة السياسة الدولية القائمة بين كل من روسيا وأمريكا، التي ساحتها ليست أرض أي من البلدين ولكن مناطق النفوذ المفترض لكل منهما، حيث يناور الطرفان بما لديه من عوامل قوة لانتزاع النقاط من خصمه، وحرمانه من تحصيلها.
وإذا أخذنا بالاعتبار أن مساحة اللعب بين الطرفين ذات امتداد كبير جدا، يشمل قارتين من قارات العالم، هما آسيا وأوروبا، وهي مرشحة بقوة للتمدد في إفريقيا، علمنا حينها أن خسارة أي من الطرفين لجولة هنا، أو منفعة هناك لا تعني لأي منهما خسارة اللعبة ككل، بل لا ضير عندهما من الاستمرار فيها بأن يتنازل أحدهما للآخر عن قضية يتبناها، لقاء أن يتنازل له خصمه في قضية أخرى لا تزال أوراقها القوية في يده.
وعلى أطراف هذه الحلبة الكبرى للصراع تتموضع حلبات جانبية بين الدول المرتبطة بكل من الخصمين المتصارعين، تخضع صراعاتهم لقواعد الصراع المركزي، وتتأثر بنتائجه.
وبناء على هذا كله، فإن من التهور أن يحسب المتابع للأحداث أن كل تهديد أو تصريح معاد أو استعراض للقوة يبذله المسؤولون الروس أو الأمريكان هو تمهيد لإعلان حرب أو ما شابه ذلك، فالتهديد في العلن قد يكون دعوة إلى المفاوضات في السر، والتصريح المعادي قد يكون إثارة لانتباه الخصم إلى تجاوزه عدد النقاط المقبول تحصيله في إحدى المباريات، واستعراض القوة قد يكون تعريفا بالحدود التي يجب أن يلتزمها كل من الطرفين، والتأكيد على أهمية موقع قد يكون إعلانا لقيمته المرتفعة في أي عملية مقايضة يمكن إجراؤها بينهما، وكل ذلك على اعتبار أن تحقيق التهديدات، أو إيقاع القوة محلَّها، أو الإصرار العنيد على الفوز في كل المباريات، هو الخط الأحمر الوحيد الذي يحرص الطرفان على عدم تجاوزه، دون بقية الخطوط الحمراء الوهمية الكثيرة التي يرسمها كل منهما على خريطة السياسة الدولية.
إن ضغط روسيا الأكبر ليس واقعا على أمريكا، ولكن على الدول الأوروبية التي باتت تشعر أنها مهددة فعلا بالمطامع الروسية التي ليس لها حد، في الوقت الذي تنزوي فيه أمريكا إلى داخل قارتها تلعق جراحها الكثيرة التي أنهكتها على مدى العقدين الماضيَين من الحرب الشرسة ضد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، تاركة دول أوروبا لذاتها، معلنة العجز عن الاستمرار في حمايتها إلى الأبد، حتى لو قررت دفع ثمن هذه الحماية، وهذا ما جرأ روسيا على الحط أكثر من هيبة تلك الدول، والاستفزاز المستمر لها، وتذكيرها بكهولتها وعجزها منفردة أو حتى مجتمعة عن الوقوف في وجه التمدد الروسي الذي بات يهدد دول أوروبا الشرقية كلها، في حين تتجنب دول أوروبا أي مواجهة، بل تسعى جهدها للتخفيف من غضب حكام روسيا، ومنعهم من التهور بالإقدام على أي عمل يفوق طاقة حكام تلك الدول عن التغافل والسكوت عنه، معترفين ضمنيا بكهولة دولهم وأمراضها، التي لن ينفعها على المدى القريب الحجم الكبير من الأجانب الذين قُبلوا لاجئين في تلك الدول.
وإن على المجاهدين في سبيل الله أن يتحسبوا لفترة صراع طويلة مع روسيا وحلفائها في مختلف المناطق، حتى قبل الانتهاء من صراعهم الحالي مع أمريكا، خاصة وأنها تحاول أن تنازع أمريكا والدول الأوروبية الصليبية على زعامة الحرب على المسلمين، وأن يعدّوا العدّة ليحسموا هذا الصراع لصالحهم مهما طال أمده، وقد جربنا روسيا وحلفاءها في الشام، وما تكرار تجربة الأمريكيين في العراق بحقهم بالأمر العسير، ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 124
الخميس 5 رجب 1439 هـ