أسرار الصلاة (27)- أسرار الركوع

ثم شرع له بأن يخضع للمعبود سبحانه بالركوع خضوعاً لعظمة ربه، واستكانة لهيبته وتذللاً لعزته. فثناء  العبد على ربه في هذا الركن؛ هو أن يحني له صلبه، ويضع له قامته، وينكس له رأسه، ويحني له ظهره، ويكبره مُعظماً له، ناطقاً بتسبيحه، المقترن بتعظيمه.

فاجتمع له خضوع القلب، وخضوع الجوارح، وخضوع القول على أتم الأحوال، ويجتمع له في هذا الركن من الخضوع والتواضع والتعظيم والذكر ما يفرق به بين الخضوع لربه، والخضوع للعبيد بعضهم لبعض، فإنَّ الخضوع وصف العبد، والعظمة وصف الرب.

الصلاة

الصلاة فيها دفع مكروه وهو الفحشاء والمنكر، وفيها تحصيل محبوب وهو ذكر الله، وحصول هذا المحبوب أكبر من دفع ذلك المكروه (العبودية ص [99]). 

أسرار الصلاة (47)- من كانت الصلاة بستان له!

ففرق بين مَن كانت الصلاة لجوارحه قيداً ثقيلاً، ولقلبه سجناً ضيقا حرجاً، ولنفسه عائقا، وبين مَن كانت الصلاة لقلبه نعيماً، ولعينه قرة ولجوارحه راحة، ولنفسه بستاناً ولذة.

 فالأول: الصلاة سجن لنفسه، وتقييد لجوارحه عن التورط في مساقط الهلكات، وقد ينال بها التكفير والثواب، أوينال من الرحمة بحسب عبوديته لله تعالى فيها، وقد يعاقب على ما نقص منها. والقسم الآخر: الصلاة بستان له، يجد فيها راحة قلبه، وقرّة عينه، ولذَّة نفسه، وراحة جوارحه، ورياض روحه، فهو فيها في نعيم يتفكَّه، وفي نعيم يتقلَّب يوجب له القرب الخاص والدنو، والمنزلة العالية من الله عزَّ وجل، ويشارك الأولين في ثوابهم، بل يختص بأعلاه، وينفرد دونهم بعلو المنزلة والقربة، التي هي قدر زائد على مجرد الثواب.

أسرار الصلاة (46)- أرحنا بالصّلاة!

وتامل كيف قال: «أرحنا بالصّلاة» ولم يقل: "أرحنا منها"، كما يقوله المتكلف الكاره لها، الذي لا يصليها إلا على إغماض وتكلف، فهوفي عذاب ما دام فيها، فإذا خرج منها وجد راحة قلبه ونفسه؛ وذلك أنَّ قلبه ممتلئ بغيره، والصلاة قاطعة له عن أشغاله ومحبوباته الدنيوية، فهومعذَّب بها حتى يخرج منها، وذلك ظاهر في أحواله فيها، من نقرها، والتفات قلبه إلى غير ربه، وترك الطمأنينة والخشوع فيها، ولكن قد عَلِمَ أنَّه لا بدّ له من أدائها، فهو يؤديها على أنقص الوجوه، قائل بلسانه ما ليس في قلبه ويقول بلسان قلبه حتى نصلي فنستريح من الصلاة، لا بها.

أسرار الصلاة (45)- وجعلت قرة عيني في الصلاة

ولهذا لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: جعلت قرة عيني في الصوم، ولا في الحج والعمرة، ولا في شيء من هذه الأعمال وإنما قال: «وجعلت قرة عيني في الصلاة» (صحيح، زاد المعاد [1/145]) .

وتأمل قوله: «وجعلت قرة عيني في الصلاة» ولم يقل: "بالصلاة "، إعلاماً منه بأن عينه لا تقر إلا بدخوله كما تقر عين المحب بملابسته لمحبوبه وتقر عين الخائف بدخول في محل أنسه وأمنه، فقرة العين بالدخول في الشيء أم وأكمل مِت قرة العين به قبل الدخول فيه، ولما جاء إلى راحة القلب من تعبه ونصبه قال: «يا بلالُ أقمِ الصلاةَ، أرِحْنا بها» (صحيح أبي داود [4985])، أي أقمها لنستريح بها من مقاساة الشواغل كما يستريح التعبان إذا وصل إلى مأمنه ومنزله وقرَّ فيه، وسكن وفارق ما كان فيه من التعب والنصب.

