سورة القيامة - تفسير السعدي
" لا أقسم بيوم القيامة "
أقسم الله سبحانه بيوم الحساب والجزاء,
" ولا أقسم بالنفس اللوامة "
وأقسم بالنفس المؤمنة التقية التي تلوم صاحبها على ترك الطاعة وفعل الموبقات .
" أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه "
أيظن هذا الإنسان الكافر أن لن نقدر على جمع عظامه بعد تفرقها؟
" بلى قادرين على أن نسوي بنانه "
بلى سنجمعها , قادرين على أن نجعل أصابع يديه ورجليه شيئا واحدا مستويا كخف البعير.
" بل يريد الإنسان ليفجر أمامه "
بل ينكر الإنسان البعث , يريد أن يبقى على الفجور فيما يستقبل من أيام عمره,
" يسأل أيان يوم القيامة "
يسأل هذا الكافر مستبعدا قيام الساعة: متى يكون يوم القيمة؟
" فإذا برق البصر "
فإذا تخير البصر ودهش فزعا مما رأى من أهوال يوم القيامة ,
" وخسف القمر "
وذهب نور القمر,
" وجمع الشمس والقمر "
وقرن بين الشمس والقمر في الطلوع من المغرب مظلمين,
" يقول الإنسان يومئذ أين المفر "
يقول الإنسان وقتها: أين المهرب من العذاب؟
" كلا لا وزر "
ليس الأمر كما تتمناه- أيها الإنسان من طلب الفرار ,
" إلى ربك يومئذ المستقر "
لا ملجأ لك ولا منجى إلى الله وحده مصير الخلائق يوم القيامة ومستقرهم , فيجازي كلا بما يستحق
" ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر "
يخبر الإنسان في ذلك اليوم بجميع أعماله: من خير وشر , ما قدمه منها في حياته وما أخره.
" بل الإنسان على نفسه بصيرة "
بل الإنسان حجة واضحة على نفسه تلزمه بما فعل أو ترك ,
" ولو ألقى معاذيره "
ولو جاء بكل معذرة يعتذر بها عن إجرامه , فإنه لا ينفعه ذلك.
" لا تحرك به لسانك لتعجل به "
لا تحرك- يا
محمد- بالقرآن لسانك حين نزول الوحي.
لأجل أن تتعجل بحفظه, مخافة أن يتفلت منك.
" إن علينا جمعه وقرآنه "
إن علينا جمعه في صدرك , ثم أن تقرأه بلسانك متى شئت.
" فإذا قرأناه فاتبع قرآنه "
فإذا قرأه عليك رسولنا جبريل فاستمع لقراءته وأنصت له , ثم اقرأه كما أقرأك إياه,
" ثم إن علينا بيانه "
ثم إن علينا
توضيح ما أشكل عليك فهمه من معانيه وأحكامه.
"
كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ "
ليس
الأمر كما زعمتم- يا معشر المشركين- أن لا بعث ولا جزاء , بل أنتم قوم تحبون
الدنيا وزينتها ,
" وتذرون الآخرة "
وتتركون الآخرة ونعيمها.
" وجوه يومئذ ناضرة "
وجوه أهل السعادة يوم القيامة مشرقة حسنة ناعمة,
" إلى ربها ناظرة "
ترى خالقها ومالك أمرها, فتمتع بذلك.
" ووجوه يومئذ باسرة "
ووجوه الأشقياء يوم القيامة عابسة كالحة,
" تظن أن يفعل بها فاقرة "
تتوقع أن تنزل بها مصيبة عظيمة, تقصم فقار الظهر.
" كلا إذا بلغت التراقي "
حقا إذا وصلت الروح إلى أعالي الصدر ,
" وقيل من راق "
وقال بعض الحاضرين لبعض: هل من راق يرقيه ويشفيه مما هو فيه؟
" وظن أنه الفراق "
وأيقن المحتضر أن الذي نزل به هو فراق الدنيا لمعاينته ملائكة الموت ,
" والتفت الساق بالساق "
واتصلت ضده آخر الدنيا بشدة أول الآخرة,
" إلى ربك يومئذ المساق "
إلى الله تعالى مساق العباد يوم القيامة: إما إلى الجنة وإما إلى النار.
" فلا صدق ولا صلى "
فلا آمن الكافر بالرسول والقرآن , ولا أدى لله تعالى فرائض الصلاة,
" ولكن كذب وتولى "
ولكن كتب بالقرآن , وأعرض عن الإيمان ,
" ثم ذهب إلى أهله يتمطى "
ثم مضى إلى أهله يتبختر مختالا في مشيته.
" أولى لك فأولى "
هلاك لك فهلاك ,
" ثم أولى لك فأولى "
ثم هلاك لك فهلاك.
" أيحسب الإنسان أن يترك سدى "
أيظن هذا الإنسان المنكر للبعث أن يترك هملا لا يؤمر ولا ينهى , ولا يحاسب ولا يعاقب؟
" ألم يك نطفة من مني يمنى "
ألم يك هذا الإنسان نطفة ضعيفة من ماء مهين يراق ويصب في الأرحام ,
" ثم كان علقة فخلق فسوى "
ثم صار قطعة من دم جامد , فخلقه الله بقدرته وسوى صورته في أحسن تقويم؟
" فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى "
فجعل من هذا الإنسان الصنفين: الذكر والأنثى ,
" أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى "
أليس ذلك الإله الخالق لهذه الأشياء بقادر على إعادة الخلق بعد فنائهم؟ بلى إنه - سبحانه وتعالى- لقادر على ذلك.