سورة نوح - تفسير السعدي
" إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم "
إنا بعثنا نوحا إلى قومه, وقلنا له: حذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب موجع
" قال يا قوم إني لكم نذير مبين "
قال نوح: يا قومي إني نذير لكم بين الإنذار من عذاب الله إن عصيتموه,
" أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون "
أن وحدوا الله تعالى, واعبدوه, وخافوا عقابه, وأطيعوني فيما آمركم به, وأنهاكم عنه, فإني رسول الله إليكم؟
" يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون "
يصفح عن ذنوبكم ويمدد في أعماركم إلى وقت مقدر في علم الله تعالى, إن الموت إذا جاء لا يؤخر أبدا, لو كنتم تعلمون ذلك لسارعتم إلى الإيمان والطاعة.
" قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا "
قال نوح: رب إني دعوت قومي إلى الإيمان بك وطاعتك في الليل والنهار,
" فلم يزدهم دعائي إلا فرارا "
فلم يزدهم دعائي لهم إلى الإيمان إلا هربا وإعراضا عنه,
" وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا "
وإني كلما دعوتهم إلى الإيمان بك, ليكون سببا في غفرانك ذنوبهم, وضعوا أصابعهم في آذانهم ; كي لا يسمعوا دعوة الحق, وتغطوا بثيابهم كي لا يروني, وأقاموا على كفرهم, واستكبروا عن قبول الإيمان استكبارا شديدا,
" ثم إني دعوتهم جهارا "
ثم إني دعوتهم إلى الإيمان ظاهرا علنا في غير خفاء,
" ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا "
ثم إني أعلنت لهم الدعوة بصوت مرتفع في حال, وأسررت بها بصوت خفي في حال أخرى,
" فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا "
فقلت لقومي: سلوا ربكم غفران ذنوبكم, وتوبوا إليه من كفركم, إنه تعالى كان غفارا لمن تاب من عباده ورجع إليه.
" يرسل السماء عليكم مدرارا "
إن تتوبوا وتستغفروا ينزل الله عليكم المطر غزيرا متتابعا,
" ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا "
ويكنز أموالكم وأولادكم, ويجعل لكم حدائق تنعمون بثمارها وجمالها, ويجعل لكم الأنهار التي تسقون منها زرعكم ومواشيكم.
" ما لكم لا ترجون لله وقارا "
مالكم -أيها القوم- لا تخافون عظمة الله وسلطانه,
" وقد خلقكم أطوارا "
وقد خلقكم في أطوار متدرجة: نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ولحما؟
" ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا "
ألم تنظروا كيف خلق الله سبع سموات متطابقة بعضها فوق بعض
" وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا "
وجعل القمر في هذه السموات نورا, وجعل الشمس مصباحا مضيئا يستضيء به أهل الأرض؟
" والله أنبتكم من الأرض نباتا "
والله أنشأ أصلكم من الأرض إنشاء,
" ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا "
ثم يعيدكم في الأرض بعد الموت, ويخرجكم يوم البعث إخراجا محققا.
" والله جعل لكم الأرض بساطا "
والله جعل لكم الأرض ممهدة كالبساط,
" لتسلكوا منها سبلا فجاجا "
لتسلكوا فيها طرفا واسعة.
" قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا "
قال نوح: رب إن قومي بالغوا في عصياني وتكذيبي, واتبع الضعفاء منهم الرؤساء الضالين الذين لم تزدهم أموالهم وأولادهم إلا ضلالا في الدنيا وعقابا في الآخرة,
" ومكروا مكرا كبارا "
ومكر رؤساء الضلال بتابعيهم من الضعفاء مكرا عظيما,
" وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا "
وقالوا لهم: لا تتركوا عبادة آلهتكم إلى عبادة الله وحده, التي يدعو إليها نوح, ولا تتركوا ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا- وهذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله, وكانت أساء رجال صالحين, لما ماتوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن يقيموا لهم التماثيل والصور; لينشطوا- بزعمهم- على الطاعة إذا رأوها, فلما ذهب هؤلاء القوم وطال الأمد, وخلفهم غيرهم, وسوس لهم الشيطان بأن أسلافهم كانوا يعبدون التماثيل والصور, ويتوسلون بها, وهذه هي الحكمة من تحريم التماثيل, وبناء القباب على القبور; لأنها تصير مع تطاول الزمن معبودة للجهال.
" وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا "
وقد أضل هؤلاء المتبعون كثيرا من الناس بما زينوا لهم من طرق الغواية والضلال, ولا تزد- يا ربنا- هؤلاء الظالمين لأنفسهم بالكفر والعناد إلا بعدا عن الحق.
" مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا "
فبسبب ذنوبهم وإصرارهم على الكفر والطغيان أغرقوا بلطوفان, وأدخلوا عقب الإغراق نارا عظيمة اللهب والإحراق, فلم يجدوا من دون الله من ينصرهم, أو يدفع عنهم عذاب الله.
" وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا "
وقال نوح- عليه السلام- بعد يأسه من فهمه: رب لا تترك من الكافرين بك أحدا حيا على الأرض يدور ويتحرك
" إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا "
إنك إن تتركهم دون إهلاك يضلوا عباد الذين قد تمنها بك عن طريق الحق, ولا يأت من أصلابهم وأرحامهم إلا مائل عن الحق شديد الكفر بك والعصيان لك
" رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا "
رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا, وللمؤمنين والمؤمنات بك, ولا تزد الكافرين إلا هلاكا وخسرانا في الدنيا والآخرة.