أسرار الصلاة (44)- ثمرة الصلاة

وكما أن الصوم ثمرته تطهير النفس، وثمرة الزكاة تطهير المال، وثمرة الحج وجوب المغفرة، وثمرة الجهاد تسليم النفس إليه، التي اشتراها سبحانه من العباد، وجعل الجنة ثمنها؛ فالصلاة ثمرتها الإقبال على الله، وإقبال الله سبحانه على العبد، وفي الإقبال على الله في الصلاة جميع ما ذكر من ثمرات الأعمال وجميع ثمرات الأعمال في الإقبال على الله فيها.

أسرار الصلاة (43)- فقيل له مسلم!

ولما كان العبد بين أمرين من ربه عز وجل:
أحدهما: حكم الرب عليه في أحواله كلها ظاهراً وباطناً، واقتضاؤه من القيام بعبودية حكمه، فإن لكلّ حكم عبودية تخصه، أعني الحكم الكوني القدري، والثاني: فعل، يفعله العبد عبودية لربه، وهو موجب حكمه الديني الأمري.

وكلا الأمرين يوجبان بتسليم النفس إلى الله سبحانه، ولهذا اشتق له اسم الإسلام من التسليم، فإنه لما سلّم لحكم ربه الديني الأمري، ولحكمه الكوني القدري، بقيامه بعبودية ربه فيه لا باسترساله معه في الهوى، والشهوات، والمعاصي، ويقول: قدَّر عليّ استحق اسم الإسلام فقيل له: مسلم.

أسرار الصلاة (42)- أسرار التشهد!

فإذا جلس في التشهد فله حال آخر، وإقبال آخر يشبه حال الحاج في طواف الوداع، واستشعر قلبه الانصراف من بين يدي ربه إلى أشغال الدنيا والعلائق والشواغل التي قطعه عنها الوقوف بين يدي ربه، وقد ذاق قلبه التألم والعذاب بها قبل دخوله في الصلاة، فباشر قلبه روح القرب، ونعيم الإقبال على الله تعالى، وعافيته منها وانقطاعها عنه مدة الصلاة، ثم استشعر قلبه عوده إليها بخروجه من حمى الصلاة، فهو يحمل همَّ انقضاء الصلاة وفراغه منها ويقول: "ليتها اتصلت بيوم اللقاء".

أسرار الصلاة (41)- الإقبال في الصلاة

والإقبال في الصلاة على ثلاثة منازل: إقبال العبد على قلبه فيحفظه ويصلحه من أمراض الشهوات والوساوس، والخطرات المُبطلة لثواب صلاته أوالمنقصة لها، والثاني: إقباله على الله بمراقبته فيها حتى يعبده كانه يراه، والثالث: إقباله على معاني كلام الله، وتفاصيله وعبودية الصلاة ليعطيها حقها من الخشوع والطمأنينة وغير ذلك. فباستكمال هذه المراتب الثلاث يكون قد أقام الصلاة حقاً، ويكون إقبال الله على المصلي بحسب ذلك.

 

أسرار الصلاة (40)- وسرُّ الصلاة!

وسرُّ الصلاة وروحها ولبُّها، هو إقبال العبد على الله بكليّته فيها، فكما أنه لا ينبغي أن يصرف وجهه عن القبلة إلى غيرها فيها، فكذلك لا ينبغي له أن يصرف قلبه عن ربِّه إلى غيره فيها. بل يجعل الكعبة ـالتي هي بيت الله ـ قبلة وجهه وبدنه، ورب البيت تبارك وتعالى قبلة قلبه وروحه، وعلى حسب إقبال العبد على الله في صلاته، يكون إقبال الله عليه، وإذا أعرضَ أعرض الله عنه، كما تدين تُدان.

أسرار الصلاة (39)- لمن سمع الآذان

ما شرع لمن سمع الآذان: أن يقول كما يقول المؤذن، وأن يقول رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، وأن يسأل الله لرسوله الوسيلة والفضيلة، وأن يبعثه المقام المحمود، ثم ليصل عليه، ثم يسأل حاجته، فهذه خمس سنن في إجابة المؤذن لا ينبغي الغفلة عنها.

أسرار الصلاة (38)- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

وشرع له أن يتوسل قبلها بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها من أعظم الوسائل بين يدي الدعاء، كما في السنن عن فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دعا أحدكم فليبدأ بحمد الله، والثناء عليه، وليصل على رسوله ثم ليسل حاجته» (سنن أبي داود [1481])، ثم جعل الدعاء لآخر الصلاة كالختم عليها. فجاءت التحيات على ذلك، أولها حمدٌ لله، والثناء عليه ثم الصلاة على رسوله ثم الدعاء آخر الصلاة، وأَذِنَ النبي صلى الله عليه وسلم للمصلي بعد الصلاة عليه أن يتخير من المسألة ما يشاء.

شخصيات قد تهتم بمتابَعتها

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً